يقدم شاد و. بوست مؤسس ورئيس تحرير أوبن ليتر برس بجامعة روتشستر قراءة في مشهد ترجمة الأدب بالولايات المتحدة خلال العامين الماضيين في مراجعة نشرتها The Publishing Perspectives . لعدّة سنوات، خمّن الناس أنّ عدد الأعمال الأدبيّة المُترجمة التي تُنشر بالولايات المتحدة في انخفاض. أقول »خمّن« لأنّ صناعة النشر _ بشحها الشهير في أبحاث السوق وجمع المعلومات _ لا تتعقّب كفاية، الكيفية التي تجد بها الكثير من الكُتب المترجمة طريقها للنشر، وعوضاً عن ذلك، تعتمد كُليّاً في الغالب علي ذكريات حزينة عن أيام راحت وأدلة حكواتيّة مشكوك في صحتها . منذ عامين، شرعت بتأسيس »قاعدة بيانات خاصة بالترجمة« علي موقع ThePercent.com علي الويب لتقدير ما يجري علي ساحة ترجمة الأدب ، ورغم أنّ البيانات الخاصة بعام 2009 محلّ تجميع ، إلا إنّه يلوح أنّ ثمّة انخفاضاً ما هذا العام _ يقدّر بحوالي عشرة بالمائة. قاعدة البيانات هذه _ التي تتألف من مسح مئات الكتالوجات ومواقع دور النشر، ومراجعة كل الدوريات الخاصة بالنشر مثل Publishers Weekly وLibrary Journal والتحقق من كل إصدار جديد عبر رسائل البريد الإلكتروني الواردة من حتي توزيع الدور الصحفيّة الصغيرة _ تشمل أكبر قدر ممكن من المعلومات يمكن حشده بشأن التراجم الأصلية للرواية والشعر والتي يجري إتاحتها للقارئ الأمريكي. وطلباً لوضوح أكثر، بشأن كلمة »الأصلية«، فقاعدة البيانات تلك تهتم فقط بالعناوين التي لم يسبق ترجمتها أبداً. لذا، فلا مجال لحصر الترجمات الجديدة أو الترجمات الكاملة الأولي لكُتاب مثل دوستوفسكي أو تولستوي أو بورخيس، بل الأعمال الجديدة والأصوات الجديدة التي تتيحها الترجمة للقراء الأمريكيين .
الأكثر أهميّة في ذلك المسح هو إشارته للتدهور الشديد في عدد الكُتب المترجمة الصادرة هذا العام. وأياً كانت الأسباب _روبرتو بولانو، وميوريل باربري والأصوات العالميّة لمهرجان نادي القلم الدولي، ربّما _ فقد أولت الصحافة الأدب المُترجم كمية مدهشة من الحب مؤخراً. علي سبيل المثال، فقد غطّي مراسل صحيفة النيويورك تايمز موتوكوريتش معرض فرانكفورت الدولي للكتاب العام الماضي من منظور دور نشر كغرايولف وديفيد جودين، ورسالتي الصحفيّة المفتوحة التي تنشد ترجمة مؤلفين عالميين. لم يكن المقال بالذكاء والأهمية فحسب، بل وكان الناس في الغالب لا يتوقعون قراءتها في صحيفة مثل النيويورك تايمز . فلِمَ إذن ، إذا كان بإمكان رواية بولانو2666 ورواية بير بيترسون سرقة الخيول اقتحام قائمة الكُتب الأكثر مبيعاً، واتفاق الجميع بشأن أهمية الأدب المترجم في إثراء ثقافتنا، تشهد الترجمة تراجعاً ملحوظاً في إصدارات دور النشر هذا العام عن العام السابق؟ الجواب السهل هو الاقتصاد. في الحقيقة، تكلّف الترجمة مبالغ تفوق نشر كتب وضعت بالإنجليزيّة في الأصل، وفي زمن التقشّف ( ومبيعات الكُتب البائسة بالنسبة لأي عنوان عدا كُتب مصاصي الدماء والمتحولين)، من اليسير التضحية بأجر مُترجم من أجل تخفيض النفقات بالميزانيّة. فضلاً عن ميل دور النشر إلي اعتبار الترجمة أمراً »أكثر خطورة« من الكُتب الأخري. لندع الأعذار جانباً ، في الحقيقة يمكن لنشر الكُتب المُترجمة أن يكون مخادعاً بدرجةٍ ما في الإطار الّذي تضعه مؤسسات النشر للكتب التي تحقق رواجاً كبيراً. النموذج الأول: رواية جوناثان ليتل "العطوفات"، التي أفسدت مشروع هاربر كولينز للترجمة لسنوات قادمة. فمنذ سنوات مضت، وأثناء معرض فرانكفورت للكتاب كانت تلك الرواية هي صرعة النشر، وقد خلقت تكالباً عليها انتهي بفوز جوناثان بيرنهام بها، والّذي نقلت التقارير دفعه مليون دولار حقوق ترجمة عن الكتاب، علاوة علي مبلغ ضخم لشارلوت مانديل نظير ترجمة صفحاتها التي تتعدي التسعمائة. طبعت هاربر كولينز مائة وخمسين ألف نسخة، يحدوها الأمل أن تصير الحدث الأدبي الأضخم، لكنها منيت بخيبة أمل كبيرة عندما لم تبع الرواية سوي سبع عشرة ألف نسخة تقريباً في الشهور الخمسة الأولي. القصد هنا، ليس هذا الكتاب بعينه، لكن الإشارة لحالة الانفصال بين طريقة تفكير دور النشر والمدي الطويل الّذي يحتاجه الترويج لبيع الكُتب المترجمة، في حين تعتمد الأولي علي الاندلاع المفاجئ للمبيعات واستعدادها لإنفاق الملايين لجعل هذه الاندلاعة تحدث فوراً. هذا هو سبب واحد لكون دور النشر المُستقلة أو التي لا تهدف للربح أو الجامعات، هي ما ينفرد بنشر الجزء الأكبر من الكُتب المُترجمة. وحسب قاعدة البيانات، ففي عام 2008، قدر عدد العناوين التي صدرت عن دور النشر الكُبري بحوالي 21 بالمائة من كل الكُتب الجديدة المُترجمة ( خمسة وسبعون كتاباً من 361 عنوانا)، واستمر الحال في عام 2009، لكن لتنخفض تلك النسبة لستة عشرة بالمائة (خمسون كتاباً من ثلاثمائة وتسعة). الأمر متوقّع. حين تنخفض نسبة المبيعات بشكل عام، تنعدم فرصة الكُتب المكلفة ذات الفرص الضئيلة في الانطلاق، سوي أنّ إلقاء النظر فحسب علي دور النشر التجارية لا يكشف القصة كاملة. عام 2008 ، كان ثمّة 117 دار نشر مُستقلّة أو لا تهدف للربح ومطبعة جامعيّة ( من الآن فصاعداً سيشار إليها بدور النشر المُستقلة ) والتي كانت تطبع علي الأقل كتاباً روائياً واحداً أو شعرياً مترجماً. في عام 2009 هذا الرقم انخفض إلي 95. ومن بين دور النشر تلك، التي لا تزال تضطلع بترجمة الأدب، ثمّة عدد منها اضطرت لتقليص عدد الكُتب المترجمة التي تصدر عنها. تشمل الاستثناءات البارزة أرشيف دالكي ونيو دايركشنز، اللتين نما عدد ما تنشرانه بشكل ملحوظ عن ذي قبل . وايت بِن _ وهي دار نشر مقرها بافالو بولاية نيويورك متخصصة بالشعر العالمي _ خفّضت بشكل ملحوظ قائمة كتبها للخريف . ومؤخراً فحسب، أطلقت دار أرخبيل الكُتب، وهي ناشر حائز علي جائزة عن ترجمة الكُتب، حملة طموح لجمع التبرعات لتجنب الاضطرار لخفض قائمة الكُتب الصادرة عنها. يثير هذا سبباً آخر يعلل الانخفاض الحاد الّذي تعاني منه الترجمة: انخفاض التمويل المُتاح. عدد لا بأس به من المطابع التي تنشر الأدب المُترجم ( أرشيف دالكي، أرخبيل، أوبن ليتر، وايت بِن، فيمينيست برس، والكثير من المطابع الجامعيّة كتلك في نبراسكا ونورثويسترن وتكساس ) تعتمد علي الإعانات للبقاء واقفة علي قدميها . كل تلك المطابع ممولة من قِبل الدولة أو الحكومة الفيدرالية أومن مؤسسات خاصة وأفراد.
علي مستوي الدولة، خسر مجلس فنون ولاية نيويورك قسماً كبيراً من ميزانيته العام الماضي وثمّة مخاوف من تكرار الأمر نفسه في ديسمبر القادم ، وفقد مجلس فنون إلينوي أكثر من ثمانية وخمسين بالمائة من ميزانيته خلال السنوات الثلاث الماضية . ولحسن الحظّ، تبدو المؤسسة الوطنيّة للفنون راسخة، لكن يعجز المرء عن توقع متي وأين تجيء الضربة. جفّت التبرعات الفردية هي الأخري، حيث صار الناس أكثر قلقاً بشأن استنزاف مدخرات التقاعد الخاصة بهم أكثر من اهتمامهم بدعم مشروع لتمويل ترجمة أعظم شعراء المالطية ممن بقوا علي قيد الحياة، أو بعض الكُتب الأخري الجديرة بالترجمة، والتي لسبب ما مجهولة أدبياً. للأسف، فإن مهمة ترجمة الأدب ونشره تقع علي عاتق دور نشر مستقلة صغيرة والتي لا تملك موارد نظيرتها من دور النشر الأكبر. ودون تحسين الدعم _ أماكن أفضل لتلك الكتب في واجهات المتاجر، توزيع أفضل، وخيارات أفضل في التمويل _ فمن المحتمل أن يستمر هذا الانخفاض السنوي في عدد الكتب المترجمة بالولايات المتحدة.