د.أحمد عتمان الآن.. من يسرق النار من السماء ويهديها للمصريين تهميش الثقافة سر تخلفنا مع أنها قبل رغيف العيش لأننا لازلنا غير قادرين علي استيعاب المعني الدفين في اللحظة المصرية الراهنة بكل تداعياتها وتجلياتها لأننا نعيش مرحلة التشكيل بعد التحول الذي حدث في الذهنية السياسية والاجتماعية للمصريين.. مرحلة صعبة وعميقة الدلالة.. تتطلب النظر بعمق لما حدث.. ويحدث الآن علي المستويين السياسي والثقافي، وان كان الموقف الثقافي هو الأولي بالمعالجة، لأنه يمثل البوصلة التي تحدد المسار السياسي، وهذا ما نسعي إليه في أخبار الأدب بمحاورة كل من يمتلك فكرا جادا وأطروحات مستنيرة ورؤي جديدة، من أجل ذلك سعيت إلي محاورة الدكتور أحمد عتمان، ليس فقط باعتباره أستاذا أكاديميا للدراسات اليونانية واللاتينية، بل لأنه أيضا مثقف موسوعي، ومعني بالعلاقة بين الشرق والغرب من خلال الشعار الذي يرفعه (ترجم.. تتقدم)، خاصة في هذه الآونة التي تمثل فيها الترجمة قاطرة النهضة.. تعددت اهتمامات وكتابات د.عتمان لتشمل مجالات اللغة، الأدب، الفن، المسرح، فنالت مسرحياته نجاحا كبيرا، وشهدت المسارح المصرية كتاباته المسرحية »كليوباترا تعشق السلام«، »معيز البهنسا«، »زفاف عروس المكتبات«، »حسناء في سجن سقراط«، »الحكيم لا يمشي في الزفة«.. د. عتمان في حواره مع الزميلة مني نور فماذا يقول د.عتمان عن الزفة التي نسير فيها الآن، وهل نحن في حاجة إلي بطل اسطوري لتلك المرحلة؟! نحن لسنا في حاجة الي بطل اسطوري، ولا بطل مخلص فقد انتهي عصر البطولات الاسطورية، انما هناك بطل معنوي، هو ما نحتاجه.. هذا البطل المعنوي اسمه باختصار شديد (المصلحة العامة)، لو وضع كل منا أمام ناظريه هذا الشعار، وحكمه في كل تصرفاته لاستطعنا الخلاص من كل مشكلاتنا، مشيرا الي أن العيب الرئيسي فيما نشاهده الآن، في أن كل شخص يغلب مصلحته الخاصة، ويستهدفها في كل ما يقول ويعمل، وبالتالي ضاعت المصلحة العامة أي ضاع الوطن. أطالب بعودتنا الي صالح الوطن، بإجراء الحوار الديمقراطي الفعاشل، والحوار الديمقراطي - من وجهة نظره - يعني احترام رأي الآخر، ويعني أنه ليس بالضرورة أن يكون رأيي هو الأصلح، والأجود أبدا، إنما رأيي يسهم مع رأي الآخرين في بناء الصالح العام، فلو وضعنا هذا المعني أمام أعيننا في حواراتنا لما شاهدنا ما نشاهده الآن في برامج »التوك شو«، وما نشاهده الآن يملؤني بالغيظ. لماذا؟ لأني أري كل مشارك فيها ينطلق من مصلحته الخاصة ولا يضع في الاعتبار الصالح العام للمصريين جميعا، ويشترك في هذا العيب - للأسف الشديد - كل المتصدرين من النخبة، سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة، ومن هنا أنا ليس عندي أمل في الجيل الحالي، فكل الأمل في الجيل التالي الذي سيعي الدرس، ولذلك أنا متفائل علي المدي البعيد، بعد انقضاء هذا الجيل الفاسد، سيأتي جيل صالح للقيادة، ولبناء مصر، ولذلك علينا أن نصبر، ونصبر المهم الآن ألا نصل الي الهاوية، وعلينا أن نحافظ علي بلدنا، ونقلل من حجم الخسائر، حتي تمر هذه الفترة ويأتي الجيل الصالح المنتظر، هذا الجيل سيبني مصر، أما الجيل الحالي فلا أمل فيه، سواء الحكومة أو المعارضة. علي أي أساس خرجت بهذا اليقين؟ أنا لا أنطلق من فراغ في حكمي علي هذه المرحلة، فقد مر عامان وهذا الجيل المتصدر للمشهد لم يفعل شيئا لصالح البلد، انما خاض معارك تلو معارك في سبيل الحصول أو الوصول الي الكرسي وأي منهم سيصل الي الكرسي لن يفعل شيئا. خاص ل جيل ال18 وماذا عن جيل الشباب الذين حملوا مهمة انجاز الثورة؟ أنا أسميهم جيل الثمانية عشر يوما في ميادين التحرير بأنحاء مصر، هذا الجيل، صالح جدا ورائع، ولكنه لم يمكن من شيء، وكل الذين يتمسحون بهم يأخذونهم لافتة فقط، ويتخفون وراءهم، لكن هل وصل أي واحد منهم الي ادارة أو سلطة أو الي قرار قابل للتنفيذ!! هذا الجيل يتم تصفيته الآن، رغم أنه الجيل الذي انتظره، لأنه عندما يصل الي سدة الحكم، سيكون قادرا علي البناء وأنا عندما أسمع أحدهم يتحدث، أنصت له بكل قلبي وكياني، لأنني في هذه الحالة أنصت للمستقبل وهذا المستقبل هو مستقبل مصر. سارق النار لماذا لا يزال يعيش بيننا رموز الفكر الانساني خاصة في الأدب اللاتيني واليوناني القديم؟ معني ذلك أن الآداب القديمة، الشرقية والغربية بها نماذج انسانية بطولية لا تموت، لأن الانسان هو الانسان، لكن هناك ثوابت في الحياة الانسانية لم تتغير منذ الأزل حتي اليوم، النماذج الانسانية خالدة والتاريخ حافل بثورات شعبية، وبطولات خلصت البشرية من كوارث، سواء طبيعية أو بشرية، ومن هنا تأتي فكرة البطل الاسطوري »برومثيوس« الذي سرق النار من السماء، وأهداها للبشر، وكان سببا في تقدم البشرية وبناء الحضارات، ثم تم تعذيبه، وعقابه، وضحي بنفسه في سبيل البشرية، وهذا هو المعني الاسطوري لخلاص البشرية، ومثل هذا النموذج لازال حاضرا بيننا حتي يومنا هذا، وقد تغني به الشعراء منذ القدم حتي اليوم. فمثلا كتب عنه أيسخولوس رائعته »برومثيوس مقيدا« ثم في العصر الحديث كتب عنه »شيللي« مسرحيته »برومثيوس طليقا« ثم كتبت مئات الأعمال عنه فيما بعد. وفي العالم العربي تغني به شعراء »مدرسة أبوللو« أمثال: علي محمود طه، أبوشادي، ابراهيم ناجي، ثم كتب عنه بدر شاكر السياب، والبياتي (من العراق)، وأدونيس من سوريا، وصلاح عبدالصبور، ونجيب سرور، ودائما لا يفارقني النموذج الذي كتبه نزار قباني وهو يرثي د.طه حسين في الجامعة العربية عام 1974 فقال: أيها الأزهري.. يا سارق النار ويا كاسرا حدود الثواني عد الينا فإن عصرك عصر ذهبي.. ونحن عصر ثان! وهذا الشعر يعني أن طه حسين كان بروموثيوس الثقافة العربية، فهو الذي سرق النار من أوروبا وعاد الي مصر ليحدث ثورة ثقافية ليس في مصر فقط، بل في العالم العربي. معني آخر للثقافة هل نحن في حاجة الي الثقافة أولا أم رغيف العيش؟ الثقافة المتطورة هي التي تصنع رغيف العيش حتي الانسان البدائي عندما تطورت ثقافته، استطاع أن يوفر لنفسه ولمجتمعه رغد العيش والثقافة هي التي وصلت بالانسان الي ما هو عليه الآن، لأن الثقافة معناها أوسع من مجرد الحديث في الأدب والشعر، الثقافة معناها فهم الحياة وتطويرها وفهم الكون، هذا جزء أساسي في الثقافة.. أنا لا أقبل مقولة الرغيف أولا، لكن أقبل مقولة: الثقافة أولا.. فلو أنا جوعان وليس عندي أي ثقافة ورؤية، سأظل جائعا حتي الموت. أنا أعتقد أن ما نعانيه الآن من ترد في لغة الحوار، وانحطاط التعامل مع بعضنا البعض، هو نقص في ثقافتنا وتساءل د.عتمان: كيف نطلب من أناس لا يرتقي الحوار بينهم ولا أسلوب التعامل، فكيف نطلب منهم التقدم والحضارة.. هذا مستحيل. الانسان الذي يسعي للتقدم الحضاري هو الانسان المثقف الذي يتمتع برؤية للحياة والكون، ويطمح في السير الي الأمام، والنهوض بوطنه، فهذا هو التقدم من يسعي لذلك، فهو القادر علي أن »يغربل« كل المتاح من معلومات، ويفرق بين الغث والثمين، ولذلك أنا أعتقد أن شباب ال18 يوما في ميادين التحرير، كان مثقفا الي أقصي حد، وهذه هي الثقافة. تهميش المثقف كيف تري دور المثقف الآن، وهل تهميشه في المجتمع صحيح؟ أنا أعتقد أن سرا من أسرار تخلفنا، والذي أدي في النهاية الي ثورة 25 يناير، هو تهميش الثقافة، بمعني أن الثقافة تم وضعها في آخر جدول الأولويات، وأنا أعجب من بعض المسئولين يتحدثون بهذا الكلام، الذي يضع في أولوياته رغيف العيش، وأنبوبة البوتاجاز الي آخره، تلك هي أولي اهتمامات أي مسئول. أين التعليم، وأين المدرسة من ذلك كله في بناء الانسان المصري؟1 وأنا أتذكر مقولة ذكرها فنان الموسيقي اليوناني الأشهر »ثيوذوراكس« صاحب موسيقي زوربا، عندما جاء الي مصر وشارك في ندوة بدار الأوبرا حضرها فنانو مصر، وكان ذلك في تسعينات القرن الماضي وقال قولته: لو أنفقنا المال الكافي علي الفن، لما احتجنا لوزارة الشرطة أي الداخلية هذا يعني أن الثقافة والفن ترقي مشاعر الانسان وترقي بسلوكه، وتقضي علي العنف والجريمة فالمجتمع الذي تنتشر فيه الجريمة، هو المجتمع غير المثقف هو المجتمع الجاهل، وهو المجتمع أيضا الذي تهمش فيه الثقافة، وتحتل آخر درجة في سلم الأولويات ولذلك يمكن القول أن سر الأزمة التي تعيشها مصر - الآن - سببها تهميش الثقافة والمثقف لو عندنا ثقافة متطورة لما شاهدنا ما نشاهده في وسائل الاعلام، ولا كابدنا الآلام مما يحدث في الشوارع الآن، أنا أتعجب، مظاهرة سلمية كيف تنقلب الي عنف!!، ولو عدنا الي الثقافة الأصيلة والمتطورة لعالجنا 99٪ من مشاكلنا بما فيها الرغيف. بريق الثقافة كل التحولات الكبري في حياة الشعوب تمت بالفكر ورجاله، فهل أنت مع الرأي القائل بأن المثقفين تخلفوا عن أدوارهم؟ نظرا لتهميش المثقفين، فالقيمة الثقافية - نفسها - فقدت بريقها، وبالتالي المثقف لم يعد له أهمية بضاعته »بائرة« غير مرغوب فيها، ولا تنفع إلا لخدمة النظام الحاكم، واكتسب الأهمية الكبري من المثقفين، فنجد فئة متسلقة نفعية لا يهمها الا مصالحها الشخصية وبالتالي نجد من يطفون علي السطح في الحياة الثقافية، ويبرزون لا لقيمة ما يقدمون من ثقافة ووعي، وإنما فقط لأنهم يخدمون النظام ويزينون له الفساد. أما أصحاب الرأي السديد، وأصحاب الرؤية المتعمقة والتي تخدم الوطن، فيهمشون وهذا ما حدث!! وضع حرج كيف تري وضع الثقافة الآن في ظل هذا الجو المتوتر؟ الوضع الراهن الخاص بالثقافة، وضع حرج جدا، لأنه لو أخذنا في الاعتبار ما يجري الآن في مصر، من مظاهرات، يجعل أي مثقف وأي مسئول ثقافي ينفض يده، وهذا خطأ، لكن المفروض - وهذا ما أفعله -أن أواصل عملي الثقافي بكل نشاط وكل همة رغم كل الظروف المضادة. لماذا؟ لأن الفعل الثقافي لابد وأن يستمر، ولا نترك الساحة فارغة، لأن هذا معناه الانهيار والاستسلام وأنا أرفض ذلك عن عقيدة وايمان عميق، لابد من الاستمرار والاعتماد علي الامكانات المتوافرة لعمل مفيد، فالغياب الثقافي معناه الهاوية، ونحن لدينا أمل كبير في جيل الثورة كما ذكرت لك سابقا. لابد أن نستمر في ظروفنا الحالية حتي يتسلم هذا الجيل المسئولية ولا نسلمه البلد خاويا علي عروشه، والشاهد علي ذلك أنني أعد الآن - عن طريق لجنة الترجمة بالمجلس الأعلي للثقافة لمؤتمر دولي كبير في الفترة من 15-17 أكتوبر القادم بعنوان »آفاق الترجمة والحوار مع الآخر بعد ثورات الربيع العربي«، وسوف توجه الدعوة فيه لكبار المتخصصين في العالم وفي الدول العربية. فأنا لو تمكن اليأس مني، فلن أعمل، أنا لا أيأس وأؤمن بشعار لا يأس مع الحياة، وأؤمن أيضا بمستقبل شباب ميادين مصر. ولكي أبرهن لك علي ذلك انني في مارس عام 2012 أشرفت علي تنظيم مؤتمر الدراسات اليونانية واللاتينية بالكلية - في عز الأزمة - وكان الأمن في حالة سيئة، ورغم ذلك حضر الي مصر من الخارج ما يزيد علي عشرين أستاذا من أمريكا وأوروبا وأخيرا نجح المؤتمر في ظل هذه التوترات السياسية ونشرت أعماله في مجلد فخم باللغة العربية واللغات الأجنبية تحت عنوان »الدراما والديمقراطية« وكان من كرم المشاركين فيه وأعضاء والقسم أن أهدوا الكتاب اليّ، تكريما لي، وتقديرا لما بذلته من جهد، فهذا نموذج لما يمكن عمله في ظل التوترات التي يمر بها الوطن.. أما إذا استسلمنا فلن نفعل شيئا. الاتجاه شرقا في الترجمة هل انت راض عن مستوي الترجمة في مصر الآن؟ طموحاتي الثقافية بلا حدود، وفي مجال الترجمة أيضا لكن أنا ضد من يقفون ضد أية خطوة جادة. أي خطوة في هذا المجال لابد من تشجيعها، والالتفاف حولها، حال الترجمة الآن لايسرني، لأن المطلوب أكثر من ذلك بكثير في مستوي المترجم، وموقف المترجم نفسه واحترام عمله، وتقديره وتنويع مصادر الترجمة فمثلا دول الشرق مثل الصين، اليابان، أندونيسيا، لم يترجم منها شيء، خاصة أندونيسيا أكبر دولة اسلامية، لانعرف عنها شيئا، لا في الأدب ولا في التراث، ولا حتي نعرف كُتابها وهذا خطأ كبير!! بالتالي فالترجمة في حاجة الي جهود جبارة للنهوض بها، ولكني اربط كل ذلك بحال الثقافة، وقد ذكرت ذلك في أحد لقاءاتي بمعرض الكتاب قلت أن الترجمة هي قاطرة النهضة الثقافية، بمعني: لا نهضة بدون ترجمة، ولا ترجمة بدون نهضة، شعاري »ترجم تتقدم«. وماهي المشكلة؟ المشكلة عندنا في حال الثقافة نفسه، اذا قلنا أن الثقافة مهمشة فما بال الترجمة، سوف تنفي، خلاصة الثقافة تظهر في الترجمة، والترجمة هي قاطرة الثقافة. تري ماهو المطلوب الآن؟ تشجيع الخطوات التي تتخذها مديرة المركز القومي للترجمة الدكتورة كاميليا صبحي، لأنها واعية بكل مشكلات الترجمة ولديها طموح كبير، ومطلوب أن نلتف حولها جميعا.