الباحثة د. راجية يوسف تتوسط لجنة المناقشة.. د. احمد شمس الدين ود. سامى سليمان ود. فاطمة يوسف المسرح الشعري في مصر بين السرد والغنائية.. دراسة تحليلية علي نصوص شعرية مختارة ما بين الفترة 1981-2009 حلصت عنها الباحثة (راجية يوسف عبدالعزيز) علي درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولي، في قسم اللغة العربية، كلية الآداب، جامعة القاهرة. الدراسة- كما تقول صاحبتها- محاولة لمعرفة شكل المسرح الشعري، ومدي التطور الذي طرأ عليه، والدور الذي لعبه في الحركة المسرحية المعاصرة بعد عصر الرواد: أحمد شوقي، باكثير، عبدالرحمن الشرقاوي، وصلاح عبدالصبور. وفي الدراسة طرحت الباحثة مشكلات المسرح في هذه الفترة، وماذا قدم المسرح الشعري، إضافة عما قبله، وهل قدم جديداً عن السرد والغنائية فقط في بناء المسرحية أم أضاف جديداً؟ وأوضحت الباحثة أن العلاقة بين الشعر والمسرح، ليست عرضاً تاريخياً، ولكن تؤخذ ككل لكي تكون قصة، وأن قلة من المؤلفين حاولوا أن يحافظوا علي التكامل الشعري للمسرح. وواصلت: المسرح العربي بشكله الغربي قد استعار من الغرب الشكل وأضاف إليه المضمون والصياغة التي استعارها من تراث الفرجة الممتدة جذوره في التاريخ العربي، وهذه الفنون كانت علي اتصال وثيق بفن الشعر، موضحة أنه عند النظر إلي الشعر وعلاقته بفنون الفرجة الشعبية فإنه يمكن تحديد هذه الفنون بخمسة أنواع: التعزية، المحظيون، القراقوز، خيال الظل، رواية السيرة الشعبية.. فلم يكن من السهل علي فن جديد من فنون الفرجة أن يتخلي عن تراث عريق من الغناء والسرد، والقص الشعري.. إضافة إلي الحكاية، حتي ولو كان هذا الفن غريباً في أصله، إذ إنه يعيش في أرض عربية، وعليه ليعيش أن يلبس الشكل الذي يجعله قريباً إليها، أي إلي أشكال الفرجة الشعبية العربية. وأشارت د. راجية إلي أن المسرح الشعري عمل صعب، لأنه يتحرك في منطقتين: دائرة المسرح، ودائرة الشعر، موضحة أنه لكي تنجح المسرحية الشعرية، عليها أن تتفوق في هاتين المنطقتين، لذا إن أراد الكاتب المسرحي أن ينجح فإن عليه أن يكون شاعراً من شعراء جيله، وواحداً من المسرحيين، فالشعر علي المسرح، ليس هواية، ولكنه قدرة متمكنة تفرض نفسها علي الجمهور.. كما أن الشعر في المسرحية الشعرية يحمل مهمة مزدوجة من حيث البناء الدرامي من ناحية، والقيمة الجمالية من ناحية أخري، كما أنه يعبر عن رؤية الشاعر بالنسبة للحياة والإنسان والكون بأسلوب أكثر قدرة من النثر علي الوصول إلي وجدان وفكر المتلقي. وهنا كشفت الباحثة عن الفرق بين الشعر المسرحي، وبين المسرح الشعري، قائلة: إن الشعر المسرحي هو الشعر الذي ورثناه عن الأقدمين، ويحتفظ الشعر المسرحي بملامح الشعر الذي يطلق عليه الشعر الغنائي مثل استقلال البيت والقافية، وعدم خلط الأنواع.. أما المسرح الشعري فتري الباحثة أنه ذلك النوع الأدبي الذي يلغي فيه ملامح الشعر الغنائي بالفن الدرامي، وتمتزج به.. أما شعر المسرح فهو نوع أدبي يجري وصفه بالشعر بسبب رفاهية المشاعر التي يتخذها الكاتب مادة لعمله الدراسي، مما يضعنا أمام مصطلح (رؤية) باعتبار أن الشاعر صاحب رؤية تعتمد علي الاستعارة حيث يتخطي الشاعر حدود الظواهر، وينفذ إلي الجوهر العميق للحياة برؤية الشاعر حتي لو كتب المسرح نثراً. وأوضحت الدراسة أن المسرح الشعري في الأدب العربي، قد ازدهر بعد انحسار المسرح الشعري الأوروبي، وأكدت الباحثة أن ظهور أدب المسرح في اللغة العربية نفسها مرتبط بحركة الإحياء علي يد أحمد شوقي، ومن بعده عزيز أباظة، وباكثير.. ثم استخدم الشرقاوي الشعر الجديد الذي يسمي أحياناً بالشعر المرسل، ومن بعده صلاح عبدالصبور الذي استحدث الكثير من مسرحه خاصة محاولته الاستفادة من تقاليد مسرح العبث في مسرحية (مسافر ليل) ثم بعد ذلك محمد إبراهيم أبوسنة، وفاروق جويدة، وأحمد سويلم.. الذين استلهموا التاريخ في مؤلفاتهم المسرحية الشعرية، وأن صلاح عبدالصبور يعتبر من رواد هذه المرحلة التي عملت علي إثراء المسرح الشعري في مجالات التجريب الشكلي ومجالات المحتوي الفكري في الوطن العربي، وقد استطاع عبدالصبور في حدود الشكل الجديد أن يرتفع بالمسرح الشعري إلي مستوي يحقق ما يصبو إليه الشعراء الأوروبيون، وقد وفق في استخدام الشعر الخالص في إطار الموضوع المعاصر. وتناولت الباحثة مسرحية عبدالرحمن الشرقاوي (الفتي مهران) وبيّن كيف أنها أظهرت قدرته الشعرية في كتابه القصائد الدرامية، بعد تجارب ليست بغناها المسرحي مثل مسرحية (وطني عكا)، فمسرحية (الفتي مهران) نظمها الشرقاوي بإحساسه الواعي العميق بلغة المسرح الشعري، كما أنه لجأ للتراث- أيضاً- مثل سابقيه، حيث لجأ في (الفتي مهران) إلي عصر المماليك ليعري السلطة الغاشمة البعيدة عن الإحساس بالمواطن وبآلام الشعب، فعندما كتب عبدالرحمن الشرقاوي (الحسين ثائراً) و(الحسين شهيداً) تأكد له استحالة تقديمها علي المسرح لأسباب معروفة، وهي الأسباب الأمنية، والخوف من بطش السلطة الحاكمة من التطرق من قريب أو بعيد بالتلميح لأخطاء نظام الحكم، عاد إلي التاريخ القريب فكتب عن الثورة العرابية، وهي أقرب زمناً من الخديوحد. وقالت عن صلاح عبدالصبور، إنه يعتبر من الرواد الذين أثروا المسرح الشعري في مجالات التجريب الشكلي، ومجالات المحتوي الفكري في الوطن العربي، وقد أسهم عبدالصبور (1931-1981) في ريادة شعر التفعيلة في الشعر العربي الحديث مع بدايات منتصف القرن العشرين، ونلمس في أدواته الكفاءة لإبداع المسرح الشعري، فقدم مسرحية (مأساة الحلاج) التي أحدثت ضجة في العالم العربي، لتأخذ مكانها المتميز إلي جانب المسرحيات الشعرية ذات الحضور الجماهيري والنقدي.. مشيرة إلي أن عبدالصبور كان علي وعي وإدراك حاد لعملية الأخذ من التراث والتعامل معه، وكشفت الدراسة عن أن الشعراء المسرحيين السابقين، كعبدالرحمن الشرقاوي، وصلاح عبدالصبور.. ليسوا هم كل الشعراء الذين أضافوا للمسرحية الشعرية، بل جاء بعد ذلك حسن فتح الباب، فاروق جويدة، مهدي بندق، أحمد سويلم، ودرويش الأسيوطي الذي اتسم شعره المسرحي باعتماده علي العامية في كتاباته. كما كشفت الدراسة عن أنه لم يوفق في الخروج عن التاريخ ممن كتب المسرح الشعري المعاصر، سوي عزالدين إسماعيل في مسرحية (محاكمة رجل مجهول)، وإن كان لم يستطع أن يخرج خروجاً كاملاً، فأدخل في الأحداث مشاهد من الماضي البعيد مثل شخصية أبي ذر الغفاري، ومن هنا فقد لجأ كُتَّاب المسرح الشعري الأوائل للتراث بسبب الهروب من ضغط السلطة السياسية الحاكمة.. أما الكُتَّاب المعاصرين فلجأوا للتراث من أجل صياغة بعض أحداث التراث بصورة تغذيه وتضفي عليه حياة جديدة. وقد اعتنت الدراسة بالمسرح الشعري بعد صلاح عبدالصبور، خاصة المسرحيات التي تم عرضها (الوزير العاشق) و(دماء علي ستار الكعبة) و(الخديو) للشاعر فاروق جويدة، و(ليلة زفاف الكترا) و(آخر أيام إخناتون) ويمثلان «الدمشقي» لمهدي بندق، و(إخناتون) لأحمد سويلم. وقد قسمت الباحثة دراستها إلي ثلاثة أبواب، تناول الأول منها المؤثرات علي المسرح الشعري، وتناولت في الثاني المسرح الشعري بين القص والسرد والغنائية.. أما الثالث والأخير فكان عن الوظيفة في المسرح الشعري المعاصر وأثبت أن الشعراء الثلاثة (جويدة، بندق، سويلم) استطاعوا أن يطرحوا الغرض من مسرحياتهم من خلال نصوصهم المسرحية الشعرية، بحيث يأتي علي لسان أبطال مسرحياتهم المطالبة والرغبة والحلم في تحقيق الحرية والعدالة، عدم الاستسلام للظلم. واستخلصت الباحثة أن المسرحية الشعرية، أثبتت أنها لاتزال قادرة علي خدمة مجتمعنا لتجعله يصمد، ويتصدر للصدمات والأزمات المتتابعة، فهي قادرة علي تنوير الشعب ضد الظلم والقهر، ولكن بشكل غير مباشر، بحيث تستخدم الأسطورة أو التاريخ أو التراث كوقود للشعر خاصة المسرح الشعري، بحيث يُسقط الشاعر بهذه الإمكانات علي الواقع، عندما تتواجد أحداث مشابهة لما في الأسطورة أو غيرها من الإلهامات التي يستمدها الشاعر المسرحي ليصوغ منها تيمة درامية بشكل شعري، والغرض منه الإسقاط علي الواقع بشكل يوعِّي الجمهور، لكي لا يستسلم للظلم ويتنبه لما قد يحدث له.. مشيرة إلي أن التنوير في مسرح هؤلاء الشعراء المسرحيين (جويدة، بندق، سويلم)، ينقي الرواسب الثقافية الأسطورية حيث إنه يفرغ الأسطورة من محتواها ليجعلها تحتمل مضموناً أو تيمة معاصرة، وبهذا يتحقق الهدف التنويري، كما أن هؤلاء الشعراء ساروا علي نهج من قبلهم من رواد المسرح الشعري من حيث استخدام عناصر السرد والغنائية، إلا أنهم أضافوا وأسهبوا في استخدام عنصر آخر وهو (القص) بحيث جعلوا للمسرحية أسلوب القص (بداية- وسط- نهاية). أشرف علي الرسالة الدكتور احمد شمس الدين الحجاجي أستاذ الأدب العربي، وناقشها كل من د. سامي سليمان أستاذ الأدب والبلاغة بكلية الآداب جامعة القاهرة، ود. فاطمة يوسف بكلية الآداب جامعة بنها.