مهما طال الكلام عن ( مصطفى محمود ) فهو قليل ! الكلام عن مصطفى محمود صحفيا وكاتبا ومبدعا ومتأملا ورحالة وروائيا وقصصيا ومسرحيا وناقدا وحلالا للمشاكل العاطفية.. يحتاج لدراسات لا حصر لها ! لم يترك مصطفى محمود الطبيب خريج كلية طب قصر العينى دفعة ديسمبر 2591 مجالا إلا وكتب فيه بجرأة وصدق وصراحة منذ كتب قصصه القصيرة عام 7491 فى مجلة الرسالة الأسبوعية ثم واصل الكتابة فى مجلات آخر ساعة وأخبار اليوم والتحرير وروزاليوسف وصباح الخير وأيضا الأهرام وأخبار اليوم. كانت السيدة ( روزاليوسف) هى أول من عبر عن حماسه لهذه الموهبة الفذة فأصدرت له مجموعته القصصية الأولى (أكل العيش) والتى كانت مذاقا مختلفا فى الكتابة والأسلوب ورؤية العالم والناس والمشاكل من حوله، وقد عبر عن هذا المعنى بقوله: (حاولت أن أناقش مشاكلنا كلها من جديد.. وأطرح التركة الفكرية التى ورثناها عن الجدود فى غربال واسع الخروق، ليسقط منها الفاسد ويبقى الطالح). كان (مصطفى محمود) واحدا من ألمع وأنجب تلاميذ مدرسة (روزاليوسف) التى كان سرها وعبقريتها تكمن فى فكرة التنوع والتعدد وحق الاختلاف. كانت صفحات روزاليوسف وصباح الخير مسرحا ينبض بحياة كل الأفكار والتيارات وعلى القارئ أن يختار ويناقش ويحلل ويعترض ويرفض!! ورغم النجومية والشهرة والتألق ليس على مستوى مصر وحدها، بل على المستوى العربى ظل مصطفى محمود كما هو داخل مؤسسة روزاليوسف : البساطة والتواضع والزهد والتقشف، أما حب الناس فلا حدود له، وهو ما دعاه - بعد ذلك - إلى إنشاء عشرات المشاريع الأهلية من أجل هؤلاء البسطاء ملح الأرض من مستوصف ومستشفى ومسجد تضم المئات من جميع التخصصات لمساعدة هؤلاء البشر. كان مصطفى محمود ظاهرة إنسانية وفكرية وإبداعية ، وكان صاحب موهبة أصيلة، ولم تكن له شلة نقدية تطنطن له وتسوق لما يكتبه ويبدعه، كان كاتبا على باب الله. المقال، الرأى، القصة القصيرة، الرواية، المسرحية، كلها مجالات طرقها مصطفى محمود وكانت له بصمته المتميزة، ويكفى أن تمر عيناك بسرعة على أسماء هذه المؤلفات: المستحيل، الأفيون، رجل تحت الصفر، الخروج من التابوت - رائحة الدم، الزلزال، الإنسان والظل، الإسكندر الأكبر، غوما أو الزعيم، الشيطان يسكن بيتنا، لغز الحياة، لغز الموت، إبليس، أينشتين والنسبية، الماركسية والإسلام، رحلتى من الشك إلى الإيمان، حوار مع صديقى الملحد، الطريق إلى الكعبة، رأيت الله، وغيرها. وليس سرا أنه فى إحدى مراحل حياة مصطفى محمود الفكرية واجهته عواصف الشك واللا يقين، وهو ما دعاه بشجاعة وصدق إلى القول"إن زهوى بعقلى الذى بدأ يتفتح، وإعجابى بموهبة الكلام ومقارعة الحجج التى انفردت بها، كان هو الحافز دائما وكان هو المشجع وكان هو الدافع وليس البحث عن الحقيقة ولا كشف الصواب، لقد رفضت عبادة الله لأنى استغرقت فى عبادة نفسى، وأعجبت بومضة النور التى بدأت تومض فى فكرى مع انفتاح الوعى وبداية الصحوة من مهد الطفولة..) ثم يصل مصطفى محمود إلى شاطئ اليقين ويعترف قائلا: (واحتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق فى الكتب، وآلاف الليالى من الخلوة والتأمل والحوار مع النفس وإعادة النظر ثم إعادة النظر فى إعادة النظر، ثم تقليب الفكر على كل وجه لأقطع الطرق الشائكة من الله والإنسان إلى لغز الحياة، إلى لغز الموت، إلى ما أكتب اليوم من كلمات على درب اليقين). وكما نجح (مصطفى محمود) فى الوصول إلى مئات الألوف من قراء مقالاته وكتبه، فقد نجح أيضا فى الوصول إلى ملايين المشاهدين عبر برنامجه الشهير (العلم والإيمان) والذى ظل لسنوات كثيرة الأكثر مشاهدة وتأثيرا، ثم فجأة، اختفى البرنامج دون إحم ولا دستور!! ولم تكن كل السطور السابقة عن مصطفى محمود إلا بمثابة قصة قصيرة طالت قليلا - والتعبير ل(يوسف إدريس)- أما الذكريات والحكايات التى عشتها وعرفتها منذ التحاقى بصباح الخير صيف عام 6791 عنه وعن نجوم عصره فى روزاليوسف وصباح الخير، أتمنى الكتابة عنها ذات يوم قريب..