يُعد الشاعر الراحل صلاح عبد الصبور أحد أهم رواد حركة الشعر الحر العربى ومن رموز الحداثة العربية المتأثرة بالفكر الغربى، كما يُعد واحداً من الشعراء العرب القلائل الذين أضافوا مساهمة بارزة فى التأليف المسرحى. وضمن برنامج الاحتفاليات الثقافية التى ينظمها معرض الكتاب عقدت ندوة بعنوان "مسرحيات صلاح عبد الصبور" تكريما لذكرى الراحل الكبير شارك فيها: د.مدحت الجيار أستاذ النقد الأدبى بجامعة الزقازيق والدكتور خليل مرسى أستاذ المسرح بجامعة حلوان، والفنانة والكاتبة معتزة صلاح عبدالصبور ابنة الشاعر الكبير، والمخرج المسرحى د.هناء عبد الفتاح. فى البداية قال الدكتور مدحت الجيار إن الاحتفال بالشاعر الكبير صلاح عبد الصبور جاء متأخراً جداً باعتباره أهم الشعراء العرب بعد أحمد شوقى وهو أحد أهم الشعراء الذين كتبوا المسرحية الشعرية، فلم يقف عند مجرد التأليف بل هو من أصحاب المشاريع الكبرى؛ حيث كتب الشعر والترجمة والقصة وغيرها. أما الفنان والدكتور خليل مرسى أستاذ المسرح بجامعة حلوان فقبل أن يتحدث عن الراحل الكبير طالب الحضور بالوقوف دقيقة حدادًا على أرواح شهداء بورسعيد.. بعدها تحدث عن ذكرياته التى ترجع إلى عام 1967 عندما طلب منه المخرج المسرحى سمير العصفورى أن يمثل «مأساة الحلاج» والتى قدمها فى الأوبرا القديمة التى احترقت وتم عرضها على مدار 100 يوم. وقال: "لقد أخذت دورا صغيرا حيث كنت طالبا صغيرا وهو ما أعتبره فرصة عظيمة لم تتوفر لكثيرين مثلى.. وهو ما ساعدنى فى أن أقدم رسالتى للدكتوراة بعنوان أساليب الإفراج فى مسرحيات صلاح عبدالصبور". ويرى مرسى أن الكثير من الشعراء ضحوا بالدراما من أجل الشعر عكس ما فعله صلاح عبد الصبور الذى ضحى بالشعر من أجل الدراما ولذلك بقيت مسرحياته: «مسافر ليل» و«مأساة الحلاج» و«الأميرة تنتظر» خالدة. أما الفنانة والكاتبة معتزة صلاح عبد الصبور ابنة الشاعر الكبير فقالت: "أتمنى أن يستكمل د. هناء عبدالفتاح مشروعه فى إخراج «مأساة الحلاج» حيث ما نعيشه الآن من لحظات فارقة، يستدعى وجود هذا العمل". وعن صلاح عبد الصبور الأب قالت معتزة: "كان إنسان متسامح جداً وطيب لأبعد الحدود كما كان ثائرا أيضا لأبعد الحدود..لقد قرأته عدة مرات وكلما قرأته أدركت أنه رجل ثورة 25 يناير، وحقيقة هناك فى مصر كوكبة من الكتاب والأدباء عاشوا وتنبأوا بما يحدث الآن فى 25 يناير وعندما نزلت ميدان التحرير أيام الثورة سمعت شباب الميدان يرددون أشعار صلاح عبدالصبور وصلاح جاهين". وهنا تدخل د. مدحت الجيار قائلا: "كنت أريد من معتزة أن تقول الكثير عن صلاح عبدالصبور الإنسان لأنه احتضن مواهب كثيرة شابة بروح الأبوة والإنسان وكان موهبة متعددة الأوجه فهو مترجم وشاعر وناقد جميل". من جانبه، قال د. هناء عبد الفتاح : "لا تتصوروا مدى سعادتى الآن وأنا بجوارى أحباء صلاح عبدالصبور إلى جانب ابنتى معتزة التى شاركت منذ 25 يناير فى الثورة؛ ولم تتراجع عن موقفها وهذا الحس الوطنى يجعلها جديرة بأن تكون ابنة هذا الرجل العظيم الذى استطاع أن يقدم من خلال كلمته وأعماله وطننا جميعاً مصر". وأضاف: " عبد الصبور شاعر متجدد وأكثر معاصرة، أعماله فى الستينيات مازالت حاضرة لم تمت رغم مرور كل هذه السنوات.. وأنا طالب فى المعهد كنت أدرس صلاح عبدالصبور وترجماته الشعرية وقراءاته النقدية ليس فقط فى المسرح المصرى سواء عن نجيب سرور والفريد فرج - وهؤلاء أصدقائه - وبنفس الموضوعية يتحدث عن المسرح الغربى، وأتحدى أن تجد كتاباً نقدياً مسرحياً له هذا النفس الطويل فى البحث والدراسة كما كتب صلاح عبدالصبور". وأشار د. هناء عبد الفتاح إلى أن المجموعة التى صدرت فى بدايات الستينيات وهى 9 كتب كبيرة تناول فيها كل القضايا الثقافية الكبيرة ومن بين هذه المجموعة «أقول لكم عن جيل الرواد» وفيه يلقى الضوء على تراثنا المصرى والعربى من خلال ما كتبه عن طه حسين والعقاد والمازنى وغيرهم من الرواد.. كذلك «أقول لكم عن السينما والمسرح» وهو رحلة ممتعة عن مشاكل المسرح المصرى والسينمائى؛ وتعد هذه الكتابات مدرسة فى حد ذاتها ففى كتاب «أقول لكم عن الشعر» ويتحدث عن شعراء لا نعرفهم فنحن نتعلم ونقرأ، كنوز الأدب العربى والغربى. وعقب الدكتور مدحت الجيار قائلاً: "صلاح عبدالصبور ظل خداماً للكلمة الكلمة المقدسة التى تعنى الفعل لأن الكلمة عندما تقف بعيداً عن الفعل فتظل جوفاء وهو ما جعل صلاح عبدالصبور يفتش فى تراثنا العربى اللفظى ويصل فى مسرحية «ليلى والمجنون» - هى صراع بين الكلمة والسيف – وينقل عن الكتب المقدسة وبعض الآيات وبعض الأسفار ما يقدس الكلمة وفضيلة الكلام الذى يصاحبه الفعل والتغيير". وأضاف: "إن الكلمة تتحول إلى فعل عندما تجد رجلاً يعترف بقيمتها وفى مسرحية «مأساة الحلاج» و«ليلى والمجنون» يضع الديكتاتورية فى المحك التأملى ويقول صلاح عبدالصبور هذا زمن الحق الضائع". وفى مسرحية "الأميرة تنتظر" يختار عبد الصبور فى زمن 1967 قصص من ألف ليلة وليلة لكى يسقط عليها ما يريد قوله على مصر أن تكون قوية صامدة تنتظر المخلص، وجاء فى نهاية المسرحية بعد موت الملك باعتباره عقيمًا لا ينجب بكل جبروته وقسوته..هو أرض لا تنضب إذ استطاع الشاعر أن يعطى حياة لوطنه فى رمز الطفل فعلى الملك أن يموت حتى يحيا الوطن. ومهما تحدثنا عن المذاهب النقدية الواقعية وغيرها فصلاح عبدالصبور يتجاوز هذه المذاهب بل قدم حلولاً لأزمنه لا حقه عليه. وفى ديوانه "الناس فى بلادى" يُبشر بشعر التفعيلية كما استطاع من خلال قصائدة أن يفتح باباً جديداً من الشعر العربى وهو ما نسميه القصيد الدرامى الطويل الذى لو فصل وحده أصبح مسرحية شعرية قصيرة يمكن أن تضاف للمجد الشعرى المسرحى لصلاح عبدالصبور منها قصائد: «مذكرات رجل عظيم» و«مذكرات عجيب بن قصير». وكان الأرق الأكبر لصلاح عبدالصبور مسرح أحمد شوقى حيث بدأ مع شوقى بداية غريبة، فقرأ جميع الشعراء الذين قرأهم الشاعر أحمد شوقى منذ شعر عنتر والشعر الأموى والعباسى وقصص الحب التاريخية. كما كان أحمد شوقى يُعارض المتنبى بقصيدة ولكن صلاح عبدالصبور كان يعارض شوقى بالمسرحيات الشعرية، فشوقى يكتب "مجنون ليلى" ويكتب صلاح عبدالصبور «ليلى والمجنون» ويكتب شوقى عن المرأة وتضحيتها وركونها داخل المنزل ويجيىء صلاح عبدالصبور ويكتب عن المرأة الحديثة أو المرأة العصرية وفى مسرحية «ليلى والمجنون» يبدأ صلاح بليلى وليس مجنونهاً بينما شوقى تحدث عن المجنون وأخذ بعض أشعارعنترة بن شداد مجنون ليلى وأشار إلى هذا، ولهذا كتب صلاح عبدالصبور كتاب بديع بعنوان «قراءة ثانية فى شعرنا العربى» وفيها قراءة جديدة لتراثنا الشعربى العربى كما قرأه أحمد شوقى. وأضاف الجيار: "منذ 1951 إلى 1981 هى رحلة صلاح عبدالصبور الإبداعية؛ فيحترم فينا حبنا للمعرفة ويقدرنا ويستمع إلينا وحينما تولى رئاسة مجلة فصول أصدر «مشكلات تراثنا العربى» وكان من تعليمات صلاح عبدالصبور إسقاط الألقاب من المجلة فخلق جيل فصول الذى يتساوى مع العمالقة أمثال عز الدين إسماعيل وصلاح عبدالصبور وجابر عصفور وغيرهم فى مقابلة أمثالنا من النقاد الشباب.. وعندما كنا طلبة وندرس أشعار صلاح عبدالصبور كنا نستشعر له قدرة خاصة على التأثير علينا وكنا نخرج من الدرس وقد حفظنا أبياته الشعرية التى درسناها".