وزير التعليم العالي: بعض كليات عين شمس نشأت قبل ظهور الجامعة    برلماني يطالب زيادة مخصصات مركز البحوث الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل    رأس المال البشري: استثمار اليوم لعالم الغد    وزيرة التنمية المحلية: إزالة 2271 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة وأراضي زراعية بالمحافظات خلال 5 أيام    هيئة البترول: فرص مصرالاستثمارية بالقطاع مميزة    أمريكا.. والعرب ولغة المصالح    كارثة إنسانية في غزة.. انتقادات أوروبية ودولية متزايدة لإسرائيل وسط تحذيرات من مجاعة وشيكة    الصين تتراجع عن قيود فرضتها مسبقًا على الولايات المتحدة الأمريكية    ترامب وغزة !    الأهلي يفوز على سبورتنج في أولى مباريات نهائي دوري السوبر لكرة السلة سيدات    كرة يد - بعد تتويج الأهلي.. غموض موقف الزمالك والترجي من سوبر جلوب    حسام البدري يشكر الرئيس السيسي لتسهيل عودتهم إلى القاهرة    البدري: وصلنا إلى مطار مصراته تمهيدا للعودة إلى مصر.. وأشكر السيسي لتدخله    بالأسماء.. إصابة 4 أشخاص في انقلاب سيارة ربع نقل بالطريق الزراعي بقنا    انفجار خط غاز أكتوبر.. الحفيدة تلحق بجدتها بعد 14 ليلة داخل العناية المركزة    توم كروز يلتقط الصور التذكارية مع الجمهور في العرض العالمي لفيلمه بمهرجان كان (فيديو)    «مش هعرف أمد ايدي عليها».. فتحي عبدالوهاب يكشف كواليس ضربه ل ريهام عبدالغفور    5 أبراج يتألق أصحابها في الإبداع والفن.. هل برجك من بينها؟    الثقافة تحتفي بمسيرة الشاعر أحمد عنتر في "العودة إلى الجذور".. الأحد    «إحرام الكعبة».. طقس سنوي استعدادا لاستقبال ضيوف الرحمن    حسام عبد الغفار: اجتماع الرئيس السيسي يعكس اهتمامه بالتنمية البشرية والصحة    لعدم تواجد طبيب.. وكيل صحة الشرقية يجري جراحة لطفل أثناء زيارة مفاجئة ل"أبو حماد المركزي"    عبلة الألفى ل الستات: الدولة نفذت 15 مبادرة صحية منهم 60% للأطفال    "الجبهة الوطنية" تعلن تشكيل أمانة ريادة الأعمال    جدول امتحانات الصف الثاني الثانوي 2025 الترم الثاني محافظة شمال سيناء    استمرار فعاليات البرنامج التدريبي "إدراك" للعاملين بالديوان العام في كفر الشيخ    حجز محاكمة الطبيب المتهم بالتسبب في وفاة زوجة عبدالله رشدي للحكم    الليلة.. محمد بغدادي في ضيافة قصر الإبداع الفني ب6 أكتوبر    مصطفى كامل.. طرح أغنية «قولولي مبروك» اليوم    تأجيل محاكمة قهوجي متهم بقتل شخص إلى جلسة 13 يوليو    أحكام رادعة من الجنايات ضد 12 متهم بقتل شخصًا وترويع أسرته في أوسيم    قرار وزاري بتعديل ضوابط وتنظيم العمل في المدارس الدولية    تأجيل محاكمة 17 متهما بقضية "خلية العجوزة الثانية" لجلسة 28 مايو    التحفظ على 256 بطاقة تموينية وضبط مصنع تعبئة كلور داخل مزرعة دواجن بالغربية    الجارديان: القصف الإسرائيلي على غزة ينذر بتصعيد خطير يبدد آمال وقف إطلاق النار    البنك المركزي: القطاع المصرفي يهتم كثيراً بالتعاون الخارجي وتبادل الاستثمارات البيني في أفريقيا    «أنا عندي نادي في رواندا».. شوبير يعلق على مشاركة المريخ السوداني في الدوري المصري    الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء: 107.5 الف قنطار متري كمية الاقطان المستهلكة عام 2024    حالة الطقس في السعودية اليوم.. طقس متقلب على كل الأنحاء وفرص لرياح محملة بالأتربة    إيتيدا تشارك في المؤتمر العربي الأول للقضاء في عصر الذكاء الاصطناعي    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    وكيل عمر فايد يكشف ل في الجول حقيقة إبلاغه بالرحيل من فنربخشة    التعليم العالى تعلن نتائج بطولة السباحة للجامعات والمعاهد العليا    الوزير "محمد صلاح": شركة الإنتاج الحربي للمشروعات تساهم في تنفيذ العديد من المشروعات القومية التي تخدم المواطن    توقيع بروتوكول بين المجلس «الصحي المصري» و«أخلاقيات البحوث الإكلينيكية»    الرئيس الأمريكى يغادر السعودية متوجها إلى قطر ثانى محطات جولته الخليجية    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    محافظ الشرقية: لم نرصد أية خسائر في الممتلكات أو الأرواح جراء الزلزال    للمرة الثالثة.. محافظ الدقهلية يتفقد عيادة التأمين الصحي بجديلة    ورش توعوية بجامعة بني سويف لتعزيز وعي الطلاب بطرق التعامل مع ذوي الهمم    "معرفوش ومليش علاقة بيه".. رد رسمي على اتهام رمضان صبحي بانتحال شخصيته    بالصور.. جبران يناقش البرنامج القطري للعمل اللائق مع فريق "العمل الدولية"    فرار سجناء وفوضى أمنية.. ماذا حدث في اشتباكات طرابلس؟    دون وقوع أي خسائر.. زلزال خفيف يضرب مدينة أوسيم بمحافظة الجيزة اليوم    دعاء الزلازل لطمأنة القلوب.. ماذا نقول إذا اهتزت الأرض؟    بيان عاجل خلال دقائق.. معهد الفلك يكشف تفاصيل زلزال القاهرة    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    هل أضحيتك شرعية؟.. الأزهر يجيب ويوجه 12 نصيحة مهمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منزل في الأدغال؟
نشر في الوفد يوم 29 - 04 - 2011

تحت هذا العنوان المثير نشر الكاتب الإسرائيلي اليساري الشهير أوري أفنيري علي موقعه بتاريخ 5 فبراير الماضي أدق تحليل للثورات التي تجتاح العالم العربي حالياً من أقصي الغرب إلي أقصي الشرق من وجهة نظر إسرائيلية، ولما كان كل ما يحدث في العالم العربي خاصة دوله المحيطة بإسرائيل يؤثر سلباً وإيجاباً علي المواطن الإسرائيلي الذي يعيش في رعب دائم من المستقبل رغم القوة العسكرية الجبارة لإسرائيل فقد رأينا أن نقدم للقارئ العربي هذا العرض لأثر الثورات العربية علي إسرائيل.
يقول أفنيري إن المنطقة تجتاحها أحداث جيولوجية، وزلزال ذو أبعاد تصنع عصراً وتغير شكل المنطقة، فالجبال تتحول إلي وديان، وجزر جديدة تخرج من تحت ماء البر وتغطي الحمم البركانية أرض المنطقة.
ويستطرد قائلاً إن الناس عموماً يخشون التغيير عندما يحدث. ويحاولون إنكاره والتظاهر بأنه لا شيء يحدث فعلاً، والإسرائيليون ليسوا استثناء في هذا، فبينما تدور حداث مدوية في مصر المجاورة لهم كانت إسرائيل غارقة في فضيحة تمس قيادة جيشها، فوزير دفاعها يكره رئيس الأركان الجديد ولا يخفي هذه الكراهية، وقد ثبت أن رئيس الأركان الجديد كان يكذب ولذلك ألغي تعيينه، كانت هذه هي الأخبار التي تشغل الإسرائيليين. بينما أن ما يحدث في مصر الآن سوف يغير حياتنا، وكالعادة لم يتنبأ أحد بما حدث في مصر. فقد أخذت أحداث مصر جهاز الموساد علي غرة، كما حدث مع المخابرات المركزية الأمريكية وغيرها من الأجهزة المماثلة.
ورغم ذلك كانت الدهشة مما حدث في غير موضعها، فالشيء الغريب الوحيد كان القوة التي انفجرت بها الأوضاع في مصر، فخلال السنوات الأخيرة ذكرت مرات عدة في مقالي الأسبوعي أنه علي ساحة العالم العربي كله هناك ملايين الشباب يشبون وداخلهم احتقار عميق لقادتهم، وأن هذا الشعور سيقود عاجلاً أو آجلاً إلي الثورة، ولم تكن هذه نبوءات مني ولكن تحليل منطقي للاحتمالات.
كانت أسباب الانفجار في مصر اقتصادية نتيجة ارتفاع تكاليف المعيشة والفقر والبطالة ويأس الشباب المتعلم، ولكن دعونا لا نخدع أنفسنا، فالأسباب الحقيقية أكثر عمقاً من ذلك ويمكن اختصارها في كلمة واحدة: فلسطين!!
ففي الثقافة العربية ليس هناك أهم من الشرف. فالعرب يستطيعون التعايش مع الحرمان، ولكنهم لا يستطيعون احتمال المهانة، فكل شاب عربي من المغرب إلي عمان كان يري يومياً قادته وهم يمتهنون أنفسهم ويتخلون عن إخوانهم في فلسطين مقابل اكتساب رضاء وأموال أمريكا. ويتعاونون مع إسرائيل واحتلالها للأرض العربية، وكان هذا الشعور مهنياً جداً للشباب الذين نشأوا وهم يرددون في ثقافتهم أمجاد العرب الماضية أيام الخلفاء الأوائل.
لم يكن فقدان الشرف واضحاً في مكان أكثر من مصر التي تعاونت صراحة مع القيادة الإسرائيلية لفرض الحصار الشائن علي قطاع غزة وفرض نقص الغذاء وما هو أسوأ علي أهلها. لم يكن الحصار أبداً حصاراً إسرائيلياً منفرداً بل حصار إسرائيلي - مصري مشترك يموله مليار ونصف المليار دولار أمريكي سنوياً.
وقد فكرت مرات كثيرة ماذا كنت سأشعر إذا كنت طفلاً في سن الخامسة عشرة في الإسكندرية أو عمارن أو حلب عندما أري قيادة بلدي تتصرف كعبيد خاضعين لأمريكا وإسرائيل، يقهرون شعوبهم ويضرونها. في مثل هذه السن قمت أنا نفسي بالانضمام إلي تنظيم يهودي إرهابي. فلماذا سيختلف فتي عربي عني؟
إن الديكتاتور يمكن لشعبه التغاضي عن طغيانه عندما يتمسك بالكرامة الوطنية، ولكن الديكتاتور يمكن لشعبه التغاضي عن طغيانه عندما يتمسك بالكرامة الوطنية. ولكن الديكتاتور الذي يعبر عن العار القومي هو شجرة بلا جذور يمكن لأي ريح قوية أن تقتلعها. وبالنسبة لي كان السؤال هو في أي دولة عربية سيبدأ الإعصار؟
كانت مصر مثل تونس بعيدة في القائمة التي تصورتها، ومع ذلك فها نحن نري الثورة العربية الكبري تندلع في مصر، وهذه معجزة في حد ذاتها، فإذا كانت تونس معجزة صغيرة فمصر معجزة كبري.
إنني أحب الشعب المصري، صحيح أن الإنسان لا يستطيع أن يحب 88 مليون شخص، ولكن الإنسان يستطيع حتماً حب شعب أكثر من شعب آخر، وفي هذا الخصوص يستطيع الإنسان التعميم، فالمصريون الذين تقابلهم في الشارع وفي بيوت النخبة المثقفة وفي حواري أفقر الأحياء يتمتعون بصبر خرافي، وهم موهوبون بروح فكاهية لا يمكن مقاومتها، وهم فضلاً عن ذلك يكنون فخراً عميقاً لبلدهم وبتاريخها الممتد ثمانية آلاف عام.
وبالنسبة لإسرائيلي مثلي معتاد علي عدوانية طباع مواطنيه فإن الانعدام شبه الكامل للعدوانية في أخلاق المصريين مذهل حقاً. إنني أذكر بوضوح مشهداً معيناً، كنت في تاكسي في القاهرة عندما اصطدم بسيارة أخري، قفز السائقان من مقدعيهما وبدءا يتبادلان السباب، ثم فجأة توقف كلاهما عن الزعيق وبدءا يضحكان لبعضهما.
إن الإنسان الغربي عندما يحضر لمصر فهو إما أن يحبها أو يكرهها، عندما تضع قدمك أول مرة في مصر يفقد عامل الوقت قوته، يصبح كل شيء غير عاجل ومرتبك، ومع ذلك تحل كل المشاكل بطريقة إعجازية، فصبر المصريين بلا حدود، وهذا هو ما قد يخدع الطغاة لأن الصبر يمكن أن ينتهي فجأة، فهو مثل سد سيئ البنيان فوق نهر، يرتفع الماء خلف السد ببطء وهدوء، وعندما يصل لمستوي الخطر ينفجر السد مكتسحاً كل شيء أمامه.
كان لقائي الأول في مصر مدهشاً، فبعد زيارة السادات غير المسبوقة للقدس 1977 اندفعت إلي القاهرة ولم تكن معي تأشيرة دخول، ولن أنسي لحظة تقديمي لجواز سفري الإسرائيلي للضابط بمطار القاهرة، أخذ يقلب صفحاته في حيرة ثم رفع رأسه وقال لي بابتسامة عريضة: »مرحباً«، كنا وقتها ثلاثة إسرائيليين فقط في القاهرة كلها، وقد عاملنا أهلها كالملوك، كان السلام يرفرف في الجو، وقد أحبت الجماهير المصرية هذا الشعور بالسلام القادم.
وقد تغير هذا الشعور بعد أشهر قليلة تماماً، كان السادات يظن بإخلاص أن يحضر السلام للفلسطينيين أيضاً، وضغط عنيف من بيجين وكارتر وافق السادات علي صيغة غامضة للسلام، واكتشف سريعاً أن بيجين لم يكن يحكم بتنفيذ التزاماته.
فبالنسبة لبيجين كانت معاهدة السلام تعني صلحاً منفرداً مع مصر تمكنه من تشديد حرية ضد الفلسطينيين، ولم يغفر المصريون، سواء نخبتهم المثقفة أو جماهيرهم لبيجين هذا الخداع، ربما لا يكن المصريون حباً صافياً للفلسطينيين، ولكن خيانة جار فقير هو أمر مشين في الثقافة العربية، وعندما رأي المصريون حسني مبارك يتواطأ مع هذه الخيانة فقد احتقره معظمهم، ويقف هذا الاحتقار وراء كل ما حدث في الثورة المصرية هذا الأسبوع، فقد كان هذا الشعور بالاحتقار يقف وراء ترديد ملايين المصريين بوعي أو بدون وعي هتافهم: »ارحل يا مبارك«.
في كل ثورة توجد لحظة تسمي »لحظة يلتسين«، ترسل طوابير الدبابات إلي المدنية لإعادة سلطة الديكتاتورية، وعند اللحظة الحرجة تواجه الجماهير الجنود، فإذا رفض الجنود إطلاق النار تنتهي اللعبة، يصعد يلتسين فوق الدبابة أو يخاطب البرادعي الجماهير في ميدان التحرير، وعند هذه اللحظة يفر الديكتاتور كما فعل الشاه وكما فعل بن علي في تونس. وهناك أيضاً »لحظة برلين«، عندما ينهار نظام ولا يعرف أحد في السلطة ماذا يفعل، وتكون الجماهير وحدها هي التي تعرف ما تفعل، فيسقط حائط برلين.
وهناك أخيراً »لخطة شاوشسكو« يقف الدكتاتور في الشرق يخاطب الجماهير، وفجأة يتصاعد الهتاف بسقوط الطاغية، ويخرس لسان الطاغية، وهذا هو ما حدث لمبارك، فقد أدلي بحديث غريب لمحاولة إيقاف الطوفان دون جدوي، وإذا كان مبارك قد فقد صلته بالواقع فإن نتنياهو يماثله في ذلك تماماً، فقد عجز هو وزملاؤه عن فهم معني هذه الأحداث المصيرية بالنسبة لإسرائيل.
عندما تتحرك مصر يتبعها العالم العربي، وما سيحدث في مصر في المستقبل القريب سواء ديمقراطية أو ديكتاتورية عسكرية سيعم صداها العالم العربي. إن الأمر الآن هو فترة قصيرة قبل أن يسقط الطغاة في كل العالم العربي وستعيد الجماهير صياغة مستقبلها دون جنرالات، وكل ما فعلته إسرائيل خلال 44 عاماً من احتلال الأرض العربية وخلال 63 عاماً من عمرها قد أصبح عبثاً، فنحن نواجه حقائق جديدة. نستطيع أن نتجاهلها ونقول لأنفسنا إنها مجرد »منزل في الادغال«، أو تبحث لنا عن مكان في ظل الحقائق الجديدة. إن السلام مع الفلسطينيين لم يعد ترفاً، فهو ضرورة حتمية. السلام الآن وسريعاً مع الفلسطينيين ومع الجماهير الديمقراطية في العالم العربي كله، بل السلام مع الإسلاميين المعتدلين مثل حماس والإخوان المسلمين الذين يختلفون جذرياً عن تنظيم القاعدة، السلام مع القادة الجدد الذين هم علي وشك الظهور في مصر وباقي العالم العربي.
وإلي هنا ينتهي عرض أفنيري التفصيلي العميق عن أثر الثورات العربية علي المواطن الإسرائيلي سواء الأقلية العاقلة التي تري الخطر الجسيم المحدث بمستقبل إسرائيل أو الأغلبية الغافلة ومنها النخبة الحاكمة التي مازالت تعيش في أوهام السيطرة الإسرائيلية كما يعيش الطغاة العرب الباقين علي الساحة في أوهام الحكم المطلق إلي الأبد.
*رئيس لجنة العلاقات الخارجية
عضو الهيئة العليا للوفد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.