ناصية

طائر المساء شوقي عقل

عرفت شوقي عقل كاتبا سياسيا وأحببت ما يكتبه بدون أن نلتقي او نتعارف ، وكان يستوقفني في مقالاته الاهتمام بالشأن العام علي نحو عميق وإنساني وصياغة مواقفه وأفكاره بروح أدبية ، وبعبارة أدق صياغة أفكاره بعقلية مطبوعة علي استقبال العالم وأحداثه وبشره كصور ومشاهد وحكايات والتفاعل مع ما يجري بالطريقة ذاتها . لذلك لم أندهش كثيرا حين أصدر شوقي عقل مؤخرا مجموعته القصصية الأولي " طائر المساء " عن طريق دار العين ناقلا قدميه وخطوه وبصره إلي طريق الأدب الذي دار من حوله طويلا ليتجه إليه. وتضم المجموعة اثنتي عشرة قصة كتبت في فترات زمنية متباعدة ، وأماكن مختلفة ، دون أن يفقدها تمزق الأمكنة والأزمنة وحدة الهم الفكري والإنساني الذي ساق شوقي عقل إلي كتابتها ، وفي كل ذلك يلوح الطابع الإنساني العام أساسا من خلال القضية الاجتماعية . هي قصص مأخوذة من عالم الغربة والكدح خارج الوطن، ومن ألم البشر الساهدين الذين يطحنهم الحصول علي لقمة الخبز قبل أن يطحنوها، من جنون الضعفاء ، ومن استلاب الإرادة البشرية في مواجهة المؤسسة المجهولة الضخمة الغامضة، وحتي من المصادفة التي تقتل عابري طريق ولا تقتل عابرين آخرين . من بين اثنتي عشرة قصة ستري في خمس قصص ذلك الواقع الاجتماعي القاسي في تجلياته المباشرة حيث يئن الأب تحت وطأته في قصة " الأسي " بعد أن هجرته زوجته بسبب عجزه عن سد احتياجات الأسرة ، فلا يجد مخرجا سوي خنق طفليه والجلوس في انتظار العقاب، الواقع ذاته الذي يؤدي بشخص مفصول من عمله في قصة " قبلات محرمة " إلي أحلام اليقظة وأوهام العظمة والتسول ، أو يقود مدرسا _ في قصة الوظيفة - للقبول بوظيفة " مضاجع " فتاة معتوهة من أسرة ثرية مقابل راتب كبير! . وفي قصة " الشاهدة " يطلب موظف عجوز رشوة من إمرأة فقيرة لينهي لها إجراءات معاش زوجها المتوفي ، فتشي به وتلقي الشرطة القبض عليه ، وحينئذ فقط تدرك المرأة أنه مسكين مثلها فتشفق عليه وتدس له علبة سجائر ولقمة قبل ترحيله في سيارة الشرطة . وحين يهجر شوقي عقل تلك دائرة الهم الاجتماعي الواضح ، فإنه لا يبتعد كثيرا عنها ، لكنه يتناول أصدائها من زوايا أخري كما في قصة " الموت غير المجدي " حيث تدهس سيارة مسرعة صبيا يقطع الطريق حاملا خبزا إلي بيته ، ويعلق علي الحادثة جندي من بين الملتفين حول بدن الصبي في الشارع قائلا : " شفت حالات كتيرة زي دي . هناك" ويشير برأسه إلي البعيد قاصدا هناك حيث كان يحارب ، وتكتسب القصة بهذه العبارة مغزاها حين تربط بين الحروب المعلنة والحروب الداخلية السرية . ويرتفع شوقي عقل بتلك الهموم إلي تعميم واسع في قصته الرائعة " الشركة " التي التي يصورها لنا شوقي عقل باعتبارها مؤسسة كونية ضخمة غامضة تحدد كل شيء في حياة الإنسان أينما كان، حتي أنها هي التي تتخير الأحلام للموظفين فيها وترسل لكل موظف أحلامه الليلية المنتقاة ، مؤسسة تحيط أذرعها بأدق التفاصيل في حياة البشر ويعجز الإنسان فيها عن التحكم في مصيره وقدره ولا يستطيع التحرر من عبوديته للسلطة الغامضة المستبدة التي لا تكشف عن وجهها أو ملامحها . هي فكرة المحاكمة والقصر عند كافكا، وهي فكرة ثرية عالجها بعد كافكا كثيرون منهم ساراماجو في روايته " كل الأسماء "، ولكن شوقي عقل يطرح الفكرة بطريقته الخاصة المبدعة الأقرب لواقعنا . أخيرا هناك قصتان أعتبرهما مع قصة " الشركة " من أجمل قصص المجموعة الأولي هي " الليلة الأخيرة " حيث نري زوجة شابة مع زوجها الذي يقوده عجزه وكبر سنه إلي القسوة المتناهية معها ، فلا يبقي لها سوي أن تعشق ممثلا في مسلسل تلفزيوني ! وحين تلمس مدي قسوة الزوج تقرر التخلص منه ومن حياتها . القصة الثانية هي " في انتظار رسالة " عن غربة أحد العاملين وانتظاره رسالة من أسرته ، وهي من أبدع ما قرأت من قصص الاغتراب والأماني المحبطة. أتمني أن تجد مجموعة طائر المساء ما تستحقه من اهتمام وسط ضوضاء الكتب التي احترفت بعض دور النشر والصحف التطبيل لها وهي خالية من كل قيمة أو فن.
ahmad _alkhamisi @ yahoo .com