أقام المركز القومي للترجمة بالقاهرة مؤتمر الترجمة وتحديات العصر خلال الفترة من28 وحتي31 مارس بالمجلس الأعلي للثقافة, وكرم عددا ممن اسهموا في إثراء الترجمة وقضايا الحوار الثقافي من وإلي اللغة العربية. وهو احتفال سنوي, لاشك اننا في حاجة إليه لتدعيم أواصر صلاتنا الثقافية بشعوب العالم نتلقي منهم ويتلقون عنا, لكنني كنت أحس طوال جلسات المؤتمر غياب أكثر من مساهم مؤثر في اثراء حركة الترجمة, اثنان منهم من جيلي جيل الآباء, أحدهما ساهم بدور ايجابي وفعال في الترجمة من اللغة اليونانية الحديثة أساسا وهو الدكتور نعيم عطية(1927), والآخر من اللغة الألمانية اساسا هو الدكتور عبد الغفار مكاوي(1931) الي جانب ترجماتهما من لغات اخري كالفرنسية, فضلا عن ابداعهما القصصي والمسرحي, بل تقديم نعيم عطية لفنانين تشكيليين من المصريين والاجانب, وهو ما يميزهما عن معظم بقية المترجمين, مصريين وأجانب الذين كرمهم مؤتمرنا وينحصر مشوارهم في الترجمة. فمن دراسات د.نعيم عطية وترجماته التي قدم بها الأدب اليوناني الحديث إلي القارئ العربي نقرأ مختارات من الأدب اليوناني الحديث في القصة1968 وشخصيات من الأدب اليوناني المعاصر ومختارات من الشعر اليوناني الحديث1983 اهداه الي الصديق الفيلسوف الأديب المترجم د.عبد الغفار مكاوي وقدم فيه مختارات لثمانين شاعرا ومن المجموعات القصصية اليونانية: حلم فتاة, ومطلوب أمل لأندون ساماركي, ومن الروايات اليونانية روايتا: نداء الأرض, وغابة الفرح لايفانجيلوس افيرون, كما أصدر سلسلة عن الأدباء اليونانيين المعاصرين بعنوان إطلالة علي الشعر اليوناني الحديث, صدرت منها خمسة أجزاء الي جانب ترجمته ديوان كفافيس شاعر الاسكندرية مع دراسة وشروح, كان يجب ان تمنحه الدولة عنه علي الأقل جائزتها التشجيعية في الترجمة, هذا بالاضافة الي ترجمات اخري قام بها الدكتور نعيم مثل مسرحية الكراسي ليوجين يونيسكو والأعمال الكاملة لجورج سفيريس وكافأته اليونان فكان أول من منحته جائزة كفافيس هذا بالاضافة الي ابداعه الروائي والقصصي والمسرحي ومؤلفاته القانونية المتعددة( فهو حقوقي وكان يعمل مستشارا بمجلس الدولة). وهذا الرصيد منذ عشر سنوات, فالرجل الآن في بيت من بيوت المسنين, وان ضعفت ذاكرته فحاشا لذاكرتنا الأدبية ان تصاب بضعف مماثل. أما د.عبد الغفار مكاوي فقد ترجم لكل من جوته وبشنر أعماله الكاملة وبرتولد برشت أربع مسرحيات ومجموعة قصائد وملحمة جلجامش عن الترجمة الألمانية مع مقدمة وتعلقيات, وقصائد مختارة للشاعر الايطالي جوسيبي أنجاريتي المولود بالاسكندرية عام1888 ومات في ميلانو عام1970 ويعد أحد رواد التجديد في الشعر الايطالي, كذلك ترجم مسرحيتين لأبرز كتاب المسرح الألماني من الجيل الثالث بعد برشت وهو فانركيد دورسند(1925) وهما مسرحيتا خطبة الادانة الطويلة أمام سور المدينة, وفرناندو كراب أرسل الي هذا الخطاب( صدرت ترجمتهما عام1999) كما ترجم كتاب الزيتونة والسنديانة للشاعر السوري الأصل المقيم في ألمانيا مع النص الكامل لديوانه هكذا تكلم عبد الله وبعض هذه الترجمات كانت أقرب الي الشعر. وفي الفلسفة ترجم للمفكر الصيني لاوتزوتاو تي كنج كتاب الطريق والفضيلة وللفيلسوفين اليونانيين افلاطون وأرسطو, ولكل من الفلاسفة الألمان: لايبنتز, كانط, كارل باسيبرز ومارتن هيدجر. كما قام بمراجعة عدد من المسرحيات والكتب الأدبية والفكرية المترجمة عن الألمانية والتي لامجال لرصدها في هذا المقال المختصر, مما استحق معه التكريم من مؤسسة جوته في فايمار بألمانيا في مارس عام2000. وإذا كان د. نعيم عطية قد تخصص في ترجمة الأدب اليوناني الحديث فإن استاذا من الجيل التالي للأديبين المتميزين تجاوزه المؤتمر أيضا هو الدكتور أحمد عتمان(1945) أستاذ الدراسات اليونانية واللاتينية والأدب المقارن الذي تخصص في الترجمة عن الاغريقية واللاتينية, فشارك وأشرف علي ترجمة الالياذة لهوميروس(1650 بيتا) مع دراسة قدمها في مائة صفحة وهي أول ترجمة عربية من اليونانية مباشرة ونشرها المركز القومي للترجمة الذي يقيم المؤتمر, فضلا عن ترجمته للإنيادة للشاعر اللاتيني فرجيل, كما ترجم عن الاغريقية مسرحيات سوفوكليس ويوروبيدس وارستوفان وعن اللاتينية سينيكا, بل انه ترجم الي اليونانية رواية بداية ونهاية لنجيب محفوظ والتي طبعت11 طبعة, بالاضافة الي اشتراكه مع آخرين في ترجمة معاني القرآن الكريم الي اليونانية الحديثة وذلك الي جانب ابداعه المسرحي مثل رفيقيه السابقين( له ست مسرحيات) والذي ترجم بعضه الي خمس لغات, فضلا عن مؤلفاته في الأدبين الاغريقي واللاتيني. وتقديرا لمشواره اختير أحد سفراء الحضارة الهيلينية, وتم تكريمه في أثينا في الرابع من شهر مارس.2010 لقد تم تكريمهم ممن ترجموا من وإلي لغاتهم, وهذه الكلمات حتي لا ننسي علما بأن الدعوة لم توجه إلي واحد منهم للمشاركة في المؤتمر. وليست هذه أول مرة يتم فيها تجاوز الآباء, فقد حدث الأمر نفسه في مؤتمر القصة القصيرة الأخير.