وصلتني رسالتها لتجدد اهتمامي بمنشور سبق أن تجاهلتُه. أعترف أنه اجتذبني عند أول مشاهدة بعنوانه المُثير:” إدارة التوثيق: وزير الآثار وقع علي وثيقة تزعم أن الفراعنة أصلهم عبري”! عندما فتحتُ الرابط وجدتُه يتضمن خبرا عمره أربع سنوات، تذكرتُ بعض تفاصيله، وابتسمتُ وأنا أطالع إضافات من قاموا بمشاركة الخبر علي” فيس بوك”، التي حفلت بتوابل كثيرة تزيده التهابا، دون أن يسأل أحدهم نفسه عن مبررات خروجه للنور من جديد، ويبدو أن بعضهم قرأ العنوان فقط، واتخذه منصة للهجوم علي الوزير الحالي الدكتور خالد العناني، بينما المقصود فيه هو الوزير السابق الدكتور ممدوح الدماطي. جعلتني رسالة كاتبة السيناريو الصديقة أعيد النظر في موقفي من عدم الحديث عن الموضوع، فلا ريب أن مخاوفها انتابت آخرين قرأوا ما تردد عن توقيع الوزير وثيقة سرية مع جمعية صهيونية أمريكية، تدّعي أن الفراعنة كانوا عبرانيين! المصدر وقتها كان مدير إدارة التوثيق بالوزارة، الذي تقدم ببلاغ إلي النائب العام يطالب فيه بالقبض الفوري علي الدماطي، والدكتور زاهي حواس وزير الآثار الأسبق، لأنه من وقّع العقد في الأساس، وجاء الدماطي ليستكمل تنفيذ بنوده، لمجرد استقباله نائبة رئيس شبكة تليفزيونية عالمية، يؤكد مدير التوثيق أنها صهيونية! الخبر منشور في مايو 2015، أي بعد شهور من اعتذاري عن مهمتي التطوعية، كمستشار إعلامي لوزير الآثار، لأسباب لا مجال لذكرها هنا، وحتي الآن أحتفظ بقناعتي أن الدماطي نظيف، لا علاقة له بالفساد بكل صوره. بالتأكيد يُمكن أن يكون قد اتخذ قرارات يراها آخرون خاطئة، لكن لكل مسئول حق الإدارة بطريقته، بشرط ألا تكون قراراته داعمة لفساد أو ناتجة عن جهل، وأذكر أنني تابعتُ ردوده علي ما ورد بالخبر في عدة برامج تليفزيونية، وتقديمه صورة من الوثيقة المذكورة، ليستخرج منها المتشككون أي بنود تثير الشبهة. والأهم أنه أعلن بحسم أن النائب العام حفظ التحقيق في البلاغ الذي قدمه مدير التوثيق. كانت وقائع 2015 حلقة في مسلسل بدأ قبلها بسنوات، وتحديدا في يناير 2005، عندما قرر الدكتور حواس إجراء اختبار الحامض النووي لمومياء توت عنخ آمون. نشرت” أخبار الأدب” ملفا مشتعلا، كان مضمونه معارضا بشدة لما جري، وكانت اعتراضات الراحل الدكتور عبد الحليم نور الدين الوحيدة التي تتخوف من الربط بين ملوك الفراعنة وشخصيات توراتية، لكن متخصصين عديدين أكدوا في الملف ذاته أنه أمر غير مطروح، لأن ال” دي إن إيه” يكشف النسب لا الجنس البشري، فضلا عن ثقتهم في الأصل المصري لملوكنا، غير أنهم هاجموا مشروع الفحص بشراسة لأسباب أخري. أنا مقتنع تماما بأن أي جريمة تستهدف هويتنا لا تسقط بالتقادم، غير أن إعادة طرح موضوع قديم يتطلب الاستناد إلي أدلة جديدة ، تنقل القضية إلي ساحات القضاء مباشرة، أما إعادة نشر خبر قديم كما هو، فيثير علامات تعجب عديدة، خاصة إذا تم تجاهل ما شهده سياق الأحداث بعدها. في هذه الحالة لا يكون الخوف علي تراثنا هو الدافع، بل إثارة الغبار لمآرب أخري!