الترجمة من أسباب نصر أكتوبر.. على المائدة المستديرة طلعت الشايب: بدون حركة ثقافية تدعمها الدولة كما تدعم الخبز لن يكون لدينا ترجمة د. أنور إبراهيم: نحتاج خطة عربية متكاملة.. والاهتمام بالترجمات العلمية طريق النهضة "الترجمة" جسر الثقافات.. وهى المحور الرئيسى الذى تدور حوله لقاءات المائدة المستدير فى دورة المعرض الحالية وتحت عنوان "الواقع والتحدي في ظل معدلات الترجمة.. تقرير اليونسكو الأخير عن الترجمة في العالم العربي".. كان اللقاء الأول وشارك فيه د.أنور محمد إبراهيم و الكاتب والمترجم طلعت الشايب ود. أحمد عتمان أستاذ الأدب الإغريقي ورئيس لجنة الترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، وأدراتها الدكتورة المصادفة رئيس تحرير سلسة الترجمة بالهيئة العامة للكتاب، والمشرفة على أنشطة المائدة المستديرة. بدأت دكتورة سهير المصادفة الندوة بالتأكيد على أهمية الترجمة كنافذة للثقافة العربية تطل منها على العالم والاتجاهات الفكرية الجديدة، لذا خصص المعرض لها محورا خاصا ضمن أنشطته.. وتحدثت عن حركة الترجمة مشيرة إلى أن الدولة لا ترعى الترجمة ومازلنا نحاول ونحاول جاهدين لدعمها، ثم قدمت ضيوف الندوة ووجهت السؤال إلى د. أحمد عتمان: كيف يتم تجاوز معدلات الترجمة المخجلة؟، وأشارت على سبيل المثال إلى أن "إسرائيل" تترجم مثل العالم العربي بأكمله مرة ونصف كل عام. تحدث د.أحمد عتمان فى البداية عن الأوضاع الراهنة التى أثرت على كافة مناحى الحياة ومن بينها الثقافة، قائلا: لابد أن يعمل كل فرد ويمارس عمله بانتظام كي تمر المرحلة ولا تتحول الكبوة إلى كبوات، لذا أجبت هذه الدعوة الكريمة رغم الصعوبات لأننا جميعاً يجب أن نجتاز ببلدنا هذه الفترة.. وأضاف: لا نهضة بدون حركة ترجمة، ننشد نهضة ثقافية لنغير وجه الحياة في مصر، وذلك لن يحدث بدون ترجمة لأنها تمثل الاتصال بالآخر ووسيلة من وسائل نقل إشعاع الآخر وثقافته وأفكار النهضة ووسائل التقدم إلى مصر، وهذا ليس كلام إنشاء فالتاريخ يقول ذلك، كل عصور النهضة بدأت بالترجمة، وضرب مثالا بالنهضة الأوروبية التى قامت بالأساس الترجمة. وأوضح أن آباء النهضة الأوائل أوصوا بترجمة الحضارات والثقافات والتراث وعلى رأسه التراث العربي، والترجمة ليست ترفاً، فماذا فعلنا لها، لا تفرحوا بترجمة كتاب أو عشرة، فبالنظر إلى "إسرائيل" وأوروبا، نجدهم يترجمون قدراً هائلاً من الكتب كل عام، وتساءل كيف يمتلك العالم العربي هذه الثروات الهائلة التي تغذي العالم كله بالنفط ويكون هذا حالنا في الترجمة. وقال: ليست الأموال وحدها التي تنهض بحركة الترجمة، فالتعليم ومن ضمنه تعليم اللغات حجر أساس في هذه الحركة، إلا أننا للأسف نجد الآن من يحارب تعليم اللغات الأجنبية، وهذا جهل شديد، فتعلم اللغات كالإنجليزية والإسبانية يفتح لنا أبوابا ويمنحنا كنوزاً من المعرفة.. وأشار إلى منظومة التعليم بوصفها مشكلة كبيرة أثرت على المجتمع وعادت به للوراء، وهى تبدأ من الحضانة حتى الجامعة، ونستطيع أن نقول أن المنظومة التعليمية منهارة بالفعل. وأكد أننا بحاجة لثورة في التعليم، قائلا" نحن نحتاج لرؤية، ومن يحارب الأعمال الأدبية لأنها تهدم حضارته فهو جاهل، والإعلام شريك كبير في هذا، فهو يصور الأجنبي على أنه مشغول بالرقص واللهو ولا يظهر الجانب المتحضر للدول الأجنبية، كالأمانة في المعاملات ودقة المواعيد، نحن نحتاج لإعادة الرؤية في كلمة الآخر، وليس هذا فقط في الدول الغربية، بل لحقت بهم الدول الشرقية كالصين، ونحن مازلنا نتحاور في مسائل تخطيناها من زمن بعيد. وأشار د. عتمان إلى أن الترجمة العلمية في مصر تكاد تكون معدومة، وتساءل: كيف سنعرف علوم الذرة والفضاء؟!!، أتحدى من يريني كتباً مترجمة في العلوم، فالمسلمون في أوج حضارتهم ترجموا العلم والطب والرياضة والفلك وبنوا عليها وأضافوا لها، مع صعوبة الترجمة وقتها، فلماذا لا نقتدي بأجدادنا، ادرسوا تجربة العباسيين وترجموا العلوم. ويرى عتمان أن ترجمة العلوم في بلادنا معلومات عامة وليست متخصصة، مشيرا إلى أن أسباب المشكلة، أن الترجمة جزء من الحياة الثقافية، والسبب الرئيسى في تخلف حركة الترجمة أن الثقافة في آخر سلم الأولويات، وهذا ليس جديداً علينا بل هو ميراث قديم، فنحن نعتبر أن الثقافة زينة من كماليات الحياة، فوزارة الثقافة وغيرها مجرد لافتات تحتاج لجهد كبير للنهوض بها، كما أن آليات الطباعة تقدمت في العالم كله لكننا نستخدم آلات قديمة عتيقة علاها الصدأ، ومادامت الثقافة تعاني فسوف تظل الترجمة تعاني وكرر قوله أننا بحاجة لثورة ثقافية، والترجمة هي قاطرة النهضة. وعلقت د. سهير على كلام الدكتور عتمان مضيفة: لقد سمي العصر العباسي بالعصر الذهبي للعلم والثقافة لأن المأمون والرشيد كانوا يزنون الكتب بالذهب. بعدها تحدث الكاتب والمترجم طلعت الشايب، وقال: الأرقام تشير إلى تدني مستوى الترجمة، ونحن في كل عام نقول نفس الكلام، مع أن مصر مؤهلة لتقود الترجمة في العالم العربي، لدينا تجارب مؤسسية وليست أفراداً منذ زمن، وضرب مثلاً بالمشروع القومي للترجمة، مضيفاً أنه بدون حركة ثقافية في كل المجالات تدعمها الدولة كما تدعم رغيف الخبز لن تكون الترجمة كما نتمناها، الترجمة بعيدا عن الدولة مشروع للربح تهم القطاع الخاص ومثله فى ذلك مثل التاجر الذي يهتم بالربح آخر العام، أما الترجمة للدول التي تريد التقدم فهذا أمر مختلف. ويتطلب ذلك من الدولة والكلام للشايب أن تحدد هدفها من المشروع و أرباحه الوطنية وأن تحدد أدواتها وميزانيتها، ويكون لديها مترجمون وموزعون ومطابع وأفراد يؤمنون بذلك المشروع قادرون على إدارته، ثم ذكر أن مصر فيها أكبر عدد من المترجمين ولديها عدد هائل من أساتذة الترجمة والثقافة. وقبل الثورة بسنة وافق الرئيس السابق على مشروع ترجمة ب 20 مليون جنيه من ميزانية خاصة تشبه ميزانية مكتبة الإسكندرية، دون تحديد آليات، وهذا مثال على أن العشوائية تبدأ من القرار السياسي نهاية إلى كل شيء.. وأن المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومي للثقافة ليس لديهما رؤية أو خطة واضحة للعمل. وعلى سبيل المثال ذكر الشايب أن مجلس مستشاري الترجمة وهو هيئة نشأت كان مقرراً أن تعقد اجتماعاً للمستشارين كل شهرين لمناقشة الحركة والخطط وإقرار الميزانيات ومتابعة العمل، لكنها لم تعقد اجتماعاً واحداً حتى قامت الثورة، وأعيد تشكيل المجلس بقرار من المشير طنطاوي مرة واحدة بعد الثورة، وهذا دليل على أن العمل كان عشوائياً متخبطاً. ثم ساق مثالاً آخر على ذلك بقوله أن دار النشر كبيرة كانت أو صغيرة تعرف الآن ما ستطبعه من كتب في 2013 لكن اسأل المركز القومي للترجمة عن الخطة للترجمة فلن تجد، والعشوائية تضيع الوقت والموارد، فبلا خطة لن ننتج شيئاً، نحن نريد إدارة جيدة تدير هذا العمل، بأشخاص لا ينافقون الحكام. وعطف على كلامه بمثال آخر هو سلسلة الألف كتاب الثاني، فبالصدفة ستعرف الكتب التي تصدر عنها، ولا تدري هل الكتاب مترجم حديثاً أو لا؟، هل هو من مترجم متخصص أو لا؟، بينما سلسلة الترجمة التي تشرف عليها الدكتورة سهير المصادفة مثلا مشروع له خطة ورؤية، ولو كان عندك مشروع مشابه تستطيع تشكيل مشروع قومي كبير يديره من يفهمون عملية الترجمة، وهناك من خدع مبارك ليفهمه أننا نستطيع أن نصدر ستة آلاف عنوان مترجم في السنة وهذا مستحيل، واصفاً صاحب هذه الفكرة أو الإدعاء بأنه مدعى، فالجودة أهم من الكم والمنافسة بين الدول على العدد ومن يصدر كتباً أكثر، لذلك يجب أن تكون لنا رؤية كاملة لا تعتمد على الأشخاص بل المؤسسات لننهض. ثم قدمت د. سهير الدكتور أنور محمد إبراهيم على أنه القادم من ثقافة آباء التطور في الفن والأدب، الثقافة الروسية. وقد بدأ الدكتور أنور قائلاً: أنتمي لمشروع الترجمة وعلي أن أقدمه بشكل جيد، قبل اللقاء كنت أحاور الدكتور عتمان عن انتصارنا في حرب أكتوبر، وكيف يجب أن نعيد الفضل في هذا النصر لأهله الذين لا يذكرهم أحد، فقبل أكتوبر كانت لدينا بنية تحتية منهارة في الجيش، وحتى ننهض استعنا بخبرات روسيا وكان وسيلتنا لذلك المترجمون، الذين وصلوا الليل بالنهار لنقل خبرات الروس لجيشنا، والترجمة هي ليست فقط قاطرة النهضة بل قاطرة النصر أيضاً، وقد استفدنا كثيرا من الترجمة الروسية وازدهارها في الستينيات من القرن العشرين، وكانت الترجمة بوابة لتعرفنا على آداب مثيرة كآداب أمريكا الجنوبية. و أضاف أنور: بالتعليم الجيد يأتي المترجم الجيد، والبداية كانت دوماً بالغة العربية والكتاب كان أمراً هاماً لكل المثقفين ومعرض القاهرة الدولي للكتاب كان له دوراً بارزاً في ذلك، ولدينا الآن العارفين باللغات الأجنبية لكنهم لا يعملون بالترجمة، لغياب منظومة ينتمي إليها المترجمون، كذلك فإن كليات اللغات تدرس الترجمة بشكل هامشي، فمثلاً كلية الألسن التي أنتمي إليها دراساتهم أدبية فقط، ولا يهتم أحد بالترجمة نفسها. وأكد أنور أن المؤسسة والعمل المؤسسي هام وضروري، وبصفته مترجماً للغة الروسية ومتخصص فيها ذكر أمثلة من أثر الترجمة في نهضة روسيا وتاريخها إبان عهد الستار الحديدي، فقد كانوا يستطيعون متابعة ما يحدث في العالم بالترجمة، وبعد البروسترويكا كان الجمهور الروسي متعطشاً لاستعادة النهضة الثقافية. واختتم د. أنور إبراهيم كلامه بالحديث عن التكامل العربي في حركة الترجمة، مؤكداً أننا نحتاج لخطة عربية ومتابعة الترجمة على مستوى العالم العربي حتى لا تتكرر ترجمة الكتب في عدة بلدان وأهمية تواصل المترجمين العرب، كما أننا نفتقد الترجمات العلمية ولو مبسطة للقارئ العادي.. مشيرا إلى أن الترجمة في مصر كان يقوم بها المثقفون القدامى ويكسبونها طابعاً أدبيا وعلمياً يجعلها تبدو كمؤلفاتهم الأصلية. وأضاف أن الترجمة عمل غير مربح للأفراد، لذلك يجب أن يكون مشروعاً قومياً تخصص له ميزانية مناسبة واختتمت الدكتورة المصادفة اللقاء برسالة إلى جيل الشباب قائلة نحن نضع بين أيديكم المستقبل والتحدي، لنقفز فوق تقرير اليونسكو المخزي، فالخيال الإداري كان منعدماً، فنحن نطبع الكتب المترجمة العالمية كطبعة أولى أربعة آلاف نسخة لكتب حصل مؤلفوها على جوائز عالمية، الفساد كان طاغياً في مؤسساتنا.. لكن علينا أن نبدأ الآن.