من الألعاب الشائعة الآن بين أفراد النخبة الصينية تخمين حجم رءوس الأموال الساخنة أو رأس المال المضارب الذي يتدفق علي الصين هذه الأيام. وتقول مجلة "الأيكونوميست" أن أحد مفاتيح الموقف يبدو واضحا في تزايد الاحتياطيات الصينية من العملة الأجنبية بسرعة أكبر علي الرغم من بدء التراجع في حجم الفائض التجاري الذي يحققه ميزان المدفوعات الصيني.. وهذا معناه إن تدفق رءوس الأموال الساخنة هو مصدر ما تصنعه الصين من احتياطيات وليس فائض الحساب الجاري. وحسب الأرقام الرسمية التي تسربت أخيرا قفز الاحتياطي الصيني من النقد الأجنبي خلال شهري أبريل ومايو بمقدار 115 مليار دولار ليصبح 1.8 تريليون دولار. وفي الشهور الخمسة الأولي من العام الحالي حتي نهاية مايو كانت الزيادة في الاحتياطي النقدي 269 مليار دولار بنسبة 20% أكثر عن نفس الفترة في عام 2007. ولكن هذه الأرقام في الحقيقة تقلل من حجم ما يكدسه البنك المركزي الصيني فعليا من احتياطيات بالنقد الأجنبي. وقد قام لوجان رايت المحلل في شركة الأبحاث الاقتصادية ستون إند مكارثي والذي يتخذ مقره في بكين بإجراء بعض الاستنتاجات والملاحظات الاحصائية لكي يعطي لتلك الأرقام معناها. وقد لاحظ الرجل أولا أن هذه الأرقام لا تتضمن ما يخصصه البنك المركزي للصندوق السيادي الصيني ولاحظ ثانيا أن البنك المركزي طلب من البنوك دفع ما تريد الاحتفاظ به من احتياطيات إضافية لدي البنك المركزي بالدولار وهذا يقلل من القيمة الدفترية للاحتياطيات الصينية. وعلي ضوء هاتين الملاحظتين يري رايت أن الزيادة الحقيقية في اجمالي الاحتياطيات الصينية تقفز لتصبح 393 مليار دولار في الشهور الخمسة الأولي من عام 2008 أي أكثر من ضعف الزيادة التي حدثت في نفس الفترة من العام الماضي. وإذا كان الفائض التجاري الصيني والاستثمارات الأجنبية المباشرة مسئولين عن 30% فقط من هذه الزيادة فيبقي هناك في رأي رايت 214 مليار دولار لا تفسير لها في تلك الشهور الخمسة وهي تساوي 500 مليار دولار إذا قدرت بمعيار سنوي أو بمعدل سنوي. ويري بعض الاقتصاديين أن هذه الفجوة لا يمكن تفسيرها إلا بتدفق رءوس الأموال الساخنة أو المضاربة. وهناك من يري أن جزءا منها يعود إلي تدفقات غير ساخنة مثل القروض التي تحصل عليها الشركات الصينية من أسواق المال العالمية. وبإجراء عمليات جمع وطرح يري رايت أن حجم رءوس الأموال الساخنة التي تدفقت علي الصين في الشهور الخمسة الأولي من عام 2008 يناهز ال170 مليار دولار. وهذا رقم يفوق كل ما سبق أن حدث من تدفقات للأموال الساخنة علي أي من الأسواق الناشئة الأخري. ومن جانبه يري ميشيل بتيز الاقتصادي في مدرسة جوانجهوا للإدارة التابعة لجامعة بكين أن حجم رءوس الأموال المضاربة التي تدفقت علي الصين في تلك الشهور الخمسة يصل إلي 200 مليار دولار إذا ادخلنا في الاعتبار ما تدخله الشركات الأجنبية التي تقوم باستثمارات مباشرة في الصين من أموال تزيد علي حاجتها الفعلية ويقول الرجل إن هذا يجعل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصين يزيد 60% علي الأرقام المعلنة. وهناك سؤال مهم تطرحه مجلة "الأيكونوميست" وهو إلي أين تذهب هذه الأموال الساخنة داخل الاقتصاد الصيني.. يجب أولا أن نستبعد البورصة لأن البورصة الصينية تهبط ولا ترتفع. ولكن الأمر المؤكد أن جزءا من هذه الأموال يذهب إلي قطاع الممتلكات. أما نصيب الأسد فيذهب إلي ودائع البنوك حيث سعر الفائدة علي اليوان 4% في حين أن سعر الفائدة علي الدولار 2% فقط. وهذه الأموال الساخنة تتدفق علي الصين من عدة طرق. فهناك صناديق الاستثمار الغربية الكبري التي تهتم بالسيولة وهذه لن تذهب عادة للاستثمار في الصين ولكن صناديق التحوط يمكن ان تستثمر هناك من خلال شركاء صينيين وهذا فيما يبدو أمرا يحدث بالفعل استفادة من سماح الحكومة لأي صيني بأن يجلب من الخارج 50 ألف دولار سنوياً أما إذا كان من مواطني هونج كونج فمسموح له باستجلاب 80 ألف يوان "11600 دولار". وعموماً فإن خطرين محتملين لهذه الأموال الساخنة علي الاقتصاد الصيني والخطر الأول يأتي إذا ما قررت الهرب الجماعي فجأة مثلما حدث من دول جنوب شرق آسيا عام 1997 وفجر الأزمة الاسيوية الشهيرة. ومثلما يحدث حاليا في فيتنام ولكن الاقتصاد الصيني يحميه من هذا الخطر ما يحققه من فائض تجاري وما لديه من احتياطيات أجنبية هائلة. ومع ذلك فإن بعض البنوك الصينية يمكن أن تضار من مثل هذا الهروب الجماعي إذا حدث. أما الخطر الثاني فهو أن تدفق تلك الأموال الساخنة يمكن أن يشعل التضخم وهذا أمر يسعي البنك المركزي الصيني إلي علاجه بشتي الطرق. ومن بينها الابقاء علي سعر الفائدة أقل من معدل التضخم والسماح بارتفاع أسرع لسعر صرف اليوان أمام الدولار. ولكن تظل الضغوط التضخمية لهذه التدفقات واقعا لا مهرب منه.