أكد فضيلة الإمام الأستاذ الدكتور محمد المختار محمد المهدى أن تطوير المعاهد الأزهرية يحتاج إرادة حقيقية وصادقة لهذا التأهيل مع وجود ضمانات من الدولة للتنفيذ إضافة إلى الدعم المالى، خاصة وأن أوقاف الأزهر ما زالت تحت سيطرة الدولة، موضحاً أنه إذا تحقق ذلك فإن الأمر لن يحتاج إلا إلى بضع سنوات قليلة تتراوح ما بين العامين إلى الأعوام الثلاثة فقط. وكانت الصحف قد نشرت مؤخراً أن الموا زنة العامة للمعاهد الأزهرية لعام 2010م. بلغت 6 ملايين جنيه فقط بالرغم من أن عدد المعاهد الأزهرية أكثر من 9 آلاف معهد، وأن وزارة التنمية الاقتصادية أدرجت مليون جنيه فقط لتأهيل 31 معهداً؛ مما يعنى أن تطوير المعاهد الأزهرية يحتاج إلى مائة عام حسب موازنة الدولة ولذلك شنّ أعضاء لجنة التعليم فى مجلس الشعب على هجوماً شديداً تدنى الموازنة العامة للمعاهد الأزهرية واصفين تلك الموازنة بأنها مؤامرة على التعليم الأزهرى. وحول هذا الموضوع دارت الندوة التى نظمتها مجلة "التبيان" لسان حال الجمعية الشرعية التى تحت عنوان: "دور الأزهر فى نهضة الأمة" حاضر فيها كل من فضيلة الأستاذ الدكتور محمد المختار محمد المهدى الرئيس العام للجمعيات الشرعية- عضو مجمع البحوث الإسلامية، والأستاذ الدكتور الأحمدى أبو النور وزير الأوقاف الأسبق- عضو مجمع البحوث الإسلامية والأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس رئيس تحرير مجلة "التبيان" وأدارها الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة الأستاذ بجامعة الأزهر ومقرر هيئة كبار علماء الجمعية. فى البداية تحدث فضيلة الإمام عن مكانة الأزهر فى العالم الإسلامى مشيراً إلى أن الله تعالى أراد لمصر خيراً كثيرا حين جعل الأزهر هو منارة العلم ومثابة للبشرية كلها تفىء إليه وتقتبس من أنواره وعلمه على مدى ما يزيد على عشرة قرون، موضحاً أن مصر لا تذكر فى مكان ولا بلد فى العالم إلا أنها (مصر الأزهر)، بل ويشبهون العالم الأزهرى بسمته وزيه المعروف بالصحابة رضوان الله عليهم ويجعلون رأى العالم الأزهرى وفتواه موضع احترام وتقدير الكاملة فى هذا الصرح الشامخ الذى تميز بالوسطية والاعتدال فى الفكر والثقافة وكان علماؤه على الدرجة نفسها من الشموخ والجلال والعلم. العالم الأزهرى الموسوعى واستعرض فضيلة الإمام أهم علماء الأزهر الذين تميزوا بالعلم الموسوعى وكان لهم تأثير أيضاً فى حياة الناس العامة مثل فضيلة الشيخ أحمد الدمنهورى الذى كان شيخاً للأزهر منذ مائتى وخمسين عاماً وكان هذا الرجل عالماً فى الطب وله كتاب يسمى "القول الصريح فى علم التشريح" وله أيضاً كتاب فى الجيولوجيا سماه "عين الحياة فى استنباط المياه"، وكان أيضاً عالماً فى علم البلاغة فله كتاب "منتهى الإرادات فى تحقيق الاستعارات" وكذلك فى الفقه "الفتح الربانى فى مفردات ابن الشيبانى" وله فى علم السلوك كتاب "منهج السلوك فى نصيحة الملوك". ويضيف فضيلة الإمام إلى هذا العالم الجليل علماء آخرين كانوا بمثابة النجوم التى تشع بالعلم فى كل مجال من المجالات وكانوا حصوناً للشعب حين يظلم من الولاة مشيراً فى هذا الصدد إلى موقف الشيخ عبد الله الشرقاوى الإمام الثانى عشر للأزهر الشريف منذ مائتى وسبع عشرة سنة حين وقف أمام مراد بك وإبراهيم بك حينما فرضا على الشعب المصرى ضرائب ومكوساً باهظة فى ذلك الوقت ومنعوا الأوقاف الخاصة بالحرمين فوقف الشيخ رحمة الله عليه مع الشعب المصرى أمام هذا الظلم مما اضطر مراد بك وإبراهيم بك إلى التراجع والخضوع لرغبة الشعب بعد أن كتبا وثيقة وقع عليها الشيخ ووقع عليها الوالى العثمانى بألا يفرضا ضرائب إلا بإرادة الشعب وفى الضرورة القصوى. فكان لشيوخ الأزهر الشريف- كما يوضح فضيلته- مكانتهم التى استمدوها من مكانة هذا الصرح الشامخ ففى عهد عباس الأول ملك مصر ومنذ ما يقرب من مائة وثمانية وستين عاماً كان الشيخ إبراهيم الباجورى هو شيخ الأزهر الشريف وكان له درس دائم يحضره عباس الأول وعندما كان يدخل عباس الأول على درس الشيخ لا يقوم له الشيخ بل يشير إليه بالجلوس فيجلس الملك مع المستضعفين، فكان الشيوخ يعتزون بالله تعالى مهما غضب أهل السلطة. كما أشار فضيلة الإمام إلى الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله النموذج والمثال فى هذا الصدد فحين أقام الملك حفلاً راقصاً فى قصر عابدين وعلم الشيخ بذلك وكان وقتها مفتياً للبلاد قبل توليه مشيخة الأزهر فقال لن أغضب الله فى سبيل رضا الملك وأفتى بحرمة ذلك وعدم جوازه، وكان له موقف آخر حين أراد الملك أن يستبدل ببعض أملاكه الجدباء أملاكاً أخرى من الأوقاف خصبة فرفض الشيخ واستمر على اعتصامه بالحق وبالله تعالى. ويؤكد فضيلة الإمام الحرص الشديد من شيوخ الأزهر الشريف على مصلحة الطلاب والعلماء حتى إن أحدهم وقف أمام رجال الثورة حينما أرادوا تخفيض ميزانية الأزهر على حساب زيادة الميزانية فى التربية والتعليم فقال الشيخ الجليل: "تقطير هنا وتبذير هناك"!! وقرر الاستقالة بعدها من منصبه فى عام 1953 حينما لم يجد استجابة لمطالبه وقال قولته: "إن لم يزد الأزهر فى عهدى فلن ينقص". ومن العلماء الأجلاء الذين أثروا الأزهر الشريف بمواقفهم الجادة والتى عاصرهم فضيلة الإمام كان الشيخ جاد الحق على جاد الحق، والذى حدث فى عهده زلزال شديد عام 1992م وأطاح بالكثير من المعاهد الأزهرية فكان طلاب التعليم الأزهرى يحضرون كفترة مسائية فى مدارس وزارة التربية والتعليم وعندما اشتكى بعض مديرى التعليم من أن المقاعد تتلف من طلاب الأزهر، أصدر وزير التعليم قراراً بإغلاق المدارس أمام طلاب المعاهد الأزهرية وهو ما أثار حفيظة شيخ الأزهر وأمسك بالتليفون وكان فضيلة الإمام يجلس فى مكتبه أثناء هذا الموقف، فاتصل شيخ الأزهر برئيس الوزراء وقال له: "إن فى العالم أكثر من 500 رئيس وزارة ولكن ليس فيهم إلا شيخ أزهر واحد، فلماذا التفرقة بين طالب الأزهر وطالب التربية والتعليم؟!". مراحل تطور الأزهر وعن تطور الأزهر يشير فضيلة الإمام إلى أن ثقافة الأزهر كانت هى الثقافة السائدة قبل عهد محمد على وكان لها التأثير الأكبر فى كل مناحى الحياة وحين أراد محمد على إدخال التعليم المدنى لم يجد إلا طلاب الأزهر الذىن ذهب بعضهم للخارج وأتوا بالمناهج الجديدة، وكانت الدراسة بالأزهر بروحانية خاصة حيث كان الطالب يتعلم داخل المسجد وكان الطالب هو الذى يختار الأستاذ الذى يتعلم تحت يده، وفى مرحلة أخرى كان لا يلتحق بالأزهر إلا من حفظ القرآن الكريم كاملاً وامتحن فيه فإذا دخل الأزهر فى سن الثانية عشرة يمكث بالمرحلة الابتدائية 4 سنوات يحصل فيه على قسط وافر من العلوم الإسلامية كالفقه والنحو والصرف ثم تأتى المرحلة الثانوية ونظامها 5 سنوات يدرس فيها الطالب كل العلوم الإسلامية باستفاضة ومعها بعض العلوم كالأحياء والكيمياء والرياضة وما إلى ذلك، ولكن كان التركيز على علوم الأزهر، وفى التطوير الأخير فى عام 1961م انقلب الوضع وأصبح الاهتمام بعلوم التربية والتعليم أكثر من الاهتمام بعلوم الأزهر وذلك لأن الوزارة اشترطت أن يتحمل الطالب الأزهرى كل علوم التربية والتعليم حتى تعترف بشهادة الأزهر، وبالتالى ترتب على هذا أن تحمل الطالب فى فترة الطفولة منهجين كاملين وهما المنهج الأزهرى ومنهج وزارة التربية والتعليم. مؤامرة على الأزهر ويرى فضيلة الإمام أن المؤامرة على الأزهر كانت ولا تزال من أجل إلغائه وفى هذا الإطار يشير فضيلة الإمام إلى الاتفاقية التى أبرمت فى عام 1906م بين "زويمر وكرومر" والتى تم على إثرها إلغاء الكتاتيب، حيث قال زويمر إن هناك ثلاث مهمات أساسية له فى مصر. الأول: إلغاء الأوقاف جميعاً وخاصة أوقاف الأزهر. ثانياً: إلغاء الكتاتيب. ثالثاً: السخرية من علماء الأزهر للنزول بمكانتهم فى نفوس الشعب. وقد أنشأ كرومر مدارس مدنية وأجنبية للغات كبدائل للكتاتيب كما أطلقت السخرية بالعلماء فى الأفلام والمسرحيات وتم إلغاء الأوقاف فى عهد الثورة تكملة لمنهج كرومر وزويمر. ثم يضيف فضيلة الإمام أنه بين الحين والآخر تخرج وسائل الإعلام والصحافة تتحدث عن التعليم الأزهرى والمعاهد الأزهرية بهدف أن تنضم هذه المعاهد الأزهرية إلى وزارة التربية والتعليم وأن تنضم جامعة الأزهر إلى الجامعات المصرية بقانون واحد، خاصة بعد أن تم تقليص سنوات الدراسة بالمعاهد الأزهرية فأصبح المرحلة الإعدادىة ثلاث سنوات والثانوىة ثلاث سنوات بعد أن كانت خمس سنوات. وفى هذا الصدد يعبر فضيلة الإمام عن تفاؤله الشديد بالقرارات التى اتخذها فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الجديد بعودة تدريس التراث فى الأزهر الشريف مؤكداً أنه لو عاد الأزهر إلى تلك المناهج وخفف عن الطلاب العبء الضخم من المواد العلمية، وعادت الكتاتيب مرة أخرى بحيث لا يدخل الأزهر الشريف إلا من كان حافظاً للقرآن الكريم، فإن ذلك سيعيد للأزهر علماءه النابغين كما كان فى وقت سابق وسينهض الأزهر بالأمة ويعيد لها أخلاقها وقيمها ومبادئها التى يحملها الإسلام العظيم كما أراد الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (آل عمران: 110). وطالب فضيلة الإمام بإفساح المجال للعلوم الأزهرية الحقيقية أمام الطالب والتى كانت تستغرق خمس عشرة سنة بدون أى مواد إضافية، وأن يكون القرآن الكريم هو المؤهل لدخول الأزهر الشريف، وألا تطغى درسة اللغات الأجنبية على علوم الأزهر. الأزهر والجمعية الشرعية من جهته وفى كلمته التى ألقاها فى الندوة أثنى فضيلة وزير الأوقاف الأسبق الأستاذ الدكتور الأحمدى أبو النور على الجمعية الشرعية وعلى دعوتها التى تتميز بالوسطية ومنهجها الذى يتميز بالاعتدال والالتزام دون إفراط أو تفريط، مشيراً إلى التشابه الكبير بين الأزهر والجمعية الشرعية فى المنهج والسلوك. واستعرض الدكتور الأحمدى أبو النور بعض العلماء الذين تركوا بصمة علمية وثقافية داخل الأزهر الشريف كان من بينهم الشيخ عبد المجيد سليم الذى أصدر 15 ألف فتوى مسجلة فى دار الإفتاء قائمة على العلم والفقه وعلى كتاب الله وسنة رسوله [، لم يحدث أن عارضه أحد فيها، ومن هؤلاء العلماء أيضاً الشيخ محمد مصطفى المراغى الذى كان يلقى درسه فى الأزهر أو فى جامع محمد أبو الدهب وهو يجلس على الكرسى والملك أمامه مع الحاشية وكان يقف الحرس خارج المسجد حتى الانتهاء من الدرس وكان الشيخ المراغى يتميز ببلاغته وحسن ترتيب الجمل التى يلقيها وكان يعاد درس الشيخ مرتين فى الإذاعة وهذا ما لم يكن يحدث مع أشهر المفكرين الموجودين فى ذلك الوقت أمثال طه حسين وتوفيق الحكيم وأحمد حسن الزيات وغيرهم. ويستمر الدكتور الأحمدى أبو النور فى استعراض علماء الأزهر ودورهم الرائد فى النهضة بالعلم والعلماء ومنهم الشيخ مصطفى عبد الرازق والذى كان يجمع بين الثقافة الدينية والثقافة الغربية، وأيضاً الشيخ محمد عبد الله دراز والذى مكث عشر سنوات فى فرنسا، إلا أن هؤلاء العمالقة الذين درسوا فى الغرب لم تبهرهم الطريقة المدنية الغربية لأنهم كانوا أزهريين عاشوا القيم الإسلامية وكانوا يميزون بين المنصفين والمجحفين من العلماء الغربيين لأن الأزهرى لا يأخذ الكلام مسلماً إلا أن يقتنع به وهذا هو الهدف من دراسة المناهج والمذاهب المتعددة فى الأزهر حيث دراسة الرأى والرأى الآخر: فلا نجد الأزهرى مستعداً لأن تلقى فيه ذهنه المعلومة دون أن يقتنع بها. منظومة الطالب والمعلم والمنهج أشار الدكتور الأحمدى أبو النور فيما يتعلق بمنظومة التعليم الأزهرى وعوامل نجاحها، إلى أن الطالب الأزهرى كان يدرس مع كل كتاب كتاباً أكبر ليوضح له المعنى الذى سوف يستمع إليه من أستاذه، فكان الطلبة فى دأب وسعى مستمرين من أجل العلم والفهم، ولهذا كان الطالب الأزهرى لا يحتاج لدروس خصوصية لأن طريقته فى تحضير الدروس تجعله يقرأ أكثر ومن ثم يتكون لديه أفق متسع لفهم المادة واستيعابها بل ويرتفع شأنه عند أستاذه. أما من ناحية المدرس فيقول الدكتور الأحمدى أبو النور عن أستاذ الأزهر فى هذا الوقت إنه إذا كان الطالب يذاكر كتاباً خارجىاً فضلاً عن الكتاب الأصلى فما بالنا بالمدرسين حيث كان المدرس يعد نفسه على أعلى مستوى بحيث يستطيع أن يواجه أى تساؤلات. ويذكر الدكتور الأحمدى أبو النور أنه نتيجة الثقة الكبيرة فى الأزهر الشريف وعلمائه وقيمته الكبيرة فى العالم الإسلامى ككل خاصة فى فترة الخلافة العثمانية- ورغم أن فى هذه الفترة كان يوجد الكثير من العلماء فى أنحاء العالم الإسلامى- لم تجد الخلافة العثمانية إلا الأزهر الشريف ليراجع صحيح البخارى بأدق النسخ وهى النسخة "اليونينية" والتى تعتبر أدق نسخة، وأرسلت الخلافة العثمانية إلى الشيخ "حسونة النواوى" شيخ الأزهر فى ذلك الوقت لتشكيل لجنة وتم تشكيل لجنة من كبار علماء الأزهر من 15 عالماً تقريباً وعهد للجنة أن تراجع نسخ البخارى المنسوبة جميعها لليوننيين والمروية من البخارى بواسطة تلاميذه، ولم تعتمد النسخة النهائية إلا بعد أن وقع هؤلاء جميعاً. وبعد استعراض فضيلة وزير الأوقاف لقيمة الأزهر فى العالم الإسلامى أعرب عن أمله فى أن يعيد الله الوضع الحالى للأزهر الشريف على يد فضيلة الإمام الجديد فضيلة الدكتور أحمد الطيب خاصة بعد استبشر العديد من علماء الأزهر الشريف خيراً بقرار فضيلته الجديد بخصوص عودة تدريس مواد التراث مرة أخرى والتى تبين وسطية الإسلام وسماحته وعدله بعيداً عن التعصب والفرقة، ومطالباً فى الوقت ذاته بضرورة تعلم اللغات الأجنبية لمواكبة العصر الحالى واحتياج العالم إلى الداعية الأزهرى الذى يتحدث إلى هؤلاء باللغة التى يفهمونها تأسياً بقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} (إبراهيم: 4). تضافر الجهود وخلال إدارته للندوة أكد الأستاذ الدكتور محمد مختار جمعة أن الأزهر الشريف الذى يمثل أحد الحصون المنيعة التى قيدها الله تعالى لخدمة الإسلام وحمل لواء العربية فى حاجة اليوم وأكثر من أى وقت مضى إلى تضافر الجهود على كل المستويات كى ينهض بدوره، وأنه فى حاجة إلى دعم مؤسسات الدولة وبخاصة لميزانية الأزهر حتى يستطيع الأزهر أن ينهض برسالته وبأعبائه فى توصيل الإسلام بالمنهج الوسطى ومحاربة التشدد والغلو من جهة والتفريط والتسيب من جهة أخرى متفقاً مع فضيلة الأستاذ الدكتور الأحمدى أبو النور فى أن منهج الجمعية الشرعية فى القضايا الخلافية يتفق تماماً مع مبادئ الأزهر الشريف فى نبذ الفرقة والتعصب وأن كليهما الأزهر الشريف والجمعية الشرعية وجهان لعملة واحدة. الثبات على المنهج أما عن الدور الحضارى والسياسى للأزهر الشريف فقد تحدث فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الحليم عويس عن صمود الأزهر أمام الأفكار الوافدة عليه وكان من أبرز من وقفوا أمام هذه الأفكار سواء التغريبية أو الجامدة كان الشيخ محمد عبده والشيخ رشيد رضا، فقد نجح الإمام محمد عبده فى تحطيم الجمود الدراسى وتثبيت المناهج الأزهرية السليمة البعيدة عن الجمود والتعصب. واستطاع الأزهريون فى أوقات كثيرة فرض الإرادة الشعبية على الإرادة العثمانية خاصة عند تولية محمد على إلا أنه خدعهم بعد أن كانوا يحسنون الظن به الغرب ومنذ ذلك الحين وأثار هذا الرجل السلبية موجودة حتى اليوم حيث وجد محمد على من يوافق ويساير رغبته فى التغريب إلا أن جهود الأزهريين نجحت فى مقاومة التغريب. ويضيف الدكتور عبد الحليم عويس أنه فى كل الثورات كان الأزهر يقاوم الاحتلال فاستطاع الأزهريون مقاومة الحملة الفرنسية وكان لهم دور أيام ثورة سعد زغلول، كما كان للأزهر دوره الرائد فى بعث النهضة الإسلامية فى الجزائر كما تصدى عدد كبير من علماء الأزهر للدور الخطير الذى كانت تقوم به المدرسة الأوروبية فى الأدب؛ ومن هؤلاء العلماء الذين قاوموا هذا الفكر الأوروبى مصطفى صادق الرافعى، والمنفلوطى. فشل سياسى ونجاح علمى! وفى مداخلة له أشار الأستاذ الدكتور محروس حسين عبد الجواد- أستاذ الحديث، عضو هيئة كبار علماء الجمعية الشرعية- إلى حديث الشيخ محمد الغزالى حين قال: "إن الأزهر وإن كان فشل سياسياً إلا أنه نجح علمياً، مؤكداً أن الأزهر الشريف باق إلى قيام الساعة وأن هذا سراً وضعه الله تعالى فى هذا الجامع والجامعة مهما حاول الأعداء التضييق علىه. وأوضح الدكتور محروس أن الجمعية الشرعية أزهرية المنشأ وأزهرية المنهج وأن جميع أئمة الجمعية منذ مؤسسها الأول فضيلة الشيخ محمود خطاب السبكى وحتى فضيلة الإمام محمد مختار المهدى بارك الله فى عمره جميعهم أزهريون، مشيراً فى الوقت ذاته إلى أن للجمعية الشرعية ما يقرب من 70 معهداً لإعداد الدعاة. حراسة المنهج الإسلامى وفى مداخلة للأستاذ الدكتور عبده مقلد- عضو هيئة كبار العلماء بالجمعية الشرعية، رئيس لجنة المعاهد- تحدث عن دور الأزهر الفكرى والثقافى والدعوى وأوضح كيف أن الأزهر الشريف كان ولا يزال بعلمائه المنارة التى هيأها الله تعالى لحراسة المنهج الإسلامى ليظل فى رشده ومكانته وقوته مشيراً إلى أن الأزهر بذلك يكون قد طبق حديث النبى [: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين". كما أشار إلى دور الأزهر الرائد فى حراسة هوية الأمة الإسلامية وكان بمثابة المدرسة الكبرى فى العالم الإسلامى التى تتلمذ على مائدتها أبناء العالم الإسلامى عرباً وغير عرب وساعد ذلك على الحفاظ على هوية المسلمين عبر عشرة قرون. وأوضح الدكتور عبده مقلد كيف كان للأزهر دوره الرائد فى حل المشكلات والنوازل بعلمائه الأفذاذ الموسوعيين، كما كان للأزهر دوره عبر التاريخ فى الحركات التجديدية، حيث هيأ الله تعالى للأمة كل فترة من يجدد لها أمر دينها واحتل علماء الأزهر الأفذاذ مكانة التجديد عبر التاريخ مبينا أن الأزهر اليوم له دوره فى هذا التجديد عبر علمائه سواء فى مجمع البحوث الإسلامية أم الكليات الشرعية والعربية كما لم يغب الأزهر فى أى وقت فى الإسهام فى الحركات الإصلاحية التى نهضت بالأمة وجاهدت أن تكون الأمة راشدة لا توزعها السبل. وحذر الدكتور مقلد من أن الحرب على الأزهر الشريف وراءها قوى عظمى تهدف من حربها هذه إلى اختصار واختزال دور الأزهر فى العالم الإسلامى. اقتراحات التطوير وفى سؤال من أحد الحضور عن أبرز الاقتراحات التى يمكن أن تتقدم بها الندوة لتطوير الأزهر، اتفق فضيلة الإمام والدكتور الأحمدى أبو النور على أن أبرز تلك الاقتراحات يتمثل فى عودة المكانة للطالب الأزهرى وللأستاذ الأزهرى وللكتاب الأزهرى والمادة العلمية التى تقدم للطالب، مؤكدين ضرورة أن يعود الطالب الأزهرى كقوة للمحيط الموجود فيه، فيكون قدوة فى أخلاقه والتزامه وسيره على الصراط المستقيم فى مجتمعه لأن الطالب الأزهرى هو مشروع فقيه ومجتهد. كما ناشدا بضرورة تأهيل المدرس الأزهرى فى مراحل التعليم المختلفة الابتدائى والإعدادى والثانوى وحتى المرحلة الجامعية حتى تعود للأستاذ قيمته العلمية ومكانته المتميزة. ومن جانبه اقترح الدكتور الأحمدى أبو النور بأن تفرغ مجموعة من كبار العلماء للإنتاج العلمى والتأليف الذى يساعد الطلاب على فهم التراث، لأن التراث وحده قد يكون عصى المنال أو عصى الفهم على الطلاب الآن. ودعا فضيلة الإمام إلى ضرورة عودة الأزهر إلى عالميته بحيث لا يكون مؤسسة مصرية فحسب، إضافة إلى أنه يجب أن يكون مستقلاً مادياً وفكرياً وثقافياً وأن يكون حجة للعلم والدين حتى تعود لمصر قيمتها إلى العالم كله، محذراً فى الوقت نفسه من أن النظرة الأخيرة للأزهر بوصفه مؤسسة مصرية فقط جعلت كثيراً من الدول تقيم جامعات مثل الأزهر وتأتى بعلماء الأزهر وتتعصب لبعض الأراء والمذاهب، بل وتبث ما عندهم من عصبية فى كثير من الفضائيات مما أفقد الأزهر عالميته.