«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شيخ الأزهر وبابا الأقباط وإيهاب الشريف .. يوسف القعيد
نشر في المصريون يوم 19 - 07 - 2005

من المعروف حسب القوانين والعرف العام في مصر. أن شيخ الأزهر لا يُعزل من منصبه. وأن بابا الأقباط لا يُعزل أيضاً. وأنهما يستمران في منصبيهما مدي الحياة، بالنسبة لشيخ الأزهر سأكتب ما يمكن كتابته. لأن منصبه له بعد روحي. من المفروض أنه ينظر له بدرجة من الاحترام مليار مسلم علي الأرض. هكذا أتصور. في القاهرة كلام عن قرب رحيل الشيخ طنطاوي عن مقعده. بل أن الكثيرين ممن يطمحون إلي الجلوس مكانه بدأوا التحرك من الآن. أما كيف يتم ذلك رغم استحالة عزله. حيث أن الدستور ينص علي ذلك صراحة والقانون رقم 103 لسنة 1961. ينص كذلك علي عدم جواز عزله من وظيفته. فتلك هي المسألة التي يجري إخراجها الآن. ومن باب التذكير فقط بما يمكن أن يكون قد نسي. فإن الشيخ طنطاوي. عندما اختار رسالة لنيل الدكتوراه في شبابه القديم. كان موضوعها: بنو إسرائيل في القرآن والسنة. وهي عمل علمي محكم وجيد. وأشهد أن ناشراً حاول مؤخراً، ومؤخراً هذه منذ أكثر من 15 سنة مضت. أن يصدر طبعة جديدة من الكتاب الضخم. الذي يقع في أكثر من سبعمائة صفحة من القطع الكبير. فوجئت برفض الشيخ لذلك. وعندما سئل عن السبب. قال أن الدكتوراه كتبت في ظل مناخ عام لم يعد قائماً الآن. وأنه لا يحبذ إعادة نشرها في هذه الأيام. وإن كنت قد وجدت طبعة جديدة منها. بعد هذا الكلام بسنوات صدرت عن دار الشروق في مصر. ولا أعرف كيف وافق علي صدورها. ولم يصبح لديّ وقت مثل الزمن الماضي حتي أعكف علي الطبعة الأولي من الرسالة التي صدرت طبعتها الأولي عن إحدي الهيئات العلمية التابعة للأزهر الشريف. والطبعة الجديدة حتي أعرف إن كان هناك تغيير بالحذف أو الإضافة مؤخراً. الذين يتكلمون عن قرب رحيله. يدللون علي ذلك بأن الرجل يرفض تحديد مواعيد لقاءات لزوار إما من جهات محلية أو عربية أو دولية. وعندما ذهب صحفي إلي مكتبه لمعرفة رأيه في اغتيال إيهاب الشريف. رفض شيخ الأزهر مجرد استقباله وقال لموظف مكتبه: - كفاية توريط في أمور بعيدة عنا. مع أنه كثيراً ما أدلي بالعديد من التصريحات الكثيرة. والتي بلا حدود حول أمور سياسية. مثلاً عندما ألقي القبض علي عدد من رجال الأزهر في إحدي المظاهرات. خرج شيخ الأزهر - لا تعرف إن كان ذلك من تلقاء نفسه. أو بموجب طلب - فجرم كل من يقوم بمظاهرة حتي لو كان من رجال الدين. وقال بالحرف الواحد: - إن مظاهرات طنطا التي اعتقل فيها 45 أزهرياً. لو كانت ضد الاستفتاء فهي حرام شرعاً ويجب إلقاء القبض علي المشاركين فيها. لأنه لا ينبغي لعلماء الدين المشاركة في مثل هذه المظاهرات. التي تدعو للسلبية. وناشد شيخ الأزهر علماء الدين عدم المشاركة في مثل هذه المظاهرات. لأنه من حق الأمن إلقاء القبض علي من يتظاهر. وهناك الكثير من الآراء. مثل قوله أن جميع من يقومون بالتفجيرات في العراق مجرمون ولا بد من إقامة حد الحرابة عليهم. بل أن البعض يذهب إلي أن ما قاله شيخ الأزهر ربما كان السبب أو أحد الأسباب في خطف السفير المصري في بغداد وقتله. هذا إن كان قد قتل لأنه ظهرت في القاهرة معلومات جديدة أن السفير ربما كان علي قيد الحياة. وأن هناك نية مبادلته ببعض المسجونين الجهاديين لدي الحكومة المصرية. هذه الفتاوي كانت مرحبا بها من الغرب. لدرجة أن فريد زكريا رئيس تحرير مجلة نيوزويك الأمريكية. أشاد بها في مقال منشور في عدد 19 يوليو من المجلة بقوله: - لقد أدان مفتي الأزهر الشيخ محمد سيد طنطاوي هو لا يعرف الفارق بين شيخ الأزهر ومفتي الديار المصرية رغم أنه يقدم نفسه علي أنه مسلم تلك التفجيرات. يقصد تفجيرات لندن. إلا أنه ذهب إلي أبعد من ذلك. برفض الحجة القائلة بأن هذا الهجوم يمكن تبريره كمحاولة لإرغام بريطانيا علي الخروج من العراق وقال: هذا غير منطقي ولا يمكن أن يكون دافعاً لقتل المدنيين الأبرياء. وقال: كانت أكثر مفاجأة تنديدات الجماعات المتطرفة مثل حماس وحزب الله وجماعة الإخوان المسلمين المصرية. حيث أدانت كلها هذه التفجيرات. وكان فريد زكريا يورد هذا الكلام كله في سياق المقارنة والتفرقة بين ردود أفعال العالم الإسلامي بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر. وموقف العالم الإسلامي وردود أفعاله بعد تفجيرات لندن. حيث أن العالم الإسلامي صمت صمتاً تاماً بعد سبتمبر ولكنه انطلق يدين ويشجب بعد لندن. ربما يكون تصريح طنطاوي بعد لندن لم ينشر في مصر. وقد يكون قد قاله للخارج. ويبدو أنه قاله فور وقوع تلك التفجيرات. لكننا لابد أن نتوقف أمام سؤال بديهي: إن كان الشيخ طنطاوي يقوم بكل هذه الأدوار للدولة المصرية ولنظام حكمها. فلماذا تفكر في التخلص منه؟ أو إقالته؟ لابد وأن هناك العديد من المشاكل الأخري. خاصة أن الدولة المصرية لم يسبق لها أن لجأت إلي مثل هذا التصرف من قبل أبداً. مع أي شيخ للأزهر. حتي في الأوقات التي أوشكت الأمور أن تصل فيها إلي طريق مسدود. مثل الموقف من الشيخ جاد الحق علي جاد الحق. الذي رفض وبصورة قاطعة إجراء أي اتصالات بالإسرائيليين. ورفض كافة الضغوط التي مورست عليه. وكان هناك مأزق حقيقي في العلاقات معه. ولكنه ظل في موقعه حتي مات. وهو شيخ للأزهر. فلم اللجوء إلي هذا الحل التراجيدي؟ والذي يمكن أن تكون له آثاره غير العادية في مثل هذه الظروف؟ لابد وأن هناك ما لا نعرفه. أو نعرفه ولا نحب أن نكتبه. لأنه عندما يتصل الأمر بمثل هذا المنصب الخطير لابد أن يتحسس الإنسان قلمه وعقله ويده باعتبارها بين العقل والقلم قبل أن يكتب حرفاً واحداً. بدأ الأمر بتحريك دعوي قضائية ضد قرار تعيين شيخ الأزهر. التعيين الذي مضت عليه سنوات طويلة. وتحريك مثل هذه الدعاوي من الأمور المفهومة. وإن كانت الدعوي قد رفضت في القضاء المصري. فتبقي الرسالة من وراء تحريك مثل هذه الدعوي. التي ربما وصلت إلي من يراد وصولها إليه. أما كيف ستخرج المسألة؟! الاستقالة مرفوضة طبعاً كمبدأ عام في مصر. ولكن يمكنه - أي شيخ الأزهر - الاعتذار أو الاستعفاء وهذا تعبير جديد يتم نحته مؤخراً. والسبب الصحي جاهز وموجود ولن يذهب أحد. من أجل توقيع الكشف الطبي عليه. آخر مشروع كان يفكر شيخ الأزهر فيه. هو إنشاء قناة فضائية إسلامية تنطلق عن الأزهر تقدم صورة الإسلام الصحيح للناس وتخاطب الغرب. وتصحح صورة المسلمين. طبعاً لم يقل أحد أن مثل هذه القناة لن تكون سوي رد علي القناة التي بدأت الكنيسة بثها علي الإنترنت منذ 24 يونيو الماضي. وأنه في القريب العاجل ستتحول المحطة من الإنترنت إلي الإرسال الطبيعي. طبعاً لست في حاجة إلي التذكير بحالة التفاؤل الشديد. التي جرت عندما عين الشيخ طنطاوي مفتياً منذ سنوات. وكانت فتاويه الأولي مفرحة ومبشرة. لدرجة أن الجميع رحب بها. حتي قوي اليسار المصري. قدم طنطاوي صورة جديدة لرجل الدين. فيها قدر من الاستنارة والفهم. وكان يسكن في شقة في مدينة نصر. رفض أن تقف الحراسات المكثفة أمامها. أما كيف تطورت الأمور وإلي أين وصلت؟! فتلك حكاية أخري. فيها من المحاذير أكثر من المسموح بقوله الآن. علي الناحية الأخري هناك كلام عن البابا شنودة. ولكن في سياق مختلف. كثر الكلام في الفترة الأخيرة عن ظروفه الصحية. وهناك ما أسمعه عن أمراض مصاب بها. بل وصل الكلام إلي أنه مصاب بالسرطان. الذي لم يعد من الأمراض الخطيرة. بعد أن نجحت معالجاته في الكثير من الحالات. لدرجة أن البابا عندما يسافر إلي الخارج لا يقال أنه سيزور كنائسه المنتشرة حول العالم. ولكن يقال أن السبب في السفر هو إجراء المزيد من الفحوصات الطبية. والبابا شنودة رأيته وقضيت معه يوماً كاملاً عندما عزله الرئيس السادات في دير وادي النطرون في أواخر سبعينيات القرن الماضي. إنها حكاية ليس هنا مجال حكايتها. كذلك لن أحكي طريقة الوصول إليه أو الخروج من عنده. وعندي له من يوم هذه الزيارة صورة نادرة للبابا وقت أن كان ضابطاً احتياطياً بالقوات المسلحة المصرية. وهو مازال عضواً عاملاً في نقابة الصحفيين المصريين. ولست متأكداً أنه يحضر في الانتخابات من أجل الإدلاء بصوته. ولكن يكفي أي مرشح في هذه الانتخابات. لمنصب النقيب أو لعضوية المجلس. أن يذهب إلي المقر البابوي. حتي يضمن أصوات الأقباط في يوم الانتخاب. صحيح أن هناك الكثير من المشاكل داخل الكنيسة المصرية. ولكن كلها من الأمور الداخلية الصرفة. علاقة البابا بالدولة المصرية ليست سمناً علي عسل. وهي أيضاً لم تصل إلي حدود القطيعة. وإن كنت أتذكر من اليوم الذي قضيته معه. أنه رجل ابن نكتة. مصري حتي الصميم. له ثقافة عربية من النوع النادر ويحفظ الكثير من تراث الشعر العربي. ويستخدمه من أجل التدليل علي ما يريد قوله. عند انصرافي ليلاً من الدير. أصر علي أن يوصلني حتي الباب. قال لي أنه ممنوع عليه الدوس علي عتبة الباب وإلا لكان أوصلني إلي السيارة بنفسه مع ضحكته المجلجلة التي تقف في منتصف المسافة بين اللوم والعتاب والشكوي من الحال. آخر أزماته مع مصر مبارك كانت حول موضوع وفاء قسطنطين القصة معروفة ولا داعي لإعادة الكلام فيها. لأن الكلام لن يكون فيه جديد. لكن حكاية اعتكاف البابا في دير وادي النطرون وعدم قيامه بالصلاة ولا إلقاء موعظة الأربعاء. حتي سلمت وفاء للكنيسة وهو الإجراء الذي وقف ضده الكثير من المسلمين. واعتبروه عدواناً صريحاً علي رغبة مواطنة مسيحية تحولت إلي الإسلام. وثمة قصص في مصر تقول. أن وفاء يوم تسليمها للكنيسة كانت صائمة. وأنها طلبت أن يؤجل التسليم حتي تفطر وتصلي المغرب. ورغم تسليم وفاء. فقد استمر البابا في اعتكافه وامتناعه عن الموعظة حتي تم الإفراج عن الشباب المقبوض عليهم في أحداث شغب الكاتدرائية المرقسية في العباسية. وهم الشباب الذين اعتدوا علي ضباط الشرطة وأتلفوا الكثير من الممتلكات الخاصة. الكثيرون من المسلمين. رأوا في هذا التعنت من قبل البابا نوع من الاستقواء بالغرب. وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. ولكنه لم يعد من الدير إلا بعد الإفراج عن الشباب جميعاً. مما عد انتصاراً - هو الأول من نوعه ضد الحكومة المصرية -. وارثوا شنودة كثيرون. ومن المعروف أنه لا يمكن عزله في حياته. وهناك طريقة لاختيار من يخلفه. ثم يصدر قرار رئيس مصر باعتماد نتيجة الاختيار التي تقوم علي تكليف أطفال باختيار ورقة من بين أوراق مدون فيها أكثر من اسم. ومن يخرج اسمه بيد الطفل يكون هو البابا. آخر عظة ألقاها البابا شنودة - حتي كتابة هذا الكلام - لوحظ أنه تكلم طويلاً. محذراً الفتيات المسيحيات من غواية أهل الفن ونجوم الكرة. ولم يعرف حتي الآن. هل جاءت هذه العبارة عفو الخاطر؟ أم أنها مقصودة؟ وأن قداسته يلمح إلي ما لا نعرفه من قصص ارتباطات عاطفية بين فتيات مسيحيات وشبان مسلمين. وهي القصص التي كانت تمضي من قبل ولكن بدون مشاكل من التي يمكن أن تحدث الآن. بعد التركيز الشديد علي مثل هذه القصص والتي حولتها من حكايات الحب والغرام إلي كونها تمثل حالة دينية بالدرجة الأولي. إيهاب الشريف قصة ثالثة. كان عليه أن يختار بين خطاب وصله من الحكومة الصينية بالسفر إليها ليس كسفير. ولكن من أجل أن يؤلف عنها كتاباً بالصورة والكلمة. ضمن سلسلة كتبه التي أصدرها عن العديد من الدول ضمن ما يمكن أن يسمي بالأدب السياحي. وبين أن يقبل تكليف الخارجية المصرية له بالسفر إلي العراق فلم يتردد في قبول العرض الثاني. رغم الإغراءات الكثيرة للعرض الأول. فضلاً عن أنه يحقق له متعة الكتابة ومتعة التصوير وهما من الهوايات المحببة إلي نفسه. أمه هي فايدة ابنة الفنان الكبير الذي دخل تاريخ الأدب والفن ليس في مصر وحدها. ولكن في العربي كله. إنها ابنة محمد المويلحي. لم يسعدني زماني - أو يتعسني - بالتعرف علي إيهاب الشريف في حياته وفقد من نتعرف عليهم وإليهم في رحلة الحياة يسبب أكبر قدر من التعاسة للإنسان ولكني سمعت عنه من أصدقاء مشتركين. وسمعت عن كنزه الذي لا أعرف مكانه الآن. من الصور التي التقطها في تنقله بين ربوع العالم من المؤكد أن هذه الصور تشكل متحفاً من النوع النادر. خاصة أن الصور المنشورة في كتابه عن فرنسا: تقول أنه مصور مبدع. وأن الإنسان يمكن أن يبدع فعلاً من خلال الكاميرا. ومن الممكن تحويل الآلة الحديدية. إلي جهاز للإبداع. وقيمة دور إيهاب الشريف. أنه سبقه رحالة كانوا يكتبون بالقلم فقط. لم يتركوا ولو صورة واحدة لما كتبوا عنه. لأن آلة التصوير لم تكن موجودة
في زمن ابن بطوطة أو ابن جبير. ولا حتي الرحالة الذين جاءوا إلينا من الغرب. جرياً وراء غموض الشرق وأسطوريته. بل لم تكن ظروفهم المالية تمكنهم من استحضار رسامين معهم. حتي ينقلوا لنا بالرسم ما كتبوه هم بالقلم. وأيضاً لأن ما قاموا به لم يخرج عن مشروعات فردية بالأساس. مشروع إيهاب الشريف يقوم علي الرحلة المكتوبة والمصورة في آن معاً. هنا تتكامل الصورة مع الكلمة لتحول الكتاب إلي متحف متنقل خاصة عندما تتم الطباعة بشكل متقدم وجيد. المفارقات في حكاية إيهاب الشريف أنه حصل علي الدكتوراه من السوربون بفرنسا. وكان موضوعها الإسلام السياسي . ربما كانت هذه الرسالة ما تزال بالفرنسية. وأعتقد أن ترجمتها إلي العربية الآن مسألة واجب أو أقل واجب يمكن القيام به حياله. وكما قال في الورقة التي أرسلها إليّ مع كتابه منذ سنوات. وهي ورقة أعدها الجانب الفرنسي. أن إيهاب الشريف استغرق خمس سنوات في إعداد الكتاب. وأنه تنازل عن الحصول علي مقابل نفقات رحلاته الطويلة المكلفة ونفقات صوره. وذلك إيماناً بأنه يقدم أفضل ما يمكن لدبلوماسي مصري أن يقدمه لتقترب فرنسا أكثر من عيون وقلوب العرب. أما عن حكايته مع التصوير. فتقول معلومات الرسالة أن إيهاب الشريف حصل عليها من عمله مع مصورين عالميين في إنتاج كتب عن مصر. من نفس نوعية أدب الرحلة المصورة. بالصور المعدة له خصيصاً والمعلومة الناتجة عن خبرة شخصية والاحتكاك المباشر. وأن إيهاب الشريف أقام معارض لصوره في باريس وبروكسيل وفرانكفورت والقاهرة. هذا كله تم دون أن نتابعه ونكتب عنه. ثم ننتظر وفاته حتي نقوم بذلك. له غير كتابه عن فرنسا. كتاب: أوروبا الحلم والحقيقة. وهو عن رحلاته في كل أنحاء أوروبا. الكاميرا بيده. وعقله يدون الكلام الذي يمكن أن يواكب هذه الصور. وله كتاب ثان: ألمانيا اليوم: جولة في بلاد الفكر والإبداع. وكتاب ثالث: الهند: أسرار ومفاتيح. ثم أن كتابه عن فرنسا. والذي عنوانه: بلاد الجن والملائكة. يقع في أربعة مجلدات. لا يوجد عندي سوي مجلد واحد منها. أعتقد أنه المجلد الأول. وقد طبع بالتعاون بين دار المستقبل العربي بالقاهرة. وقسم الترجمة في البعثة الفرنسية للأبحاث والتعاون بالقاهرة. وقد صدرت هذه الطبعة عام 1995. أي منذ عشر سنوات مضت. وأول ما نقرأه في الكتاب الإهداء الذي كتبه إيهاب: - إلي والدي صلاح الدين الشريف. الذي زرت فرنسا بين صفحات كتبه صغيراً. قبل أن أزورها بعدستي. والذي يصر علي ألا يسافر لفرنسا. من فرط حبه لها خوفاً من أن تكون الحقيقة بعيدة عن خياله الجميل فيصدم. أهدي هذا الكتاب إلي الرجل الذي أظنه عاشق فرنسا الأكبر في دنيا العرب. لعل صفحاته تثير في مخيلته قصة جديدة تضاف إلي ما كتبه عن فلوبير ومارسلين ديبور فالمور وغيرهما. والإهداء يفهم منه أن والد إيهاب صلاح الدين الشريف كان كاتباً. وله كتابات عن فرنسا وأدبائها. وأنه من شدة حبه لفرنسا. لم يحب أن يزورها. حتي لا تحدث فجوة بين جمال الخيال. وصورة الواقع. من الواضح أن والده صلاح الدين الشريف كان علي قيد الحياة عندما صور الكتاب قبل عشر سنوات. ثم أنه يشكر زوجته سمر حسين التي لا ينسي جهودها وتضحياتها. ويكفي أنها قبلت أن أسخر كل أجازاتي بلا استثناء لهذا المشروع المضني. ورافقتني في جولات التصوير المرهقة. وهذا معناه أن إيهاب الشريف لم يتفرغ من أجل كتابة الكتاب ولكن أنجزه علي هامش عمله الدبلوماسي المصري في فرنسا. إن من يريد الإنجاز يمكنه أن يفعل هذا في أي ظروف. ثمة صفحة كاملة يشكر فيها إيهاب الشريف من ساعدوه في إنجاز كتابه. عدد كبير جداً من الأسماء. أي أنه كان حريصاً علي شكر من قدم له آية مساعدة أو خدمة مهما كانت صغيرة. من أجل إنجاز الكتاب. أي محاولة لوصف جمال الصور في الكتاب عبث لا تقوم أي كتابة مهما كانت. نيابة عن مشاهدة صوره. ولا يمكن لأي كتابة أن تقدم التضاريس والألوان. والظلال التي تطالعنا عندما نشاهد صوره. الكتاب يقع في أكثر من أربعمائة صفحة. أتوقف أمام هذه المعاني من الكتاب: - العبقرية الفرنسية جعلت من باريس رغم أنف الجميع أو برضائهم. أجمل مدينة في العالم. فلا ناطحات نيويورك الشاهقة ولا أحياء لندن الوقورة. المترامية الأطراف ولا أحجار روما الخالدة. ولا برلين التي تهدمت لتبعث من جديد. ولا حتي فينيسيا الساحرة استطاعت أن تنزع باريس من عرشها. ولا أحد يعرف من أين ينبع كل هذا السحر الخفي الذي يلف كل شيء فيها. قال الجنرال ديجول عن تنوع فرنسا: - كيف يمكن الحكم علي شعب يأكل ثلاثمائة نوع من الجبن؟ يلاحظ إيهاب الشريف علي الفرنسيين أنهم حاربوا معظم معاركهم بعيداً عن العاصمة. فإن انتصروا فإن باريس لم تمس. وإن انهزموا فإن باريس هي هي لم تمس. وأن الفرنسي أقل الناس إيداعاً في البنوك. فالفرنسي ليس بخيلاً. لكنه يعرف كيف ينفق كل ما يملك علي حياته. وقد توفرت له كل وسائل المتعة لأنها الطريق إلي جيبه. إلي أن يقول: - إذا أردت أن تستمتع بفن الحياة. وأن تعيش حياة حافلة. فاسأل الفرنسيين ولا تجادلهم. فقط استمع من خبراء يعرفون ما يقولون. والأرجح أنك لن تندم كثيراً. البلد الوحيد الذي عمل فيه إيهاب الشريف ولم يكتب عنه كتاباً كان إسرائيل. آسف.. فلسطين التي اغتصبتها إسرائيل. ولم يحمل الكاميرا ليصور ولا القلم ليدون. رغم أنه قضي فيه أكبر فترة قضاها خارج مصر. سبع سنوات بالتمام والكمال. بقي أن أكرر أن إيهاب الشريف رفض أن يتقاضي تكاليف رحلاته. أو طباعة صوره أو مكافآت تأليفه. هذا علي الأقل بالنسبة لكتابه عن فرنسا. فأية تضحية تلك؟! ------ صحيفة الراية القطرية في 19 -7 -2005

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.