خلال القمة الآسيوية - الأوروبية التي انعقدت في بكين يومي 24 - 25 أكتوبر الماضي وسيطرت عليها أجواء الأزمة المالية العالمية قال خوسيه مانويل باروزو رئيس المفوضية الأوروبية بكلمات واضحة الإيماء "إما أن نقوم معا وإما أن نغرق معا" ولكن الصين التي تدعي أنها نسبيا لم تصب بأذي قالت إنها ليست في عجلة من أمرها للقيام بأي عمل. وتقول مجلة "الايكونوميست" إن الأزمة العالمية دفعت رابع أكبر اقتصاد في العالم وصاحب أكبر احتياطيات بالنقد الأجنبي لكي يكون هو محور أي قمة عالمية يجري عقدها هذه الأيام، وقد أعلن رئيس الوزراء الصيني وين جياباو أن بلاده ستشارك بنشاط وفعالية في القمة التي دعا إليها الرئيس بوش لقادة العالم والمقرر عقدها في واشنطن يوم 15 نوفمبر الحالي لمناقشة الأزمة العالمية، وبعد القمة الآسيوية - الأوروبية قام جياباو بزيارة روسيا وكازاخستان موطن "كاهن" قادة آسيا الوسطي لإجراء مزيد من المحادثات حول الماليات العالمية في المقام الأول. ولكن الصين عازفة عن الإلقاء بثقلها وراء حل هذه الأزمة مدعومة في ذلك بثقتها المعلنة في مستقبلها الخاص حيث يؤكد جياباو أن تأثير الأزمة عليهم محدود وتحت السيطرة وذلك إلي جانب آمالها التي تشير إليها من طرف خفي في قيام نظام مالي عالمي جديد أقل خضوعا للسيطرة الأمريكية ونفوذ الدولار، وفي قمة آسيا - أوروبا التي تعقد القمة السابعة منذ عام 1996 كررت الصين دعوات باروزو من أجل عمل دولي منسق ولكنها لم تقدم سوي قليل من الأفكار حول طبيعة هذا العمل حيث اكتفي جياباو بالدعوة إلي مزيد من الترتيب والتنظيم للنظام المالي الدولي. وقد كانت الفكرة الأكثر تحديدا التي ناقشتها البلدان الآسيوية في قمة آسيا - أوروبا هي إنشاء صندوق حجمه 80 مليار دولار مع منتصف عام 2009 مهمته مساعدة دول آسيا علي تخطي ما تواجهه من مشكلات في السيولة وهي فكرة سبق الموافقة عليها بالفعل في شهر مايو الماضي، وأغلب أموال هذا الصندوق ستأتي من الصين واليابان وكوريا الجنوبية ولكن لم يتم الاتفاق بعد علي نسب المساهمة ولا علي كيفية إدارة الصندوق المقترح. وبالنسبة للصين التي تناهز احتياطياتها الأجنبية ال 1،9 تريليون دولار أو اليابان "نحو تريليون دولار" فإن المبالغ المقترحة تعد زهيدة جدا ولكن الدول التي تدفع أكثر هي التي ستكون صاحبة النفوذ، ولكن الدول الأخري المشتركة في الصندوق ومن بينها الدول العشر الأعضاء في منظمة الأسيان تعد من الدول العتيدة التي تحكمها وجهات نظر متباينة حول الدور الصيني والياباني في آسيا وغير ذلك من المسائل، ومعظمها لايزال شديد الحساسية لما يمكن أن يمس سيادته كدولة. وتقول مجلة "الأيكونوميست" أن قادة الصين أكدوا بوضوح في قمة آسيا - أوروبا أن الأولوية عندهم لحسن سير الاقتصاد الصيني وأن هذا كما قال جيابا أكبر اسهام تقدمه الصين للعالم.. فالنمو الاقتصادي الصيني تراجع إلي 9% خلال الربع الثالث من العام الحالي ويتوقع كثير من الاقتصاديين بقاءه عند هذه النسبة طوال العام المقبل ولكن تعويمه مصدر سعادة للبلدان الآسيوية التي يحقق معظمها فائضا تجاريا مع السوق الصيني وكذلك دول الاتحاد الأوروبي التي تعد الصين أسرع أسواقها الخارجية نموا وذلك علي الرغم من أن الدول الأوروبية وهي تشكو من الحواجز التجارية الصينية تقول إن سوق الصين لايزال بالنسبة لصادراتها في حجم السوق السويسري، ومع ذلك فإن تحرك اليوان صعودا أمام اليورو سيسكت هذا المواء الأوروبي الذي كان له ما يبرره في السنوات السابقة عندما كان اليورو هو الذي يصعد أمام اليوان ويحد من تنافسية الصادرات الأوروبية. ونستطيع القول باختصار إن الصين كانت حريصة علي ألاَّ تسيطر الأزمة المالية العالمية علي قمة آسيا - أوروبا وإنها نجحت في ذلك إلي حد كبير ولم يكن لديها ما تخسره، أما الطرف الأوروبي فقد كانت الأزمة المالية العالمية تسيطر علي أفكاره، وبجانب ذلك استبعدت الصين آي ضغوط لتغيير أساليب تعاملها مع الولاياتالمتحدة، فالصين لكي تسهم في حل الأزمة المالية العالمية تريد وضع حد للفيتو الأمريكي - بحكم الأمر الواقع - داخل صندوق النقد الدولي، وتدعو الصحف الصينية أمريكا إلي أن ترفع يدها عن الصندوق مقابل الاسهام الصيني في حل الأزمة العالمية الراهنة وإن كانت الحكومة الصينية لم تطلب ذلك رسميا حتي الآن. ولكن جياباو لم يخفِ خلال زيارته لروسيا أن البلدان النامية يجب أن يكون لها صوت أقوي في أي نظام مالي عالمي جديد وأن المطلوب تنويع النظام النقدي العالمي مقابل تقليص دور الدولار فيه.. وليس علينا بطبيعة الحال سوي أن ننتظر انعقاد قمة واشنطن القادمة لنري كيف ستطرح الأمور وإلي أي مدي ستكون المصارحة والشفافية وما التنازلات التي سيقدمها كل طرف خاصة الأطراف الأكثر تضررا من الأزمة المالية العالمية وهي أمريكا وأوروبا علي وجه التحديد مقابل تلقيها العون من الصين أو من دول الخليج العربي؟!.