لمْ أشعرْ في حياتي بالتضاؤل إلا أمام هذا الرجل الذي يطلقون عليه اسم طلعت الشايب.. لا لشيء إلا لأنه اقترب من امتلاك الكمال الإنساني خُلقاً وفكراً وثقافة وترجمة وإبداعاً.نعم أشعر أمامه بالتضاؤل الذي لا يقلل من شأني ولكن يعلي من شأنه هو.وليس من قبيل المبالغة أن أقول إنه ليس مُتاحاً علي الإطلاق أن تعثر طوال مشوارك الحياتي علي شخصية أخري عُجنتْ من الچينات نفسها التي يمتلكها طلعت الشايب شخصاً وشخصية. يشوف نفسه إنه إنسان هادئ.. دمث الخُلق.. تفوح عطور الطيبة وروائحها من أنفاسه ونظراته وكلماته.وعلي الرغم من أنه كانت لديه الصلاحيات والمميزات التي تجعله (يشوف نفسه) بالمعني الدارج كما يفعل آخرون ليس لديهم واحد من ألف مما لديه إلا أنه يرتدي زي التواضع الكريم لا التواضع المنكسر.إنه بوجهه المائل إلي الاحمرار كأولاد الإنجليز يقابلك بابتسامة نقية وصادقة.. أي ليست مزيفة كما أنها ليست من وراء قلبه.. ابتسامة كلها روعة وجمال.. حتي لتشعر رغم الفارق السني بينكما أنكما صديقان حميمان حتي ولو كان ذلك هو أول لقاء يجمعكما معاً. كرمه الحاتمي أيضاً حين تذهب إلي طلعت الشايب في مكتبه (كان ذلك يوم أن كان نائباً لمدير المركز القومي للترجمة ومن قبله المشروع القومي للترجمة).. حين تذهب إليه يقوم علي الفور مُرحباً ومحيياً وهو يبتسم ثم يجلس معك علي الرغم من كَمِّ انشغالاته الكبير في العمل.وكذلك لا يبدي تبرماً من زائر ولا يشعره أنه لديه عمل عليه أن ينجزه وليس لديه وقت لغير ذلك.. بل علي العكس من ذلك يطلب منك مُلحاً أن تبقي في ضيافته مُغدقاً عليك من كرمه الحاتمي خلقاً وطيبة ومعاملة إنسانية لا نظير لها. المثقف الحقيقي إنني أري في طلعت الشايب مثالاً لما يجب أن يكون عليه المثقف الحقيقي (لا المثقف المزيف الذي ليس لديه من الثقافة سوي لقب فارغ من مضمونه).. وكذلك هو مثال للمبدع.. إنه يعمل في صمت وبعيداً عن أي مهاترات لا جدوي منها أبداً.. ولهذا نراه قليل الظهور في المنتديات لأنه آثر ألا يضيع وقته هدراً في لقاءات لا تسمن ولا تغني من جوع.. لقد اختار أن يقضي وقته ما بين مكان عمله وما بين صومعته /منزله.. وهذه هي طبيعة المثقف الذي ينشغل بعمله وبإنجازه في صمت دون أن ينزلق إلي ساحات حروب كلامية أو مشاحنات ثقافية باطلة المعني والمفعول. شخص عاقل حقاً لقد آثر طلعت الشايب أن يفيد من كل لحظة يمر بها أو تمر هي به.. خاصةً أن العمر مهما طالت سنواته فهو قصير.وبما أنه شخص عاقل وحكيم وكذلك ولأنه حقيقةً مثقف لا تنقصه الدراية والعقلانية فقد أعطي للزمن حقه وعمِل علي أنْ ىُفيد من كل لحظاته دون أنْ ىُضىّعها هباءً منثوراً. طلعت والترجمة أما عن علاقة طلعت الشايب بالترجمة فهو يقوم بترجمة الكتب الإبداعية والكتب النقدية والأدبية عموماً وكذلك الكتب الإنسانية.والترجمة كما يراها الشايب ليست ترجمة حرفية وحسب بل إن الترجمة تذوق وهي كذلك إبداع موازٍ لعملية التأليف.وها هو يقول ما نصه:الترجمة مثلاً لابد أن تبدأ بهذا السؤال: ماذا أترجم.. ومن أجل ماذا؟ أنا الذي أحدد ماذا نترجم من العالم.أترجم ما أحتاجه ولا أترجم ما يملي علي للترويج لأفكار بعينها قد تتفق معي وقد لا تتفق.. أو تصب في غير مصلحتي أو لخدمة أچندات أخري. مشروع فكري مهم وفي مقدمة حواره معه يكتب وائل لطفي عن طلعت الشايب فيقول: علي مدي سنوات طويلة صاغ المترجم الكبير طلعت الشايب مشروعاً فكرياً مهماً.. قدم من خلاله نموذجاً للمترجم المبدع والواعي الذي يتفاعل مع ما يترجمه بوعي نقدي يجعل من الترجمة رسالة فكرية وثقافية أكثر منها عملاً تقنياً أو فنياً صِرْفاً. ثم وعبْر ترجمة كتب أكثر من مهمة مثل:الحرب الثقافية الباردة.. صِدام الحضارات.. والاستشراق الأمريكي وغيرها وضع طلعت الشايب المترجم والمبدع يده علي مَواطن عديدة للوجع في علاقة الثقافة والسياسة بالهيمنة الأمريكية.. ثم ضغوط العولمة علي الفنون والآداب منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وحتي الآن.