في البداية كيف تنظر إلي ثورة 25يناير وماذا عن رؤيتك لأحداثها وقد شهدت العديد من الثورات؟ - ثورة 25يناير من أعظم الثورات المصرية بل من أعظم ثورات التاريخ البشري لأنها أضافت أبعاداً إنسانية إلي الثورات الأخري تجعلها متميزة وملهمة للآخرين .ثورة من أجل الحرية فالمصريون لديهم مشكلات عديدة أهمها الفقر والبطالة بالإضافة لتراجع الخدمات بشكل عام ولكنهم مع ذلك اعتبروا أن قضيتهم الأولي الآن هي الحرية .معني هذا أنهم يعلون من الشروط التي تجعل الإنسان إنساناً علي أي شرط آخر يشترك فيه مع الحيوان، من حق المصري أن يعيش حياة كريمة لائقة، عندما تكون هناك مشكلة طغيان وأستبداد وديكتاتورية وعندما تنتقص الحرية، والنضال من أجل الحرية هو ما صنعه المصريون. والسلطة مسلحة بوسائل عدة تجعلها متوحشة ومع ذلك استطاعت الجماهير أن تنتصر البنادق والرصاص الحي وحتي الخيول والأبل التي اسُتخدمت لإرهاب المتظاهرين . إذن هذه ثورة عظيمة ولكنها ككل الثورات يمكن أن تكون مهددة. الثورة مهددة إذن ما الذي يمكن أن يهدد هذه الثورة؟ - الثورة مهددة من جماعات أو أهداف ومصالح وقوي يمكن أن تسرقها خصوصاً أذا قدمت هذه القوي نفسها علي انها معارضة وثورية كالإخوان المسلمين، في الواقع إن الأخوان لم يكونوا معارضين، قوي تريد أن تحل محل قوي أخري حيث يريدون أن يثبوا علي السلطة دون تغيير جوهر النظام، جوهر النظام هو الطغيان. وما الذي نحتاجه من هذه الثورة ؟ - نحتاج إلي اليقظة ومعرفة الهدف والغاية من هذه الثورة، لابد من إلغاء قانون الطوارئ وإنشاء دستور جديد يعيد الحق لأصحابه، الفصل بين السلطات وهي أن الأمة مصدرالسلطات لابد أن تكون الحكومة في جانب آخر بعيدة عن البرلمان ولكن عندما تختلط الأمور ويصبح النواب طلاب عرائض يريدون من هذا الوزير أن يوقع لهم يفسد كل شيء. تحقيق المعجزة هل توقعت أن تتحول مجردمظاهرة احتجاجية إلي ثورة عارمة تسقط نظامه جسم علي صدورنا ثلاثين عاماً؟ فكرت أولاً أن هذه التظاهرة التي حدثت في الساعات الأولي من 25يناير أنها شكل آخر من أشكال الاحتجاجات التي سبقت الثورة مثل أحتجاجات القضاة والعمال والصحفيين والمحامين وفي البداية نظرت إليها علي أنها ليست مظاهرة فئوية وإنما تظاهرة الشباب وهو الجديد في الموضوع ولكنني لم أعتقد أن تشتعل وتنمو وتصل إلي هذه الغايات والأهداف التي حققتها والتي كنا جميعاً نحلم بها ولكن كا نستعد لهذا ولم نكن نتصور أنه سيتحقق بهذة السرعة كما لو كان معجزة من المعجزات. كنت أحد المثقفين الذين عانوا من قمع السلطة وإن كان ذلك في عهدي عبدالناصر والسادات مما جعلك تسافر وتقيم في فرنسا لمدة طويلة.فما هي ظروف القمع التي تعرضت إليها؟ لقد تعرضت للاعتقال وعمري 18عاماً عندما خرجت في مظاهرة تطالب بعودة الحياة النيابية عقب أحداث مارس الشهيرة وتم منعي من العمل في التدريس فاتجهت للصحافة والعمل في مجلة روز اليوسف ثم أُعتقلت مرة آخري عام 1965 ومنعت من السفر لعدة سنوات .ثم في عهد السادات و في عام 1973 شهدت مصر حركة شعبية قام بها الصحفيون والمثقفون ضدالرئيس حيث اعترضوا علي الرقابة علي الصحف وكنت أحد الذين يلقون خطب الاعتراض هذه كما وقع الصدام بين السادات وتيار آخر يمثله علي صبري وقد كنا منحازين لهذا التيار، فكانت النتيجة هي فصلنا من الصحف التي نعمل بها وقد أستمر هذا الفصل من فبراير1973 إلي سبتمبر 1973 ثم فوجئنا بعودتنا إلي العمل قبل الحرب بعدة أيام حيث أراد الرئيس تصحيح علاقته مع المثقفين قبل دخول الحرب، وبعد الحرب عُين يوسف السباعي وزيراً للثقافة والإعلام فكتبت مقالة في روز اليوسف أناقشه في برنامجه الذي يقدمة للسلطة فمنعت هذه المقالة من النشر,فرإيت أن السلطة قد انتهزت عبور القناة لكي تشدد قبضتها علي الداخل بخاصة المثقفين الذين كانوا ضدها من الناحية السياسية وبما أنهم منعوا هذه المقالة فسوف يتبعون هذا دائماً وخصوصاً في المؤسسات التي يقودها رجال السلطة , فسافرت إلي فرنسا، وقد امتدت إقامتي بها إلي 17عاماً. ولكن الرئيس السادات استضافك في منزله قبل وفاته، فهل كان هذا نوعاً من المصالحة؟ - بالفعل قبل رحيل الرئيس السادات بشهور في 1981 أعلن أنه سيتم فصل الصحفيين الذين يقيمون بالخارج بدعوي أنهم يسيئون لمصر بنقد السلطة، فطلب منه نقيب الصحفيين في ذاك الوقت "صلاح جلال"أن يجتمع مع الصحفيين ويحاول إقناعهم بالعودة وقد اجتمع في منزلي بفرنسا وقد اشترطت العودة بعد التمتع بحرية النقد والعمل الصحفي بعيداً عن الرقابة,وبالفعل عدت إلي جريدة روزاليوسف وبعد عدة إيام وجدت من يطلبني لمقابلة الرئيس وكان هذا في سبتمبرأي قبل اغتيال الرئيس بعدة أسابيع. رغم إقامتك الطويلة بفرنسا إلا أنك رفضت الحصول علي الجنسية الفرنسية؟ - لم أرفض ولكنني لم أجد نفسي محتاجاً إليها، فوجدت من الأفضل الاكتفاء بجنسيتي رغم أنه من حقي الحصول علي الجنسية الفرنسية بشكل قانوني منذ عام 1974 بحسب القوانين الفرنسية كما أن هذه الجنسية كانت ستعطيني امتيازات لايحصل عليها الأجنبي ولكني كنت أنظر باستمرار علي صدي ذلك ورد الفعل الذي سيحدث في مصر تلك السنوات فقد كان هناك من يهاجمون المصريين في الخارج ويتهمونهم بالبحث عن فرص أفضل ومكسب مادي وهذا لم يكن محسوباً بالنسبة لي لأنه إذا فكرت في هذا كنت ذهبت إلي أي بلد عربي وكان سيرحب بي وقد عُرض علي بالفعل ولكني اعتذرت. منذ قيام الثورة تباري العديد من الشعراء في كتابة قصائد، فإلي أي مدي تلهم الثورة الشعراء؟ - الثورة بطبيعتها ملهمة لأنها تخاطب في الإنسان حاجة في مقدمة حاجاته، شرطاً هو في مقدمة شروطه وهو الحرية وحاجة الإنسان للكرامة وأن يسهم ويشارك في بناء حياته والخروج علي ما يعوقه. رأينا كيف ألهمت المصريين جميعاً وليس الشعراء فقط .الذين كانوا يتظاهرون في ميدان التحرير بل في مختلف المحافظات تحولوا أنفسهم إلي شعراء وذلك من خلال الشعارات التي كُتبت والنكات التي اسُتلهمت خلال الثورة، والأغاني والأناشيد التي حلقت بالحناجر، كذلك سلوك الثوار عندما انتصروا وتحققت بعض مطالبهم أخذوا يفكرون في تنظيف البلد. هذا كله إن لم يكن شعرا بالمعني المعروف فهو سلوك شاعري، فالثورة بالتالي ملهمة وخصوصاً للشعراء وقد رأينا عددًا كبيرًا من القصائد التي نشرت في الأيام الماضية ليست لشعراء مصريين فقط ولكن لشعراء عرب يحيون الثورة المصرية كما أنني لا أستبعد أن يكون هناك شعراء أجانب كتبوا عنها.لقد هزت الثورة المصرية ضمائر العالم سواء العربي أو الأجنبي، رأينا كيف تحدث عنها الرئيس الأمريكي أوباما وساركوزي وبيرليسكوني. كتبت ثلاث قصائد في شهر واحد بداية من اندلاع الثورة. فهل فتحت الثورة شهيتك للشعرة مرة أخري؟ - بعد انقطاع عن الشعر لأكثر من عشر سنوات لم أكتب سوي قصيدتين هما خارج الوقت وأيام أمي. كتبت ثلاث قصائد في شهر واحد وهي المرة الأولي التي أكتب فيها شعراً بهذه الطريقة .بالفعل لقد فتحت الثورة شهيتي للشعر لأن القصيدة الثانية التي كتبتها عن الثورة بعنوان"عودة الروح" وكنت أقصد في المقطع الأخير منها أن الثورة أعادت الشعر للشعراء وأعادتنا للغناء. أيضاً هي عودة الروح للشاعر والشعر، ليست عودة للشعراء فقط لكنها للشعر نفسه، لأن الشعر كان قد انسحب من الساحة خلال زمن الطغيان لأنه من المستحيل أن يتفق الإبداع الإنساني مع الطغيان، الإبداع دائماً قرين للحرية، وعندما عادت الحرية عاد الشعر وتفتحت مسامة ومن ثم أصبح له معني وهذا ما أردت أن أعبر عنه في إحدي القصائد الثلاث. ماالذي يجب علي المثقفين فعله لحماية هذه الثورة؟ - علي المثقف أن يزود الجمهور الآن بالثقافة السياسية التي تساعده علي أن يحول الثورة إلي نظام، هذا النظام لابد أن يقوم علي مبادئ وقيم وقوانين لابد أن تصبح مؤسسات وهذا كله يحتاج إلي ثقافة وعمل وجهاد ويقظة، لابد أن يساهم المثقفون في الوقوف في وجه الفوضي والثورة المضادة، الإتجار بالثورة والدين وكذلك السياسة، لابد أن يلعب المثقف دوراً أخلاقياً. شاركت مجموعة من المثقفين في لقاء المجلس العسكري ,فكيف ترصد موقفه من الثورة الثقافية بوجه خاص؟ - أري أن المجلس العسكري استطاع حتي الآن أن يحمي الثورة ويقف بجوارها ويخطو خطوات في سبيل ما نريده جميعاً وهو الانتقال إلي نظام دايمقراطي حقيقي، وإذا كان الشعب قد استعاد حريته فإن القوات المسلحة أستعادت هي الأخري كبرياءها ودورها في حماية الوطن وديمقراطيته. كل ما أتمناه هو أن يعاد النظر الآن في مسألة تعديل الدستور في هذه الفترة الانتقالية، لأنني أميل إلي ان يصدر عن المصريين دستور جديد بدلاً من ترقيع الدستور القديم وهذا يمكن أن يتحقق عن طريق جمعية تأسيسية تنظر في إصدار هذا الدستور. وإذا كان الأمر يتطلب أن تطول الفترة الانتقالية بعض الشيء لا بأس علي أن يصدر عن المجلس العسكري بيان يحدد المبادئ والخطوات التي سوف يخطوها في سبيل تحقيق النظام الديمقراطي كما يجب.