هل هناك اضطرابات داخل المركز القومي للترجمة؟ هناك ثمة عديد من علامات الاستفهام التي يخص بعضها تأخير الكثير من الكتب ما يؤدي لتذمر المترجمين بالإضافة لدفع غرامات للناشر الأجنبي لتجاوز الوقت المحدد لنشر الكتاب، ويخص بعضها الآخر لجوء مديرة المركز الدكتورة رشا إسماعيل إلي المطابع الخاصة بدلاً من المطابع الحكومية. المعلومات التي وردت إلينا تشير إلي أن غرفة التجهيزات بالقومي للترجمة تضم 140 كتاباً ينتظر الطباعة منذ تولي إسماعيل المركز في أبريل الماضي، بالإضافة إلي أكثر من مائتي كتاب معطلة في قسم التصحيح، وأن لجنة الفحص كانت تنتهي في كل شهر خلال الأعوام الماضية من فحص 25 كتاباً، أما الآن فلا تكاد تصل لثلاثة كتب. ولعل المعلومة الأهم هي ما كشفت عن أن الكتالوج الصادر حديثاً عن القومي والذي كان يجب أن يضم الأعمال المنشورة تكلف 92 ألف جنيه، وأنه طُبع في مطبعة خاصة هي "مطبعة المدينة"، بل وضم أعمالاً لم تنشر أصلاً، ما يجعلنا نطرح سؤالاً حول السر في لجوء إسماعيل لمطبعة خاصة مع وجود مطابع حكومية بأقل تكلفة من ذلك. فضلاً عن ذلك، لجأت مديرة المركز إلي مصممين للكتالوج يعملون في صندوق التنمية الثقافية، رغم وجود وحدة جرافيك بالقومي، ما كلف المركز تكاليف إضافية كان أولي بها إصدار كتب. المفاجأة أيضاً أن المركز كان له بالفعل كتالوج في مطابع هيئة الكتاب، غير أن مديرة المركز أمرت بإيقاف طبعه. الملفت في شأن المركز أن الكتب الصادرة حتي الآن لا تزال تحمل أسماء المديرين السابقين، ما يهدد بمرور الفترة المحددة مع الناشر الأجنبي لنشر الكتب، ما يعني خسارة حق نشر الكتاب والدفع مجدداً، ما يندرج تحت بند "إهدار المال العام". وفيما يخص ميزانية المركز، فقد علمت "أخبار الأدب" أن القومي للترجمة يتلقي مبلغ 250 ألف دولار سنوياً من مؤسسة فورد، بالإضافة إلي الميزانية المخصصة له من الدولة، ما يطرح سؤالاً عن كيفية اختيار الكتب، وهل تقوم فورد بفرض كتب بعينها علي المركز أم لا، والسؤال الثاني عن السر في ارتفاع أسعار الكتب إن كان المركز مدعوماً من أكثر من جهة. ما ورد إلينا من معلومات وتساؤلات توجهنا بها لمدير القومي للترجمة الدكتورة رشا إسماعيل لنعرف حقيقته ولترد علي أسئلتنا، لكنها لم تقدم أي إجابة عن أي سؤال ولم تؤكد أو تنفي اي معلومة وتمسكت بقولها إنها مديرة المركز ويحق لها أن تديره بالشكل الذي تراه، وأضافت أنها غير متهمة وأن "كل ورقها مظبوط". وعندما تحدثنا عن أننا لا نتهم أحداً بشيء وأننا فقط لدينا استفسارات، قالت "يمكنك أن تعاود الاتصال بي في وقت آخر لأني عندي اجتماع" وبعدها لم يمكن التواصل معها لرفضها الرد علي التليفون.
في نفس السياق، وفي محاولة لمعرفة أزمات المترجمين المتعاملين مع القومي للترجمة، قال المترجم الكبير الدكتور علي المنوفي إنه قد قام بترجمة أربعة كتب للمركز منذ ثلاث سنوات وأنها إلي الآن لم تصدر لأسباب لا يعرفها. المنوفي أوضح أن من بين هذه الكتب كتاباً بعنوان "مكتبة الإسكندرية" وكتاباً آخر بعنوان "هل يمكن للحاسوب أن يكتب قصيدة غزلية"، موضحاً أن كثيراً من الأعمال التي يترجمها يتنازل المؤلفون عن حقوقهم الفكرية ويقدمونها للمركز دون مقابل، مع ذلك تتأخر الكتب، مضيفاً أنه لا ينفي حصوله علي مكافأته كمترجم لكن ما يثير حنقه أن الكتب لا تصل في النهاية إلي المستهدف منها ما يعني أن المركز لا يقوم بدوره في نشر المعرفة كما ينبغي، وضرب مثالاً آخر بكتب خوان جويتيسولو التي منذ أكثر من أربع سنوات حصل المركز علي حقوقها، ومع ذلك لم يظهر من الكتب العشرة إلا كتابان. المنوفي حكي أنه زار هذا العام جناح المركز القومي للترجمة بمعرض القاهرة للكتاب، فوجد ما لا يتجاوز العشرة كتب جديدة، وبقية الكتب من سنوات ماضية، ما جعله يتساءل عن جديد المركز. المنوفي لفت أيضاً إلي المجزرة التي قامت بها مديرة المركز رشا إسماعيل عندما قامت بانهاء ندب عدد كبير من العاملين بالمركز، وكانوا من ذوي الكفاءات والخبرة الذين اختارهم الدكتور جابر عصفور سواء من فنيين او مراجعين أو غيرهم. علي المنوفي، أستاذ الأدب الإسباني بكلية اللغات والترجمة، أثار أيضاً قضية أخري خاصة بالسفارات والهيئات الأجنبية التي تتجه للقومي للترجمة لعقد صفقات ترجمة إلي اللغة العربية، موضحاً أنها تدعم المركز مقابل اختيارها للأعمال التي تريد نشرها في مصر، ما يطرح سؤالاً حول أهمية هذه الكتب، وهل أنا كمصر في حاجة إلي هذه العناوين؟ مضيفاً أن الكارثة أن هذه الكتب تأخذ أولوية عند الطباعة علي الكتب التي تستحق أن تصل للقاريء العربي، كاشفاً عن أن مركز الدراسات الايبيري امريكي اختار 100 كتاب ليقوم بترجمته المركز القومي للترجمة، ما يعني أن المركز تحول إلي مطبعة، ولا يصح أن نكون مطبعجية للدول الأجنبية-بحسب المنوفي-. أستاذ الأدب الإسباني بكلية اللغات والترجمة ختم بأن لجان القومي للترجمة في حاجة أيضاً إلي إعادة نظر، وأن هذه اللجان تكون بالمحسوبية وليست بالكفاءة. ومن جانبه، قال المترجم الكبير السيد إمام إنه لا يجد أي سبب منطقي لتأخر الكتب بعد أن ينتهي منها المترجم، وإن دور المركز أن ينشر كتباً مترجمة وليس أن يحتفظ بها في غرفه المظلمة. إمام أضاف أن له كتاباً بعنوان "العولمة نص الأساس" سلمه للمركز منذ 4 سنوات ولم يصدر حتي الآن، موضحاً أنه كان يحاول متابعة سير الكتاب دون أن يحقق ذلك، ومنذ سنتين علم أن الكتاب وصل أخيراً للمطبعة، لكن المؤسف أنه لا يزال داخل المطبعة إلي الآن. إمام أضاف أنه علم مؤخراً أن هناك عدداً هائلاً من الكتب موجود بين غرفة التجهيزات والمطبعة، وأن هذه الكتب ترفض مديرة القومي للترجمة تحمل مسؤوليتها، موضحاً أنه حصل بالفعل علي مكافأته، لكن القضية ليست في المكافأة، بل في أن كتاباً تُرجم وحصل علي حقوق الملكية الفكرية وأصبح معداً للنشر ومع ذلك لا يزال يقبع في الغرف المظلمة دون أن يصل لقارئه. إمام ختم بأن المركز يتمتع بسوء الإدارة بالفعل، موضحاً أن له كتاباً آخر بعنوان "علم السرد" تقدم لترجمته منذ أربع سنوات، وأن المركز وافق علي الترجمة، ومنذ ذلك الحين لم يهاتفه المركز ليخبره إن كانوا قد حصلوا علي حقوق الناشر الأجنبي أم لا.
في نفس السياق، تقدم بعض الموظفين بالمركز القومي للترجمة، ممن رصدوا قضايا أخري إدارية وإهداراً للمال العام، بمذكرة لوزير الثقافة الدكتور صابر عرب منذ أكثر من أسبوعين، دون أن يحرك الوزير ساكناً ولا فتح تحقيقاً مع مديرة المركز. وتضمنت شكواهم الحفاظ علي سرية أسمائهم حتي لا يتعرضوا للأذي.