«فاتنة الغرة» شاعرة فلسطينية مقيمة في بلجيكا وتتنقل ما بين غزة والقاهرة وبروكسل، عاشت أيام الثورة المصرية بكيانها ووجدانها وقصيدتها وروحها رغم إقامتها في الخارج، متفائلة بشأن مستقبل الثورة المصرية التي ستعيد الدور الريادي لمصر في المنطقة العربية، وتتمني ألا تنتقل الثورة سريعا قبل التمهل للتعلم من عيوبها وأخطائها في تجاربها الجديدة، وتطالب المصريين بالصبر حتي يتمكنوا من إقامة ديمقراطية حقيقية، الغرة زارتنا في روزاليوسف وكان هذا الحوار. كيف وجدت مصر بعد الثورة؟ انا أعشق مصر قبل الثورة وبعد الثورة، لأن هوية مصر ثابتة لا يمكن أن يزعزعها أي عارض، وعندما تضل الطريق وتجد من يرشدك إلي المكان الذي تريده، فحتما أنت في مصر وانا بحكم نشأتي في قطاع غزة تلقيت التعليم المصري ودرست المناهج المصرية وتربيت علي الأغاني والمسلسلات والإعلانات المصرية قبل وصول التليفزيون إلي قطاع غزة، وبالتالي مصر وطن بديل، إن لم تكن وطني الأصلي. لكن ما بعد الثورة أحسست من تعاملي مع الناس أن هناك إحساسا بالشموخ والعزة لم يكن موجودا من قبل والكل يرفع شعار (أنا مصري) وهو ليس مجرد شعار، وإنما هو تمثيل حقيقي لما نراه في الشارع، لأن هذا الشعب العظيم استطاع أن يخرج عن صمته علي مدار العقود الماضية، وتمكن من أن يخلع رئيسا ظل رابضا علي صدره طوال ثلاثين عاما. وهذه الثورة أعادت للإنسان المصري كرامته وشخصيته العظيمة التي أضاءت العالم قرونا من الزمن، وأثبتت أن هذا الإنسان يستحق أن يعيش كريما وحرا في وطنه، ويمارس حياته بدون قيود. هل أنت متفائلة بمستقبل الثورة المصرية؟ - بالتأكيد أتمني من الشعب المصري الذي صبر طويلا علي الظلم والاستبداد لأن يتحلي بالصبر الطويل لكي يحقق ويرسخ الديمقراطية الحقيقية . هل تتوقعين انتقال الثورة إلي دول عربية أخري؟ - أتمني -في الوقت الراهن علي الأقل- ألا يمتد زحف الثورة إلي باقي أقطار الوطن العربي، وقد يبدو كلامي مزعجا لبعض الأشخاص الحالمين، الذين يسعون إلي اشتعال الثورات في كل الأقطار العربية، لكن ينبغي الإبقاء علي بعض النماذج المستقرة حتي نتعلم من الأخطاء التي وقعت في البلاد التي هدت ثوات بالفعل، ومحاولة تجنب تكرارها، لأن التكلفة في النهاية غالية، وهي إزهاق المزيد من الأرواح، فالضحايا ليسوا أرقاما وإنما أشخاص يحيون ويعيشون ويعشقون. نحن نعرف أن الشعراء "كائنات حالمة" .. فهل تصورت يوما بهذا الخيال أنك ستشاهدين هذه اللحظات الثورية التاريخية؟ -الشعراء كائنات حالمة في النص فقط وليس علي أرض الواقع، بالعكس الشعراء كائنات حقيقية تقف أقدامها علي أرض الواقع، ولكن هذا المارد الثوري لم يتوقعه أحد حتي الحكام أنفسهم، وإلا كانوا أخذوا الاحتياطات اللازمة للحيلولة دون وقوعها، حيث كانت الشرارة في الهشيم في مكان غير ملفت لأحد، واشتعلت النار العظيمة في الكثير من الأماكن التي أكلت اليابس أكثر من الأخضر. لمن ستكون الغلبة حسب اعتقادك في هذه الثورات العربية المطالبة ب"لقمة العيش" أم متطلبات "الروح"؟ - إذا تنافر الاثنان وتضاربا، حتما ستكون الغلبة للقمة العيش، وهذا دليل آخر علي أن الشعراء ليسوا حالمين، إذا وقف الشاعر أمام خيارين: إما القصيدة أو رغيف الخبز لكي يطعم به ابنه الجائع، حتما سيختار رغيف الخبز، فالحياة قاسية جدا. هل تعتقدين أن الثورات العربية قادرة علي القضاء علي كل أشكال الديكتاتوريات والظلم المعشش منذ قرون في عقول الشعوب العربية؟ - للأسف لا أعتقد، نحن شعوب نحتاج إلي المزيد من الأجيال لنستطيع التخلص من مفهوم استعدادنا للعبودية والعيش في ظل حكم ديكتاتوري، لأن المشكلة الرئيسية هي وجود بنية عقلية قبلية، فالحكم لرئيس القبيلة والطاعة العمياء له بالإضافة إلي البنية العقلية الدينية بغض النظر عن نوع الديانة، وقد يكون هذا الشيخ أو القس أو الإمام الروحي هو المرجعية لحركة الجماهير، وهذا يجعل العقل في حالة تبعية دائمة، وبالتالي تنامي الشعور بالحاجة لمن يقوده وعلينا التخلص من هذا الوعي. ما التحديات التي تفرض اليوم علي المثقف العربي في ظل هذا الوضع الجديد وبعد صمته الطويل؟ - المثقف ليس له مكان عضوي في هذه الثورات، والبطل الحقيقي لهذه الثورات هو الإنسان العادي البسيط للأسف كشفت هذه الثورات أن الثقافة ترفا حتي المثقفين في جلساتهم الخاصة لا يتحدثون عن الإبداع ولكن الثورة هي محور أحاديثهم وبالتالي أكبر تحد يواجه الجميع هو إرساء مبادئ هذه الثورات والوصول بها إلي بر الأمان والخروج بتوليفة حضارية وديمقراطية يستطيع الناس التعايش معها وليس الرجوع للخلف أو لبس عباءة واحدة او السير تحت حكم فصيل أو شخص ما. ما رؤيتك للازدواجية التي يعيشها بعض المثقفين العرب في تعاملهم مع السلطة؟ - ازدواجية المثقف ليست سلوكا حديثا، فقد أخبرنا التاريخ عن شعراء كانوا يتكسبون بالشعر، ويتقربون إلي الحكام، وهؤلاء المثقفون "الكتبة" ما زالوا يقومون بهذا الدور حتي الآن، ويتخذون الثقافة كوسيلة للكسب، وهم مجرد طفيليات ستذهب، لأن الزبد يذهب جفاء، أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. قمنا بالثورة السياسية .. فمتي تقوم الثورة الثقافية؟ - عندما تستقر دعائم الثورة السياسية حتما ستنطلق الثورة الثقافية. بصفتك شاعرة عربية فلسطينية.. هل تعتبرين تبادل الترجمة بين العربية والعبرية نوعا من التطبيع؟ - لا أري ترجمة الأدب العبري تطبيعا، لأنه إذا نظرنا للقضية من منظور ديني سنجد حديث الرسول عليه السلام "من عرف لغة قوم أمن مكرهم" وترجمة الأدب العبري تتيح لنا كيف يفكر العدو وكيف يعيش، الخطر الحقيقي حينما نجهلهم، وكأننا ذاهبون في اتجاه المجهول، وحينما نعرف عنهم الكثير من تفاصيل الحياة التي يوفرها الأدب العبري نستطيع التعامل معهم بعين مفتوحة وخطط سليمة .. التطبيع الحقيقي أن نرفض ترجماتهم ثم نجلس معهم سرا لإنشاء شركات وتوقيع صفقات مصالح سرية ونعتنق أفكارهم ونروج لها. هل أنت مستعدة للتعامل مع الناشر الإسرائيلي إذا عرض عليك ترجمة بعض دواوينك؟ - سوف أرفض هذا العرض، لأني لست معنية بأن يفهم هؤلاء الناس من أكون، ولست معنية بأن أقدم لهم بيانات عني وعن مجتمعي من خلال الأدب، هم أذكياء ويعرفون كل شيء عنا، ونحن للأسف لا نعرف عنهم سوي القليل.