رحم الله فضيلة شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي.. فقد تحمل من الأعباء والانتقادات ما لم يتحمله إلا أولو العزم والخلق الرفيع من البشر.. اجتهد الرجل بكل ما ملك من علم وفكر. لتوضيح كثير من القضايا الفقهية التي يكتنفها اللبس أو تحتمل أكثر من تفسير.. لم يخش في الله لومة لائم, ولم يلق بالا للذين وجهوا سهامهم إليه بلا منطق أو علم, بل حاول بكل جهده توضيح الأمور الغامضة وفقا لأحكام الشريعة الغراء التي بنيت أساسا علي الاعتدال والتيسير علي الناس, وليس التعسير عليهم وتكفيرهم أو جعلهم كارهين لحياتهم الدنيا ويائسين من رحمة الله في الآخرة. مشكلة بعض مشايخ الفضائيات مثل مشكلة بعض السياسيين والحزبيين وأحيانا البعض من عامة الناس أنهم يعتقدون وهم مرتاحو الضمير أنهم علي حق, وأن الآخرين علي باطل, وأن فتاواهم هي الصحيحة, بينما فتاوي شيخ الأزهر أو مفتي الديار يشوبها التأثر بالسياسة ونفوذ السلطة, وكأنهم اطلعوا علي علم الغيب وعرفوا ما في صدور الآخرين, بينما لا يتذكرون حكمة بالغة قالها الإمام الشافعي رحمه الله: رأيي صواب يحتمل الخطأ.. ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. لو كان الأمر يتوقف فقط علي الخلاف في الرأي داخل دائرة رجال الدين لهانت المشكلة, لكن تأثر العامة من الناس وعدم قدرتهم علي التمييز الدقيق بين الصواب والخطأ فيما يقوله المشايخ يصعب عليهم أمور الحياة, ويحرمهم من متعها المشروعة ومعاملاتها اليومية الضرورية التي لا يحرمها الدين, ويجعلهم في حيرة دائمة بين متطلبات الحياة اليومية المشروعة وبين الالتزام بأحكام الشريعة وتحري الحلال في معيشتهم, لأن المواطن البسيط متدين بطبيعته ويخشي الله كثيرا.. وليس أدل علي ذلك من الخلاف حول فوائد البنوك حلال أم حرام, وبرغم قول رسول الله صلي الله عليه وسلم: يسروا ولا تعسروا.