محمد شعير أقيم الأحد الماضي اجتماع لمناقشة القانون الذي أعده الدكتور سعيد توفيق لإعادة هيكلة المجلس الأعلي للثقافة، وتعديل قانون جوائز الدولة. لا يعنينا القانون رغم سذاجته ولكن العقلية غير المؤسسية التي تقف خلفه. فتعديل قانون المجلس والجوائز كان مطلبا ثقافيا هاما، يحاول تحرير المجلس من سلطة وزارة الثقافة، وتقدم الفنان عادل السيوي بتصور كامل للدكتور عماد أبوغازي وزير الثقافة بعد الثورة، وجاء الدكتور عز الدين شكري فشير أمينا عاما للمجلس في مهمة محدودة هي إعادة الهيكلة. فشير عقد عدة ورش عمل مع مثقفين من مختلف الاتجاهات، ونشر وقتها تصورات التطوير وطرحها للنقاش، وغادر منصبه بعد أن أنجز المهمة التي جاء من اجلها، وغادر أيضا عماد أبو غازي الوزارة مستقيلا احتجاجا علي التعامل العنيف مع المتظاهرين. كان من الممكن أن يبدأ من خلف عز الدين شكري تنفيذ المشروع، ولكن لأن الوزير جديد والأمين العام جديد تم التعامل مع المشروع السابق، بما دار حوله من مناقشات وكأن لم يكن، وتم إلقاؤه في صندوق »القمامة« ليبدأ الأمين العام إعداد قانون »جديد« .. المفارقة أن القانون الجديد ليس جديدا، ويمكن اختصاره في كلمة واحدة بالقانون الساذج ، إذ ينقل تبعية المجلس الأعلي للثقافة إلي مجلس الوزراء في الوقت نفسه يرأسه وزير الثقافة..وهو ما يعني عدم تحرر المجلس من تبعية السلطة ولكن مزيد من التبعية لسلطتين في الوقت ذاته، والأهم أن القانون يستعيد قانون المجلس عام 1981 أيام الرئيس السادات، ويحاول السيطرة الكاملة علي مؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في مجال الثقافة، اي بدلا من أن تكون المطالبة بألا تتبع هذه المؤسسات سلطة ما، فإن السلطة سوف تكون في يد المجلس الأعلي الذي يمكن أن يمنحها موافقته أو لا ، أو يوافق علي أنشطتها أو لا. نحن إذن أمام كارثة المسئول عنها وزير الثقافة وأمين المجلس الأعلي الذين سيسلمان عن طيب خاطر المجلس والمثقفين لجماعة الإخوان بعد أن يصبح هشام قنديل هو المسئول عن تعيينات مثقفي المجلس ..! هذه العقلية التي تدير وزارة الثقافة تتصور أنها تفعل شيئا متميزا، ولكنها في الواقع لا تفعل أي شيء، لأن المتوقع ألا يستمر الوزير ولا الأمين في منصبهما، وبالتالي سيأتي وزير جديد وأمين جديد لتبدأ اللعبة نفسها، اجتماعات واجتماعات، وبدلات ولا شيء يحدث. فقط تتفرغ الوزارة لمطاردة النجاح. منذ أسابيع ذهب احد مسئولي وزارة الثقافة إلي ائتلاف الثقافة المستقلة، عرض عليهم تمويل »الفن ميدان« علي أن تصبح الوزارة وحدها مسئوله عنه، ورفض الائتلاف، بعد أيام رفض الوزير أن يتم تمويل الفاعلية الأهم بعد الثورة متعللا بعدم وجود أموال داخل الوزارة.. أي ما يعني الوزارة السيطرة فقط، لا الفاعلية، بل أن مساهمات الوزارة في توفير استندات عرض وفرق غنائية تابعة لهيئة قصور الثقافة تشارك في المشروع أوقفها رئيس هيئة قصور الثقافة بحجة أن الوزير لم يوقع علي طلب ائتلاف الثقافة المستقلة. نفس المنطق أيضا جري في »مهرجان القاهرة السينمائي« بعد أن قرر الوزير إقامة المهرجان، وألغي العروض السينمائية داخل دور العرض الخاصة هذا العام، لتقتصر العروض علي المسرح الصغير بالأوبرا، ومركز الإبداع، أي أن عروض هذا العام ستكون فقط للصحفيين والنقاد ودارسي السينما ممن سيتمكنون من استخراج الكارنيهات الخاصة بالمهرجان، أما الجمهور العادي الذي تقام من أجله المهرجانات فلن يتمكن من مشاهدة أي فيلم ..لماذا؟ لأن الوزير يحتقر هذا الجمهور، ويعتبر نفسه وصيا عليه، وفي الوقت نفسه سيخرج الوزير مباهيا أن عهده شهد إقامة مهرجان السينما ولم يلغ. أي أن الفكرة فقط لاكتمال الديكور الديمقراطي، وهي نفس الفكرة القديمة التي ورثناها منذ عهد مبارك، لدينا كل شيء وليس لدينا أي شيء، لدينا برلمان، وأحزاب، وصحافة معارضة، ومهرجان سينما..ولكن في الواقع ليس لدينا أي شيء. شعار وزارة الثقافة الآن... انحني للعواصف حتي تمر!