تقف القيادة الصينية دائما في حالة استنفار أمام أي انتهاك لسيادتها الوطنية وقد ازدادت اخيرا حدة ردودها علي الدعوات الموجهة اليها من صناع السياسة في امريكا وأوربا من اجل رفع قيمة اليوان التي تحافظ عليها منخفضة بفعل نظام نقدي تسيطر عليه الحكومة بقوة وفي آخر قمة استضافتها بكين بين الصين والاتحاد الأوروبي عنف رئيس الوزراء الصيني وين جياباو وضيوفه الاوروبيين علي ما أسماه بالضغوط "غير العادلة" أو "المغرضة"علي الصين من اجل دفعها إلي إعادة النظر في قيمة اليوان ويقول جياباو ورفاقه في القيادة الصينية ان قيمة اليوان شأن داخلي صيني لا يحق لاحد التدخل فيه. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن هذا الموقف الصيني لا يمكن ان يظل محصنا إلي الابد ضد المنطق وأنه من المنتظر حدوث احتشاد دولي بشأن وضع العملة الصينية خلال الأشهر القادمة من العام الحالي فأي دولة صغيرة يمكنها كما قال مارتن وولف وهو كاتب عمود في جريدة "الفاينانشيال تايمز" ان تتمتع بحرية "الضآلة" ولكن الصين ليست دولة ضئيلة وانما هي اكبر مصدر في العالم ولديها احتياطيات بالنقد الاجنبي تناهز قيمتها ال 3.2 تريليون دولار ومن المؤكد ان نظام إدارة عملتها له تأثيرات واسعة وغير مسبوقة علي العالم. ان الاقتصاد السريع النمو الذي يملك اكبر فائض في ميزانه الحسابي لابد أن ترتفع قيمة عملته ولكن قيمة اليوان تنخفض نتيجة ارتباطها بقيمة الدولار التي تنخفض هي الاخري، وخلال الأشهر العشرة الاخيرة انخفضت قيمة اليوان أمام اليورو بنسبة 14% وبذلك عادت القيمة التجارية لليوان إلي ما كانت عليه في عام 2002 رغم محاولات الصين لزيادتها منذ عام 2005 وهذا هو أول سبب ضد منطق القادة الصينيين باعتبار قيمة اليوان قضية داخلية. أما السبب الثاني فهو ضرورة استعادة التوازن العالمي وببساطة فإن المواطنين الامريكيين في حاجة إلي اصلاح موازناتهم عن طريق خفض ما علي أمريكا من ديون وهذا يتطلب زيادة في الادخار وانخفاض في الاستهلاك الامريكي مع زيادة في الصادرات يساعد علي حدوثها انخفاض قيمة الدولار. ولا شك أن افضل محرك للنمو الاقتصادي العالمي بعد أن يربط الامريكيون الحزام هو زيادة استهلاك الدول التي تتمتع بفوائض في ميزانها الحسابي ومعدل ادخار مرتفع وفي مقدمتها الصين ولكن السياسة النقدية التي تتبعها الصين تنقل عبء تحقيق هذه الاهداف الضرورية إلي الآخرين. وحتي الآن فإن الصين يشمخ بأنفها أمام أي انتقاد ويقول المسئولون فيها انه رغم انخفاض اليوان في عام 2009 أمام اليورو والدولار فإن قيمته ارتفعت أمام كثير من العملات الاخري مثل الين الياباني مند بداية 2008 حتي الآن. واكثر من ذلك فإن الحافز المالي الذي قررته الصين لتفادي الركود الذي يقدر بنحو 4 تريليونات يوان "586 مليار دولار" قد حقق نجاحا كبيرا ولهذا ينمو الاقتصاد الصيني بقوة في حين لا تزال معظم البلدان الغنية غارقة في الركود ولكن القادة الصينيين يرون أن الرواج الذي صنعه الحافز المالي الصيني أسهم في عملية استعادة التوازن العالمي أو القضاء علي الاختلالات العالمية حيث انخفض الفائض الخارجي الذي كانت الصين تحققه إلي نصف ما كان عليه. ومع ذلك فإن طبيعة هذا الحافز المالي الصيني كحافز حكومي موجه إلي الاستثمار في القطاعات التي تحددها الدولة تثير مخاوف من التركيز علي الصناعات التصديرية علي نحو يهدد بتصاعد الصادرات الصينية مرة اخري في المستقبل القريب وبعض هذه المخاوف بطبيعة الحال ينطوي علي مبالغة حيث إن الصين تشهد الآن ازدهارا في قطاع التشييد والممتلكات وهو ما سيشجع علي زيادة الاستهلاك في المستقبل.. ولما كان من الثابت تماما أن الاقتصاد الصيني لا يزال يعتمد بقوة علي الاستثمار والتصدير وان الحافز المالي لم يغير هذا الوضع فإنه من المنتظر حدوث مشكلة حقيقية في الصين اذا قررت امريكا أن تكون جادة حقا في زيادة معدل الادخار وخفض ما تستهلكه من السلع الصينية. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن الصين بحاجة إلي التحول سريعا نحو نمط اقتصادي جديد يشجع المستهلكين قبل المنتجين ويطلق الطاقة الاستهلاكية لأمة ذات معدلات ادخار عالية. ولاشك أن اية رحلة قصيرة إلي الصين سوف تجعلك ان هذا يحدث بالفعل منذ سنوات حيث ترتفع مبيعات السيارات في السوق الصينية بمقدار الثلث سنويا ويزداد الطلب علي السياحة والسفر والسلع الاستهلاكية والمساكن.