موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    عُمان تستضيف اجتماع لجنة الشرق الأوسط بالأمم المتحدة للسياحة    البنك المركزي يسحب سيولة بقيمة 3.7 تريليون جنيه في 5 عطاءات للسوق المفتوحة (تفاصيل)    محافظة أسوان تستعد لإطلاق حملة التوعية "اعرف حقك" للأمان الإلكترونى    «القومي للمرأة» ينظم تدريب لميسرات برنامج نورة بسوهاج وأسيوط    الخارجية الإماراتية: لولا الدعم المصري ما استطاع أحد إيصال المساعدات إلى غزة    قبل لقطة كلوب.. كيف خطفت زوجة صلاح الأنظار في كل ختام للدوري الإنجليزي؟    "عبر الفيديو كونفرس".. اجتماع بين اتحاد الكرة وكاف والأهلي بخصوص تنظيم نهائي أبطال أفريقيا    يورو 2024، أول تعليق من راشفورد على قرار استبعاده من قائمة إنجلترا    لست وحدك يا موتا.. تقرير: يوفنتوس يستهدف التعاقد مع كالافيوري    "بشرى سارة لجماهير الأهلي".. قناة مفتوحة تعلن نقل نهائي دوري أبطال أفريقيا (فيديو)    الحماية المدنية تسيطر على حريق محل أدوات منزلية بالجمالية    بها 17 طعنة.. العثور على جثة شاب مجهول الهوية في نجع حمادي    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكى بالطريق الأوسطى    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    «الأعلى للثقافة» يُعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة 2024    بهجة العيد وتلاقي التهاني: عيد الأضحى المبارك 2024 على الأبواب    علم فلسطين وحجاب في أبرز إطلالات سابع أيام مهرجان كان    كيف تحمى نفسك من الإجهاد الحرارى؟ وزارة الصحة تجيب فى إنفوجراف    دعاء اشتداد الحر عن النبي.. اغتنمه في هذه الموجة الحارة    «الجنايات» تقضي بإعدام مدرس الفيزياء قاتل طالب المنصورة    الجيش الإسرائيلى يعلن اغتيال قائد وحدة صواريخ تابعة لحزب الله فى جنوب لبنان    مصدر سعودي للقناة ال12 العبرية: لا تطبيع مع إسرائيل دون حل الدولتين    "السرفيس" أزمة تبحث عن حل ببني سويف.. سيارات دون ترخيص يقودها أطفال وبلطجية    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    أبو علي يتسلم تصميم قميص المصري الجديد من بوما    تعرف على تطورات إصابات لاعبى الزمالك قبل مواجهة مودرن فيوتشر    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جهاد الدينارى تشارك فى المحور الفكرى "مبدعات تحت القصف" بمهرجان إيزيس    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    هل يجبُ عليَّ الحجُّ بمجرد استطاعتي، أم يجوزُ لي تأجيلُه؟.. الأزهر للفتوى يوضح    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    رئيس الوزراء يتابع عددًا من ملفات عمل الهيئة المصرية للشراء الموحد والتموين الطبي    «الرعاية الصحية» تدشن برنامجا تدريبيا بالمستشفيات حول الإصابات الجماعية    الجامعة العربية والحصاد المر!    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    السيسي: مكتبة الإسكندرية تكمل رسالة مصر في بناء الجسور بين الثقافات وإرساء السلام والتنمية    المالية: بدء صرف 8 مليارات جنيه «دعم المصدرين» للمستفيدين بمبادرة «السداد النقدي الفوري»    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    تفاصيل حجز أراضي الإسكان المتميز في 5 مدن جديدة (رابط مباشر)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    هالاند.. رقم قياسي جديد مع السيتي    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. محمد المهدي يكتب: تأملات في شخصية محمد البرادعي
نشر في الدستور الأصلي يوم 19 - 03 - 2010

كونه قانونيًا جعله مدققا في كلامه وأفعاله يختار كل شيء بدقة وعناية ولا يتعجل في الأحكام أو القرارات أو الأفعال
يبدو مترددا في بعض الأحيان نتيجة حرصه علي أن يستوفي المعلومات والقرائن والدلائل قبل أن يصدر حكما
البرادعي
قد يكون الشخص عاديا في ظروف ما وفي بيئة ما ولكنه قد يصبح عبقريا «أو قائدا أو مصلحا أو مؤثرا» في أحوال بعينها، وهذا ما يجعل أبناء العباقرة غالبا أشخاصا عاديين علي الرغم من كونهم ورثوا درجة عالية من ذكاء آبائهم أو أمهاتهم، ولكنهم لم يعيشوا في المكان أو الزمان الذي يفجر عبقريتهم ويضعها حيث يحتاجها الزمان والمكان والناس. هذه المقدمة ضرورية لكي نري سمات شخصية البرادعي في إطار الزمان والمكان والأحداث، حيث إن هذه العوامل قد تكون محفزات لبعض السمات ومثبطات لسمات أخري، وقد تجعل منه بطلا قوميا نقل بلاده من الاستبداد إلي الديمقراطية الحقيقية، وقد تجعله شخصا أعطي للناس حلما ورديا ثم انسحب عند مواجهة الشدائد وتركهم في ظلمات لا يبصرون.
وربما تساعدنا هذه التأملات في شخصية البرادعي في ضبط إيقاع توقعاتنا منه فلا نبالغ (تحت تأثير القهر والاحتياج واليأس) في تصويره كبطل أسطوري ومخلص جاء ليحل لنا كل مشاكلنا ونحن هاهنا قاعدون (أو نائمون)، وفي نفس الوقت لا نغمطه حقه كرجل له تاريخ مهني وشخصي مشرف وصل به إلي قمة العمل الدولي وإلي أرفع جائزة عالمية. وستكون قراءتنا لملامح شخصيته مبنية علي ما توافر من تفاصيل سيرته الذاتية وتاريخه العلمي والوظيفي، والحوارات التي أدلي بها لوسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، إضافة إلي قراءة لغة الجسد لديه التي تعبر عن أشياء قد لا تفصح عنها اللغة اللفظية.
عبقرية الفكرة
تري من فكر في حضور البرادعي إلي مصر في هذا التوقيت ليربك الحسابات ويغير المعادلة ويحرك المياه الراكدة؟. لقد كتب أنيس منصور عام 2005 م يدعو البرادعي للعودة إلي مصر في حالة عدم فوزه برئاسة الوكالة الدولية للطاقة للمرة الثالثة، حيث كانت أمريكا تعارض ترشيحه، ولكن ربما لم يدر بخلد الأستاذ أنيس منصور أن البرادعي سيحضر منافسا علي مقام الرئاسة، وإنما كان يدعوه كعالم مصري يفيد بلده بعلمه وخلقه وأمانته. ولكن الدعوة الأساسية للبرادعي بشكل صريح لينافس علي منصب الرئاسة يبدو أنها جاءت من الأستاذ إبراهيم عيسي حيث تبنت صحيفة الدستور هذه الفكرة، وطرحها عيسي ومازال يطرحها بقوة، وراحت بقية الصحف المستقلة تدعم هذا الطرح بقوة، وأصبحت صورة البرادعي وأخباره تتصدر الصفحات الأولي لتلك الصحف بشكل يومي فيما يشبه صناعة النجم.
وقد كانت المعادلة المطروحة قبل دخول البرادعي علي الخط تتلخص في الخيار بين السلطة الحالية وبين الإخوان المسلمين، وبما أن العالم الخارجي يخشي الإخوان ولا يريد تكرار تجربة حماس، كما أن الأقباط في مصر يخشون وصول الإخوان إلي الحكم، إضافة إلي بعض القوي اليسارية والعلمانية، لذلك كان كل هؤلاء يسلمون علي مضض ببقاء النظام الحالي رغم كل المشاكل والنكبات، ورغم الجمود السياسي وانعدام فرص تداول السلطة أو التغيير بأي درجة من الدرجات. وحين طرح البرادعي كبديل ثالث لا ينتمي إلي الحزب الوطني ولا ينتمي إلي الإخوان.. المسلمين تغيرت المعادلة ولم يعد أحد يقول بأنه لا بديل للسلطة الحالية إلا الإخوان إذن فلترضوا بنا رغم أنفكم. والبرادعي بديل منطقي موضوعي، فهو شخص غير مستقطب، ويتمتع بسمعة ممتازة، وتاريخه نظيف بدرجة هائلة، وهو عالم كبير حصل علي دكتوراه في القانون من أفضل جامعات أمريكا، وموظف دولي ناجح وراق، وحاصل علي أرفع جائزة دولية وهي جائزة نوبل، وهو شخص مفكر ومتوازن، ويعرف كيف يقود المرحلة الانتقالية التي تحتاجها مصر بشدة في هذه المرحلة للتوجه نحو حكم ديمقراطي حقيقي وسليم. وعمر البرادعي لن يغريه بالطمع في الاستمرار في السلطة، كما أن ابنه ليس له اهتمامات بالسياسة، إذن فلا خوف من احتمالات التمديد أو التوريث، كما أن ثقافته القانونية، وتشبعه بالقيم الديمقراطية التي عاش في ظلها في الغرب يجعله الشخص المناسب جدا لهذا الدور في هذه المرحلة. وكونه جاء من خارج المنظومة الحزبية (سواء موالية أم معارضة) يعتبر ميزة، إذ هو لم يتلوث بمخلفات الوضع المصري المضطرب والمتأزم والمتلوث منذ سنوات، كما أنه مناسب أن تلتف حوله القوي المختلفة من اليمين إلي اليسار مرورا بالوسط، وقبل مجيء البرادعي كان الحديث يدور حول عدم وجود شخص مناسب لشغل هذا المنصب الرئاسي الرفيع، ولما حضر البرادعي سقط هذا الادعاء سقوطا مدويا، إذ نحن أمام شخص يشرف أي بلد في العالم أن يقوده هذا الشخص.
جذوره وعلاقاته العائلية
ينحدر من أسرة عريقة تمتد جذورها إلي بلدة أبيار، مركز كفر الزيات، محافظة الغربية، وهي بلدة تضم عددا كبيرا من كرام الأسر المصرية. وهو أكبر أبناء الأستاذ مصطفي البرادعي، نقيب المحامين الأسبق وصاحب المواقف الوطنية في العمل النقابي، حيث واجه رجال الثورة في مراحلها الأولي بسبب حرصه علي تكوين نقابة قوية في صورة ديمقراطية سليمة وقد سبب له هذا مشاكل كثيرة ومع هذا لم يتراجع عن مبادئه وعن مواقفه. والدكتور البرادعي له أربعة من الإخوة والأخوات يصغرونه.
ويبدو أنه كان متأثرا بوالده لذلك اكتسب منه الكثير من الصفات مثل التواضع والبساطة مع االإصرار الشديد في الحق والمثابرة للوصول إليه. وعلاقته بأمه وإخوته علاقة قوية تتبدي بارتباطه الدائم بهم رغم كثرة مشاغله وزياراته المتكررة وسؤاله عنهم، وربما يعود ذلك إلي كونه الابن الأكبر، وهذا الترتيب بين الإخوة والأخوات يعطيه سمات الأبوة من النضج والإحساس بالمسئولية والرعاية، وقد قام بدور الأب فعلا بعد وفاة والده عام 1977م.
وهو متزوج من سيدة تنتمي أيضا إلي إحدي الأسر العريقة في مصر وهي السيدة عايدة الكاشف، وله ابن وأبنة .وتصفه أخته ليلي بأنه يتميز بخفة الدم وروح الفكاهة، ومع ذلك كان بمثابة القدوة والأب لإخوته.
مفتاح شخصيته
لكل شخصية مفتاح إذا عثرنا عليه أمكننا تفسير كثير من أفكار وسلوكيات وردود أفعال هذه الشخصية، وإذا أردنا معرفة مفتاح شخصية البرادعي فهو «القانوني» المتوجه نحو رعاية الحقوق والحفاظ عليها وفق ضوابط وقواعد القانون. بمعني أنه نشأ في أسرة بها عدد كبير من القانونيين أو الذين يعملون في مجالات تتصل بالقانون، ووالده كان محاميا كبيرا ونقيبا للمحامين، وهو قد اختار دراسة القانون عن حب، وحتي حين التحق بالسلك الدبلوماسي وسافر إلي أمريكا اتجه إلي دراسة القانون وحصل علي الدكتوراه فيه، وحتي عمله في الوكالة الدولية للطاقة فهو متصل بتطبيق القانون الدولي في مسألة نزع وحظر السلاح النووي. وكونه قانونيًا جعله مدققا في كلامه وأفعاله، يختار كل شيء بدقة وعناية ولا يتعجل في الأحكام أو القرارات أو الأفعال، وربما يبدو مترددا في بعض الأحيان نتيجة حرصه علي أن يستوفي المعلومات والقرائن والدلائل قبل أن يصدر حكما، وهذه السمات (التدقيق والتأني والتردد أحيانا) قد يعزوها البعض إلي سمات وسواسية في الشخصية، والسمات الوسواسية ليست مرضا وإنما هي طبيعة في بعض الأشخاص الذين يتميزون بالحرص الشديد علي النظام والدقة والانضباط، ولديهم معايير أخلاقية عالية، ولا يتعجلون في اتخاذ قراراتهم. وكونه قانونيًا يجعله يميل لجانب العدالة والشرعية وضبط الحياة بضوابط القانون. والقانوني قد يمثل سمة «الأب الناقد» في عرف نظرية التحليل التفاعلاتي لإريك برن، فهو يهتم بما يصح ومالا يصح، ويرصد الشذوذات في السلوك ويعيدها ويضبطها وفق معايير القانون، ويضبط إيقاع السلوك وإيقاع الحياة طبقا للقواعد والنظم المتعارف عليها لدي العقلاء. والبرادعي فعلا يحمل هذه السمات ولكنه في ذات الوقت يحمل سمات الأب الراعي، وهذا يبدو في طيبته وسماحته الظاهرة، وربما يكون قد اكتسب سمات الأب الراعي من كونه الابن الأكبر لأبويه، والأخ الأكبر لإخوته. وحتي عمله في الوكالة الدولية للطاقة كان يتكون من شقين، يعرف الناس الشق الأول منهما وهو التفتيش علي المنشآت النووية المخالفة للمعاهدات وقواعد القانون الدولي، ولكن الشق المجهول هو ذلك الجهد الذي تبذله الوكالة لمساعدة الدول الموقعة علي معاهدة منع انتشار السلاح النووي لكي تطور برامجها النووية السلمية لتوفير ما تحتاجه من الطاقة. وهو لم يكن يميل إلي الإجراءات العقابية في التعامل مع الدول المخالفة وإنما كان يدعو إلي الحلول السلمية والتوافقية.
ونلمح صفة «القانوني» (ذات الشق النقدي والشق الرعائي) في البيان الذي أصدره البرادعي ونشر في أكثر من صحيفة مستقلة يوم 12/3/2010م معربا فيه عن استيائه من تعرض أحد مؤيديه في الفيوم، وهو الطبيب طه عبدالتواب، للإهانة والتعذيب علي يد أحد الضباط (والقضية الآن قيد التحقيق بأمر من النائب العام)، فقد قال في بيانه: «إنني أدين بأقوي الكلمات ما تعرض له هذا المواطن البريء من اعتداء همجي، وما قد يتعرض له أي مواطن آخر يعبر عن رأيه بالوسائل السلمية، سواء بالقول أو الفعل، وأود أن أنتهز الفرصة لأعبر عن تضامني الشخصي وغير المحدود مع الدكتور طه عبدالتواب ومع كل مواطن حر مخلص حريص علي عزة بلاده وكرامتها، وأعلن استعدادي التام لبذل كل ما أستطيع من جهد للدفاع عن حقه في التعبير عن رأيه وحلمه في وطن آمن ومتحضر، وأطالب السلطات المعنية بتقديم مرتكب هذه الجريمة البشعة إلي القضاء العادل ليلقي الجزاء الذي يستحقه.... وأود في النهاية أن ألفت انتباه الجميع إلي أن اللجوء إلي هذه الأساليب غير المتحضرة يعد انتهاكا صارخا لكل الأعراف والقوانين الدولية ويعرض مرتكبيها للمساءلة أمام المحاكم الوطنية»، ويتضح من هذا البيان توجهه الأساسي نحو رعاية الحقوق والحفاظ عليها تحت ضوابط القانون.
وقد برزت صفة «القانوني» لديه إبان أزمة العراق ومشكلة وجود أو عدم وجود سلاح نووي لديه، وقد قامت الوكالة الدولية للطاقة برئاسة البرادعي ببحث الموضوع والتفتيش في أنحاء العراق ثم صدر التقرير التاريخي الشجاع بخلو العراق من الأسلحة النووية، وقد كان تقريرا صادما لأكبر قوة دولية وهي أمريكا، حيث كانت تحتاج لغطاء يعطيها الشرعية في تدميرها للعراق، ولكن الرجلان الشجاعان البرادعي وهانز بليكس وقفا في الأمم المتحدة وفي جلسة تاريخية يعلنان خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل.
ولكونه قانونيًا فهو لا يداهن الجماهير سعيا نحو شعبية بأي ثمن (كما يفعل السياسيون البراجماتيون)، ولا يتلهف علي الأضواء الإعلامية ليحقق شهرة يسخرها لتسويق أفكاره أو سياساته.
وصفة «القانوني» لديه تجعل الناس أمامه سواسية، والمعيار لديه هو التزام الأشخاص أو عدم التزامهم بالقانون، وقد تعود في ممارسته المهنية أن يلقي رؤساء دول كبيرة وصغيرة، وأن يقابل المستبدين والطغاة والجبابرة من الحكام، ولم يكن يخشي أحدا منهم ولا يضع اعتبارا إلا لموافقة سلوكهم وسلوك دولهم لنصوص المعاهدات ومواد القانون الدولي. إذن فهو يقف موقف القاضي الذي لا يرهب المجرم الذي يحاكمه حتي ولو كان من عتاة الإجرام، ولا يستجيب في ذات الوقت لضغوط سلطوية فوقية مهما كان مصدرها.
ولأنه رجل قانون فقد تعلم طوال حياته المهنية أن يكون محايدا ولا يسمح لمشاعره أن تؤثر في ردود فعله أو قراراته، وقد ظهر هذا عمليا أثناء لقاءاته الإعلامية مع أحمد المسلماني وعمرو أديب ومني الشاذلي، فعلي الرغم من وضع ألغام في الحوار، أو بعض الأسئلة المستفزة أو التهكمية إلا أنه لم يكن يأخذ هذه الأشياء بشكل شخصي يدفعه للانفعال أو الشعور بالاعتداء علي مكانته الرفيعة بل كان دائما يرد بأدب وترفع القاضي العادل النزيه.
شخصية والده وأثرها فيه
يتحدث الدكتور محمد البرادعي عن والده بإعجاب شديد، وهو محق في ذلك، فوالده هو الأستاذ مصطفي البرادعي، وكان نقيبا للمحامين، دخل في مواجهات مع الرئيس عبدالناصر والرئيس السادات دفع ثمنها غاليا ومع ذلك لم يتراجع، فهو كما يقول الدكتور محمد البرادعي كان شخصا يؤمن تماما بإنه لا أمل لمصر بدون حرية وديمقراطية، وأن الشخص لابد أن يكون هو صاحب القرار، وأن الحاكم هو وكيل عن الشعب. ويصف والده بأنه كان خفيض الصوت، خجولا جدا، وكان أيضا مدافعا صعبا عن آرائه طوال حياته، وحتي توفي لم يحيد قيد أنملة عن قول الحق، وكان يطالب في كل مناسبة بضرورة حرية الصحافة الديمقراطية وتعددية الأحزاب، وقد فقد منصبه كنقيب للمحامين بسبب تلك الآراء، ولكن أعيد انتخابه مرة أخري. وقد دخل في مواجهة أخري مع السادات حين أعلن الأخير عن فكرة القضاء الشعبي، وكان الوالد مصطفي البرادعي يرفض فكرة القضاء الشعبي .. وعبر عن رأيه بصراحة في مواجهة السادات بأن القاضي لابد أن يكون خريجا لكلية الحقوق، والقضاء له قدسية معينة، ويقول الدكتور البرادعي عن تجربة والده: « أنا أحمل تقديرا كبيرا لما قام به، حتي وإن خسر قضيته في ذلك الوقت، ولكن كسب نفسه وكسب مصداقيته. تعلمت منه أن الشخص لابد أن يعبر عن رأيه أيا كان بشجاعة وبصراحة طالما أنه يقف علي أرض صلبة، وطالما أنه ليس لديه أجندة خاصة».
هويته
بعض الناس يبدون قلقهم تجاه هوية الدكتور البرادعي فيقولون: «علي الرغم من أنه مصري، نشأ وقضي طفولته وصباه وجزءا من شبابه علي أرض مصر، إلا أن جزءا كبيرا من تعليمه وثقافته تم صياغته في الغرب، وقد عاش سنوات طويلة من عمره في المجتمعات الغربية وتشبع بعاداتها وتقاليدها وثقافتها، ولم يعش الحياة المصرية بمشاكلها وهمومها، ولم يتشبع بالثقافة العربية والإسلامية، وأن تصريحاته تعكس توجها إنسانيا عاما يخلو من روح الهوية المصرية أو العربية أو الإسلامية، وبالتالي فهو قد لا يتحمس للقضايا الوطنية أو القومية أو الأممية بقدر حماسه للقضايا الإنسانية، وهو بالتالي يستطيع أن يلعب دور المصلح الإنساني وداعية السلام العالمي ولا يصلح لدور رئيس لدولة مصرية عربية إسلامية".
وقد يكون بعض ذلك صحيحا، ولكن البعض الآخر يحتاج لتصحيح، فالشخص يكتسب الهوية منذ السنوات المبكرة من عمره، ثم تتشكل بصفة راسخة عند مرحلة المراهقة وما بعدها من بواكير الشباب، وقد كان البرادعي في تلك المراحل يعيش في أحضان الثقافة المصرية العربية الإسلامية، وهو حين التحق بالعمل في الخارجية كان يعمل في إطار تحقيق المصالح الوطنية لسنوات ممتدة، إذن فهو ليس بعيدًا عن ثقافته الأصلية وليس غريبا عن مصالح وطنه. أما فترة عمله كموظف دولي فقد أكسبته رؤية أوسع للمصالح وهي مصالح البشر عموما بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الدين، وهي رؤية إنسانية منضبطة بضوابط الشرعية والقانون، وهي ليست عيبا فيه بل هي ميزة كبري، وهي لا تتعارض مع قدرته علي الحفاظ علي مصالح أهله وذويه ووطنه، فالذي يدافع عن حقوق ومصالح الغرباء لا يتصور أنه يضيع حقوق ومصالح الأقربين. وقد كان طوال حياته علي صلة جيدة بعائلته وأصدقائه وبني وطنه، ولم يعرف عنه تنكره لثقافته الأصلية ولا انبهاره بالثقافة الغربية كما فعل كثيرون ممن لم يغادروا أرض مصر ولكنهم يحطمون الثقافة المصرية العربية الإسلامية ويعلون من شأن الثقافة الغربية.
منطق المعارضين له
بعض الناس يهاجمونه بشدة ويرون أنه ساهم في تدمير القوة النووية الناشئة في العراق، وقام برقابة شديدة علي كثير من دول العالم حتي يحرمها من حلم امتلاك السلاح النووي وذلك لحساب قوي القهر والاستكبار في العالم والتي تريد أن تمتلك هي القوة وتمنعها عن الآخرين. ويتهمه البعض بأنه تشدد في التعامل مع إيران، وتساهل جدا مع أسلحة إسرائيل النووية. وعلي العكس كانت واشنطن تردد أنه ضعيف ومتساهل أمام كوريا الشمالية وإيران، ولم تنس إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الحرج الذي سببه لها البرادعي حين أعلن في مجلس الأمن، قبل شن الحرب علي العراق، عدم وجود أسلحة نووية في العراق.وكانت أمريكا شديدة الحنق عليه لأنها أيدته كمرشح لرئاسة الوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1997م في مواجهة المرشح الرسمي لمصر، السفير محمد شاكر، ومع هذا لم ينصع البرادعي لرغبات أمريكا وتوجهاتها، وأثبت صلابة في موقفه كرجل قانون محايد. ورغم كل هذا شكك أحد الإعلاميين المصريين الكبار في انتماءات البرادعي، وقال في حديث صحفي إنه لا يعتقد أن البرادعي وصل إلي هذا المنصب لولا انتماءاته الثقافية الغربية، والتي ليس أقلها الجنسية النمساوية التي يحملها. والبعض يقول إن حضور البرادعي لمصر في هذا التوقيت ربما يكون بإيعاز أو مباركة من الغرب علي أساس أنه خيار معقول للغرب فهو رجل تربي علي القيم الديمقراطية الغربية وهو يشكل بديلا معقولا ومأمونا بعد أن زاد السخط علي الأوضاع القائمة، وهو في نفس الوقت أفضل للغرب من الإخوان المسلمين الذين ربما يصلون إلي السلطة في حالة انفجار الحالة القائمة.
ويرد البرادعي علي معارضيه بأنه يقوم بالتفتيش علي البرامج النووية فقط للدول التي وقعت علي معاهدة حظر الأسلحة النووية، وأنه لا يحق له التفتيش علي إسرائيل ببساطة شديدة لأنها لم توقع علي تلك المعاهدة، إذن فهو يطبق القانون وشروط المعاهدات التي وقعت عليها هذه الدول مثل العراق وإيران. وبخصوص جنسيته فقد ذكر أنه لا يحمل إلا الجنسية المصرية، وبخصوص تأييد الغرب له - إن حدث فعلا - فهو لا يعني أنه مدعوم من الغرب أو أنه صناعته بقدر ما يعني أنه بديل مأمون ومقبول في نفس الوقت وفي هذه المرحلة.
سماته
يبدو هادئا وبسيطا ومتواضعا، وفي ذات الوقت يتمتع بقدر هائل من الكبرياء وعزة النفس والترفع عن الصغائر، وطول قامته يعطيه مهابة لا تخطئها العين، وحين يتحدث تخرج الكلمات هادئة وموضوعية، فهو لا يميل إلي العبارات الضخمة والشعارات الرنانة والكلام الكبير. وإذا أردت أن تراه شخصا مصريا ريفيا فلك ذلك حين تنظر إلي وجهه وتتخيله يلبس جلبابا ريفيا، وإذا أردت أن تراه باشا كبيرًا فانظر إلي وجهه وهامته. وهو يجمع بين صفات رجل القانون وصفات العالم وصفات الحالم وصفات السياسي في ذات الوقت. وهو شديد الأدب، وقور لا يستدرج لسفاهات أو تفاهات، ولا يسهل استفزازه أو دفعه لردود غير محسوبة، وقد ظهر هذا واضحا في لقاءاته، إذ علي الرغم من الأسئلة الصعبة التي وجهت إليه وعلي الرغم من الألغام التي وضعت له في الحوارات وعلي الرغم من نصب أكثر من فخ له فإنه كان يخرج منها جميعا بطريقة مهذبة وسلسة، وكان يتحمل الكثير من الأسئلة المستفزة، ومحاولات التثبيط ومحاولات السخرية ويظهر في النهاية نبيلا شريفا. وفيما يلي نوجز سماته الأساسية:
- متواضع في كبرياء: من أهم سمات البر ادعي تواضعه مع حفاظه علي كبريائه، فهو يقترب كثيرا من الإنسان المصري العادي البسيط في كلماته وتعبيراته وتصرفاته، فبالرجوع لحواراته نجده يقول: «التجربة لو نجحت سيكون المصريون الذين أيدوني هم من نجحوا معي وإذا فشلت فعلي الأقل نكون قد حاولنا معا من أجل التغيير». وفي نفس الوقت يمكنك أن تراه أحد العظماء والنبلاء حين قال: «سأهين كرامتي لو ذهبت للجنة شئون الأحزاب لكي أنشئ حزباً، فرئيس اللجنة هو أمين الحزب الوطني، هذا مهين لكرامتي»، ولعل اجتماع هاتين الصفتين في شخص البرادعي هو ما جعله صالحا لأن يكون محركا للأحداث ورمزا للتغيير لأن من تتحقق في شخصيته تلك المعادلة الصعبة فهو أصلح من يقوم بالتغيير.
- هادئ: لا يستجيب للاستفزاز ولا ينزلق وراء محاولات إثارة انفعالاته أو السخرية منه والاستهانة بقدرته علي التغيير، فعلي الرغم من فهمه العميق لكل تلك المحاولات كانت ردوده هادئة مهذبة ومنطقية وهذا دليل علي توازن شخصيته وأنه شخصية مستقرة انفعاليا، وعلي الرغم من عدم التزام بعض المحاورين بالأسلوب اللائق في الحديث معه فإنه لم يقع تحت تأثير انفعالاته.
- مفكر: يعرف ماذا يريد وكيف يصل لما يريد، وعقله منظم جدا يعرف كيف يعرض أفكاره في تسلسل منطقي، ربما لدراسته القانون وعمله في وزارة الخارجية أو ربما لرئاسته إحدي أهم الوكالات الدولية، إذ نجد هذا واضحا في قوله: «قوتي هي فكرتي وهي فكرة لابد أن تحدث وهي التغيير الذي حان وقته الآن».
- مصلح: فلديه كل ما يحتاجه شخص ليكون مصلحا، لديه الفكرة ولديه روح التغيير دون أن يمتلك أي قوات عسكرية أو مساندات خارجية، مؤمن بدوره الإصلاحي فلم يكن ذكره لنموذجي مانديلا وغاندي وليد الصدفة، إنما هو نابع من إيمانه بقدرة المصلح علي التغيير، فغاندي الرجل الهندي الفقير الذي لم يكن يملك أي قوات عسكرية أو مادية استطاع أن يهزم الإمبراطورية البريطانية، وكذلك الحال لمانديلا الذي قضي 28 عاما من حياته في السجون استطاع أن يمسك الحكم ويتركه فيما بعد طواعية ليعطي نموذجا يحتذي به، ولم يملكا أكثر مما لدي البرادعي من فكرة وروح تدعم التغيير.
- ذكي: يظهر ذكاؤه في اختياره للزمان والمكان الذي يعرض فيه فكرته للتغيير، فقد جاء البرادعي بحصانات كثيرة منها جائزة نوبل، قلادة النيل، ورئاسة وكالة الطاقة الذرية، بالإضافة إلي توازن شخصيته وتقبله لتعددية التيارات الفكرية وعدم تحيزه لأي منها، كل هذا جعله أكثر قبولا لدي الكثيرين، ليس ذلك فحسب، بل إن اختياره لهذا التوقيت الذي تحتاج فيه مصر إلي التغيير هو أيضا انعكاسا لذكائه وحنكته.
- دقيق: نظر إليه البعض علي أنه متردد، لا يستطيع التعبير عن أفكاره بسهولة وبرهنوا علي ذلك بأنه لم يتحدث بطلاقة وكان يستغرق وقتا ليعبر عما يريد، وكان يتهته أحيانا، بل ذهب البعض لتفسير هذا بالقول إن ثقافته وأفكاره غربية فكيف يعبر عنها بالعربية؟، علي الوجه الآخر قد يكون هذا دليلا علي دقته فهو كرجل عمل بمنظمات دولية،1 يعي تماما أن كل ما يقوله محسوب عليه لذا فعليه تحري الدقة في اختيار كلماته لكي تعبر عما يريد بالضبط.
تأثير سماته الشخصية علي خياراته المحتملة
تأتي أهمية دراسة الشخصيات في معرفة استجاباتها وردود أفعالها في المواقف المختلفة، وبمعني آخر تعطينا قدرا من الرؤية التنبؤية لسلوك تلك الشخصيات. وإذا أردنا أن نطبق ذلك في حالة الدكتور البرادعي فإن الخيارات أو المسارات الأكثر احتمالا أمامه هي كالتالي:
1 - أن يرفض الانضمام لحزب «وهو ما يعلنه حتي الآن» حتي لا يستقطب داخل قوقعة ذلك الحزب وحساباته وصراعاته وانشقاقاته واختراقاته وتصفياته، وأن يظل مستقلا ومترفعا فوق كل هذا، خاصة أن الأحزاب الموجودة أغلبها - إن لم تكن كلها - أحزاب ورقية أو كرتونية أو هلامية أو ضبابية. وهنا ربما لايستطيع أن يرشح نفسه لمنصب الرئاسة بناءً علي تعقيدات المادة 76 من الدستور، ولا يبقي أمامه غير النضال المدني من خلال دور الزعيم المنادي بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويظل رمزا للتغيير والإصلاح السلميين مهما طال الزمن، وهنا يسير علي خطي كل من غاندي ومانديلا، وقد ذكرهما في أحاديثه مما يدل علي وجودهما في طبقات وعيه، وربما يكون دوره في مصر مثل دور مصطفي كامل وسعد زغلول ومحمد فريد وغيرهم من الزعماء الذين أيقظوا الوعي أكثر مما غيروا الأوضاع.
2 - أن يتراجع عن تصريحاته السابقة بشكل براجماتي يستدعيه الوضع السياسي علي الأرض ويعلن انضمامه لأحد الأحزاب لكي يتمكن من الترشح لمنصب الرئاسة، ويدخل الانتخابات فعلا، ويتم تزويرها أو تفصيلها، فيظهر أمام العالم بلا شعبية فيضطر إلي الانسحاب والعودة إلي أسرته وحياته الشخصية.
3 - أن ينسحب مبكرا تحت تأثير ضغوط سلطوية أو مضايقات أوتلفيقات أو ضرب تحت الحزام بشدة لم يتعود عليها ولا يحتملها «خاصة أنه قد تعود علي الحياة السلسة المحترمة وعلي السلوكيات الشفافة المنطقية التي تحكمها القوانين والأعراف الدولية»، وقد يغطي هذا الانسحاب بظروف صحية موجودة حاليا أو تنشأ تحت تأثير الضغوط والحصار واللعبة غير الشريفة التي لا يجيدها ولا يمتلك أدواتها. وربما تلعب أسرته دورا في الضغط عليه ليسير في هذا الاتجاه حيث يقنعونه بأنه يستحق الراحة بعد عناء مشوار طويل من العمل الدولي الناجح والمشرف، وأنه لا يجب أن يغوص في وحل الحياة المصرية خاصة إذا وجد سلبية وخذلانا من المصريين.
4 - أن يتم اغتياله جسديا أو معنويا بواسطة مجهول ليخرج من المعادلة وتعود الحسابات لسابق عهدها قبل أن يربكها بظهوره.
رؤيته الإصلاحية
يمكننا استخلاص رؤيته الاصلاحية من مقتطفات من تصريحاته وأحاديثه لوسائل الإعلام المختلفة كالتالي:
«التعليم هو الركيزة الأساسية لتقدم المجتمع»... «هناك الكثير من المفاهيم التي لابد أن نعيد النظر فيها، فالحياة قائمة علي التغيير، لابد أن نتغير لأن الحياة في تطور مستمر. لا يمكن أن نقف عند مفاهيم ربما كانت ذات معني منذ 50 عاما، ولكن ليس لها معني الآن»... «الحكم الرشيد يعني أن يكون هناك عملية تخطيط، أن تكون هناك مشاركة من الشعب، أن يكون هناك احترام للقانون، وقدسية للقضاء، وفرص اقتصادية.. أن يكون هناك عملية تركيز علي ما يطلق عليه التنمية الإنسانية.. المعايير مترابطة، إنما لابد أن يكون لي رؤية تحدد في أي اتجاه أسير».. «في العالم العربي وصلنا إلي الحضيض.. إضافتنا إلي الحضارة الإنسانية في الأدب والعلم والثقافة غير موجودة. اليوم تقيم الدول ليس علي أساس عدد جنود جيشها أو عدد الدبابات، وإنما ما تقدمه للحضارة الإنسانية.. عدد الكتب التي يساهمون بها.. عدد العلماء.. عدد المبدعين. إضافتنا نحن في العالم العربي ككل، للحضارة الإنسانية، متواضعة للغاية في أحسن الأحوال، وهذا يعود إلي النظام السياسي والاقتصادي والتعليمي.. كل هذا لابد من إعادة النظر فيه»... «المناطق العشوائية وصمة في جبين كل مصري، إن اخواننا من المصريين يعيشون في حياة أقل ما يقال عنها إنها أدني من المستوي الإنساني»...«عندنا موارد كثيرة مثل السياحة وموارد الإنتاج، يعني أن لدينا أرضا زراعية ولدينا صناعة.. هناك دول كثيرة ليس لديها موارد علي الإطلاق، ولا ربع موارد مصر.. فاليابان ليس لديها شيء وكوريا ليس لديها شيء، ومع ذلك هما اليوم من أكثر الدول تقدما.. الموارد يمكن للإنسان أن يخلقها سواء في مجالات الصناعة أو في مجالات الخدمات أو التصنيع الزراعي أو في السياحة.. الموارد تعود في نهاية المطاف إلي نوعية الإنسان.. دائما أقول إننا سنبدأ وننتهي بالإنسان.. أعط الإنسان الحق في أن يعيش في حرية وكرامة وسلام، في هذه الحالة سينطلق الإنسان إلي أرحب الآفاق، فليست المسألة مسألة موارد، إنها مسألة تكوين الشخص المصري.. مسألة تكوين الشخص العربي».. «عندما أنظر فأجد أن مشكلتنا ليست مشكلة صراع عربي إسرائيلي، بل أصبحت صراعًا عربيًا عربيًا.. أصبحت مشكلتنا هي كيف نحقق السلام فيما بيننا كدول عربية.. هذا أمر أكثر من محزن، إننا ليست لدينا رؤية مشتركة للعالم، الآن العالم كله يتجه إلي التجمعات الكبيرة»
قراءته للواقع الدولي
يبدو جليا أنه يجيد قراءة الواقع الدولي، وقد اتضح ذلك أثناء ترشحه لمنصب مدير وكالة الطاقة النووية ثلاث مرات علي التوالي، وفي المرة الأولي لم ترشحه مصر ورشحت محمد شاكر بدلا منه، ولم ينجح محمد شاكر «وفي هذا دليل علي ضعف قراءة من رشحوه»، وترشح البرادعي مستفيدا من الدعم الإفريقي ونجح، وعاود الترشح بعد ذلك ونجح علي الرغم من معارضة قوة ضخمة مثل أمريكا لترشحه.وربما لا يعلم الكثيرون مدي صعوبة تبوؤ مكانة دولية كالتي شغلها البرادعي اثنتي عشرة سنة متواصلة علي الرغم من تخلي مصر «بلده» عن تأييده، وهذا يدل علي سمة مهمة في شخصيته وهي أنه يتمتع بقدر عال جدا من الذكاء والقدرة علي رؤية الواقع والتخطيط الجيد، وحشد التأييد لدرجة أنه في المرة الأخيرة فاز بالإجماع، وهذا أمر مستغرب في التصويتات الدولية. ولو قارنا نجاحه المتكرر بفشل إسماعيل سراج الدين في انتخابات اليونسكو وفشل فاروق حسني بعد ذلك علي الرغم من تأييد مصر والعرب لهما لعرفنا الفرق بين ما يفعله شخص مثل البرادعي وحيدا وينجح وما تفعله دول ومؤسسات بكل ثقلها وتفشل. وقراءة الواقع االدولي وعمل التربيطات والتكتيكات ليس بالأمر الهين إذ يحتاج لمهارات يبدو أننا في مصر نفتقدها والمثال الصارخ علي ذلك هو صفر المونديال الذي حصلنا عليه رغم كثرة الصخب عن ريادة مصر وأهميتها وتمتعها بجو ساحر وأنها تمتلك 40% من آثار العالم، ومع هذا لم نحصل علي نقطة واحدة في التصويت وفازت جنوب إفريقيا بفرصة إجراء المونديال علي أرضها.
سر قوته
كانت مني الشاذلي تحاوره في لقاء يستحق التوبة منها فقد حاولت أن تكسر مجاديفه، وأن تثنيه عما برأسه، وأن تعيد إليه رشده، وتصرفه عما هو مقبل عليه فراحت تقلل من احتمالات نجاحه في تحقيق أي تغيير وترهبه «أو تنبهه» لما ينتظره من صعاب وأهوال، ولم تكتف بذلك بل مارست ضغطا واضحا علي المشاهدين المتصلين الذين اتصلوا أثناء الحلقة، وقامت بدور ناظرة المدرسة التي تعيد الرشد للجانحين المتهورين، وفي لحظة فاصلة سألته عن ما يمتلك من القوة للتغيير فقال لها بوضوح وحزم: «قوتي في فكرتي»، وربما تشكل هذه الكلمة فلسفة البرادعي في الحياة ومفتاح نجاحاته، فهو عالم ومفكر وحالم وقارئ جيد لتاريخ حركات التحرر والإصلاح خاصة في الهند وجنوب إفريقيا، ويعرف معني القوة الناعمة التي كان يمثلها غاندي ومن بعده نيلسون مانديلا، وقد كانا لا يملكان نفس القوة التي يملكها الطرف الآخر في الصراع ومع ذلك انتصرا في النهاية وحققا لشعوبهما أهداف التحرر والنهضة.
وقد التقط الكاتب الكبير أنيس منصور في 14/3/2005م مصادر القوة في شخصية البرادعي وذلك قبل فوزه للمرة الثالثة برئاسة الوكالة الدولية للطاقة: «ممكن جدًا ألا يفوز د. محمد البرادعي برئاسة ثالثة لهيئة الطاقة الذرية فهذا إصرار أمريكي. وأمريكا مصممة علي التخلص من البرادعي كما تخلصت من د. بطرس غالي، سكرتير عام الأمم المتحدة، ولنفس السبب. أما السبب فهو أنه ليس ذيلا ولا طرطورا لسيدة كوكب الأرض. وقد لمحت وصرحت والرجل ودن من طين والثانية من طين أيضا!، فالبرادعي رجل عالم علي خلق، أي رجل عنده ضمير. ولأن لديه ضمير فلم يستطع أن يكذب ويقول أن لدي العراق وسائل الدمار الشامل..... إذن وداعا محمد البرادعي وأهلا به في مصر، فنحن محتاجون إلي عالم علي خلق كريم يستحق المكافأة من بلاده وكل الدول العربية. وفي بلادنا متسع للاستفادة من رجل متواضع بسيط، ولكنه أقوي من أمريكا بخلقه وإيمانه بالحق والعدل والسلام. فأهلا بالبرادعي عالما مصريا.. نحن أحوج إليه من الأمم المتحدة، وأرجو ألا تفوتنا هذه الفرصة التاريخية كما فاتت فرص أخري لعلماء مصريين مخلصين جاءوا وعادوا لأن أحدا لم يلتفت إليهم».
وفي رده علي استفسار حول خضوعه وخضوع الوكالة للضغوط الدولية، خاصة من الولايات المتحدة رد بوضوح وبصراحة وأكد أنه فعلا قد تعرض لضغوط، لكنه لا يستجيب لهذه الضغوط ولا يعمل لحساب دولة دون الأخري، بل يعمل من أجل مصلحة الجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.