عن التشكيل الفني للوطن في الشعر العربي المعاصر (1952- 2003) حصل الباحث (علي ابراهيم عثمان حوم) علي درجة الدكتوراه، بمرتبة الشرف الأولي، في دراسة نقدية دفعت عن نفسها مغبة الوقوع في أسر الأقليمية، ويعني بها الباحث، اشتغال بعض النقاد بما يطرحه الاقليم أو القطر الذي يعيشون فيه. فقد خضعت الدراسة بالبحث في الابداع الشعري ل 144 شاعرا من مختلف الأقطار العربية، ما بين شعراء الحداثة وأصحاب الشعر العمودي. وأوضح الباحث أن رسالته لم تقتصر علي شعر الأوطان ذات المركزية التاريخية سابقا، أو الأوطان ذات المركزية النفطية لاحقا، وانما امتدت دراسته إلي بقية الأوطان الأخري كالسودان وليبيا والجزائر وتونس والمغرب، وتأكد للباحث أن صورة الشعر في مصر لا يمكن أن تتضح علي حقيقتها ما لم تكن مقترنة بصورة الشعر في الجزيرة العربية، والخليج والمغرب العربي. ولفت الباحث إلي أن الأقطار العربية تشكل جزرا متنافرة سياسيا واقتصاديا نتيجة للأوضاع السياسية إلا أن الأدب - الشعر بوجه خاص - لم يستجب لهذا التنافر أو التباعد، سياسيا واقتصاديا بين بعض الدول العربية وبعضها الآخر، وانما استجاب لوحدة المشاعر والاحاسيس. وكشفت الدراسة عن أن مفهوم الوطن في العصر الحديث قد أخذ أبعادا سياسية واجتماعية وثقافية متعددة، ليسهل السيطرة علي كل دولة بمعزل عن الأخري. وأكد الباحث أن الشعراء العرب المعاصرين أمثال (غازي القصيبي، أحمد عبدالمعطي حجازي، أمل دنقل، البياتي، بدر شاكر السياب) قد استثمروا موضوع الوطن استثمارا جيدا من خلال الرمز الأدبي، حيث اتخذوا من المدينة، وبخاصة عندما تكون عاصمة الدولة، رمزا للوطن كله. وبالمثل اتخذ بعض الشعراء أمثال ( سعدي يوسف، وفاء وجدي) من القرية رمزا للوطن من خلال مفهوم أن الجزء يؤثر في الكل ويتأثر به، ومثل ذلك فيما يتصل باستخدام المرأة رمزا للوطن، واتخاذ الأم رمزا جليا للوطن من خلال العلاقة القوية - بين الأبناء ووطنهم، وكأنها علاقة بين الابن وأمه الحقيقية. وأثبتت الدراسة مدي نجاح الشعراء العرب المعاصرين في تشكيل صورة الوطن حتي أصبحت هذه الصور بأنماطها المختلفة تشكل اضافة حقيقية إلي الصور الفنية في الشعر العربي علي امتداد تاريخه القديم والحديث معا، حيث ان هذا الموضوع أضاف نمطين من الصور الشعرية المبتكرة التي لم يعهدها الشعر العربي من قبل، صورة الوطن الجوال (كالهاتف الجوال)، والنمط الآخر استخدام الوطن - نفسه - صورة من الاحاسيس والمشاعر والأفكار. وكشفت الدراسة - أيضا - عن أن «قضية الوطن» أضافت للشعر العربي ألفاظا وتراكيب لغوية لم تكن معهودة في الشعر القديم مثل مفردات (المنفي، الرحيل، الأرض، البلاد، المرفأ، البحر، الميناء، الشعب، العدو)، في شعر كل من محمود درويش، سميح القاسم، توفيق دياب، معين بسيسو). كما أظهرت أن هناك بعض الشعراء (سعدي يوسف، حميد سعيد (العراق)، قد أجادوا في التعبير عن الوطن وفي تشكيله فنيا ممن ينتمون إلي الجيل الرابع من حركة الشكل الشعري الجديد (شعر التفعيلة). وقد ساهمت هذه الاطروحة - أيضا - في الاهتمام بدراسة شعر الأطراف (شبه الجزيرة العربية، الخليج، الأقطار المغربية بعد أن نأت المراكز (مصر، الشام، العراق) عن الاهتمام بها ردحا من الزمن، علي الرغم من التطور السياسي، وما صحبه من نشاط علمي تمثل في انشاء الجامعة وطباعة الكتب والمجلات، ومن شعراء الامارات (ظاعن شاهين، سيف المري، عارف الخاجة). جاءت الدراسة في بابين، تناول الباحث في الباب الأول (التشكيل بالرمز) بين فيه كيفية استخدام الشاعر المعاصر للرمز الأدبي وكيف أنه اتخذ من المدينة والقرية والمرأة رموزا للوطن وفي الباب الثاني والأخير، تناول الصورة البلاغية، والتشخيصية، التجسيدية، التجريدية، الرمزية. تشكلت لجنة الحكم علي الرسالة من د. يوسف نوفل، د. عبدالرحيم الكردي، مناقشين، د. أحمد يوسف خليفة، د. سهام راشد مشرفين، وتم ذلك باستراحة جامعة سوهاج، بالجيزة. مني نور