48 ساعة وتنتهي أكثر بطولات العالم اثارة وتشويقا بعد قرابة شهر تقريبا من الدرامية الكروية في واحدة من أمتع بطولات كأس العالم علي مدار التاريخ في ظل المتغيرات الكثيرة التي شهدتها من خروج الكبار وظهور قوي كروية جديدة استطاعت ان تثبت قدرتها علي التواجد بين الكبار.. وأثبت المونديال الحالي أن الكرة ليست بالاسماء بل بالجهد المبذول والقدرة علي الثبات داخل الملعب وليس بالمهارة الفردية فقط لكرة القدم والدليل وداع نجوم الكرة العالمية علي رأسهم الثنائي الافضل حاليا ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو من دور ال 16 ولم يتمكنا من تحقيق أي شيء لمنتخب بلادهما في هذا المحفل العالمي. النهائي المثير ينطلق في الخامسة من مساء الاحد باستاد لوجينكي بالعاصمة الروسية موسكو ليسدل الستار علي واحدة من أفضل بطولات كاس العالم علي مستوي التنظيم والتخطيط لاخراجه بهذا الشكل النموذج.. ويحظي النهائي باهتمام العالم أجمع في ظل الترقب الكبير لمعرفة البطل الذي سيسجل اسمه في سجلات التاريخ خاصة أن كرواتيا أحد المتنافسين علي اللقب الغالي لم يسبق له الفوز به في الوقت الذي توجت به الديوك الفرنسية مرة واحدة بعد الفوز علي البرازيل 1998 تحت قيادة الاسطورة زين الدين زيدان. المنتخبان نجحا في خطف الانظار اليهما منذ اليوم الاول للبطولة رغم أن كل الترشيحات قبل البطولة كانت تصب في مصلحة منتخبات أخري منها من خرج من دور الثمانية مثل البرازيل ومنها من خرج من الدور الاول في كبري المفاجآت مثل المنتخب الالماني. معسكرا المنتخبين سيطر عليهما الفرح والسعادة ولكن سرعان ما طالبت الاجهزة الفنية هنا وهناك بالغاء تلك الافراح والتركيز فقط في المباراة النهائية وتم فرض حالة الطوارئ علي أجواء المعسكرين من أجل الظفر ومحاولة التتويج بهذا اللقب العالمي. وفرضت الاجهزة الفنية في المنتخبين السرية علي استعدادات الفريقين وغلبت الجلسات النفسية مع اللاعبين علي كل الاستعدادات.. وحاول المنتخب الفرنسي بقيادة ديشامب تجهيز لاعبيه بشكل قوي وتحفيزهم علي المضي قدما نحو حفر أسمائهم بحروف من ذهب والقتال علي التتويج بالبطولة في ظل الامكانات التي يمتلكها لاعبوه الكبار وعلي رأسهم مبابي الذي يعتبر واحدا من نجوم المونديال رغم صغر سنة الذي لم يتجاوز 19 عاما بالاضافة إلي جريزمان وبوجبا وجيرو وكانتي من خلفهم الحارس العملاق لوريس وغيرهم من نجوم الكرة الفرنسية. في المقابل وداخل المعسكر الكرواتي الذي طالب فيه مديرهم الفني زلاتكو داليتش باغلاق صفحة الدور قبل النهائي سريعا وعدم التركيز فيما مضي وعليهم التركيز في المباراة المقبلة فقط.. وركز زلاتكو داليتش الذي حقق مع منتخب بلاده رقما جديدا كونه المنتخب الوحيد الذي فاز في ثلاث مباريات متتالية بعد اللجوء إلي الوقت الاضافي بعد انتهاء المباراة في وقتها الاصلي بالتعادل علي النزول بالحمل التدريبي في اليوم الاول للاستعداد للمونديال في ظل المجهود الكبير الذي بذله لاعبوه في المباريات الثلاث الماضية. كما ركز علي الجانب النفسي خاصة أن هذه هي المرة الأولي التي تتاهل فيها كرواتيا إلي المباراة النهائية وحفزهم من أجل السعي لكتابة بلادهم في سجلات الفائزين بالمونديال. عينه علي إنجاز زاجالو ويخشي إخفاق فولر! يأمل الفرنسي ديديه ديشامب في كتابة التاريخ مع المنتخب الفرنسي في مونديال روسيا 2018 بعد قيادته الديوك للمباراة النهائية. ويسعي ديشامب للفوز باللقب الثاني للديوك بعد مونديال 1998 الذي كان متواجدا خلاله ديشامب ولكن قائدا للمنتخب الفرنسي.. وإذا استطاعت فرنسا الفوز باللقب سينضم ديشامب إلي قائمة مصغرة تضم اسمين فقط نجحا في تحقيق لقب كأس العالم كلاعبين ثم كمدربين مع منتخباتهما الوطنية. وسبق ديشامب في ذلك الإنجاز البرازيلي ماريو زاجالو والألماني فرانز بيكنباور وكان الجناح زاجالو أول من حقق هذا الإنجاز بعدما توج بلقب كأس العالم مع البرازيل كلاعب في مونديال 1958 بالسويد ثم مونديال 1962 بتشيلي حيث كان ضمن أفراد الجيل الذهبي الأول للكرة البرازيلية إلي جانب الأسطورة بيليه ثم دخل عالم التدريب ونجح في قيادة السامبا ليفوز باللقب العالمي في مونديال 1970 بالمكسيك وكان زميله بيليه لا يزال لاعباً. أما القيصر بكنباور فنال لقب كأس العالم مع ألمانياالغربية كلاعب في مونديال 1974 بألمانيا ثم عاد وقاد الماكينات كمدرب في مونديال 1990 بإيطاليا ليفوز الألمان بلقبهم العالمي الثالث عندما تفوقوا علي الأرجنتينيين في النهائي بهدف نظيف.. وفشل الألماني رودي فولر في تكرار الإنجاز بعدما خسر نهائي مونديال 2002 أمام البرازيل بهدفين دون رد بعدما كان قد توج باللقب العالمي لاعباً في مونديال 1990 بإيطاليا. مودريتش ورفاقه.. ها قد عدنا يا تورام! حقق جيل لوكا مودريتش ما عجز عنه أي منتخب كرواتي، وبلغ نهائي كأس العالم في كرة القدم لملاقاة فرنسا الأحد علي ملعب لوجنيكي في موسكو، في مواجهة سيتناول فيها الكرواتيون طبق ثأر عمره 20 عاما. في 12 يوليو 1998 أحرزت فرنسا لقبها الأول والوحيد في المونديال، متفوقة علي البرازيل في النهائي 3-صفر. قبلها بأيام، أقصي »الديوك« في نصف النهائي جيلا كرواتيا يقوده دافور شوكر، كان يحمل أحلام منتخب يشارك للمرة الأولي كدولة مستقلة. بعد 20 عاما، يعود جيل الورثة، لوكا مودريتش وايفان راكيتيتش وماريو ماندزوكيتش، لمواجهة فرنسا مجددا، بعدما تفوق الأول في نصف النهائي علي انكلترا 2-1 بعد التمديد (1-1 في الوقت الأصلي)، غداة تفوق الثاني علي بلجيكا 1-صفر. أنهت كرواتيا مونديال 1998 ثالثة، وتطمح في روسيا إلي لقب عالمي أول لدولة لا يتجاوز عدد سكانها 4٫1 ملايين نسمة، في مواجهة منتخب طموح بلغ النهائي للمرة الثالثة (1998 و2006 حين خسر أمام ايطاليا). لم ينس الكرواتيون الثامن من يوليو 1998 علي ملعب ستاد دو فرانس في ضاحية سان دوني الباريسية. تقدموا يومها بهدف في مطلع الشوط الثاني عبر هدافهم شوكر، الرئيس الحالي لاتحاد اللعبة، قبل ان يظهر بطل فرنسي غير متوقع ويسجل هدفين: الظهير الأيمن ليليان تورام. يذكر الكرواتيون اسمه جيدا. قالها المدرب زلاتكو داليتش بصريح العبارة «تورام... كان موضوع نقاش طوال الأعوام العشرين الماضية». فرنسا لم تنس الظهير الأيمن الذي عبر بها إلي النهائي للمرة الأولي في تاريخها، وكرواتيا لم تغفر لهدفين حرماها حلم التتويج بأول ألقابها، والاحتفال بحضورها الكروي المستقل عن يوغوسلافيا. ثمة اسم آخر لن تنساه علي الأرجح: قائد فرنسا 1998 هو مدربها الحالي، ديدييه ديشان. الجيل الكرواتي الحالي كان علي وشك تجرع الكأس المريرة نفسها ضد انكلترا وتشكيلتها الشابة ليل الأربعاء. تقدم «الأسود الثلاثة» بقيادة هاري كاين، بهدف لكيران تريبيير في الدقيقة الخامسة من ركلة حرة مباشرة. هيمن الإنجليز علي بداية اللقاء علي حساب منتخب كرواتي متعب وضائع.عزيمة القادمين من البلد الصغير كانت أقوي، والارادة علي أرض الملعب كانت أصلب من سعي الامبراطورية الكروية الإنجليزية للعودة إلي النهائي للمرة الثانية في تاريخها، والأولي منذ لقبها الوحيد عام 1966. انتفضت كرواتيا وحققت التعادل عبر إيفان بيريشيتش في الدقيقة 68. كانت قاب قوسين أو أدني من الفوز بعد محاولة للاعب نفسه ارتدت من القائم، الا انها تمكنت من جر المباراة إلي وقت اضافي، وفيه كان ماندزوكيتش حاسما في الدقيقة 109، بهدفه الثاني في المونديال الروسي. طاردت ذكري 1998 الكرواتيين علي أرض الملعب. بدا انهم يركضون خلف الكرة، ويركضون هربا من الذكريات. لحظة أخري كانت تؤرقهم: ان يلاقي جيلهم الذهبي مصير الجيل البلجيكي الذي أقصي الثلاثاء علي يد فرنسا، ليودع إدين هازار وروميلو لوكاكو وكيفن دي بروين المونديال. لم يرغب الكرواتيون في ان يفوتوا الفرصة. الآن أو ربما انتظار لعقود. قبل 20 عاما، تواجد شوكر وروبرت بروسينيتشكي وسلافن بيليتش وأليوشا أسانوفيتش وزفونيمير بوبان. في 2018، مودريتش وراكيتيتش وماندزوكيتش وبيريشيتش... متي يأتي الجيل المقبل؟ لا أحد يعرف. عمت الفرحة في زغرب ومدن كرواتيا، تقابلها خيبة ممزوجة بالفخر في لندن. بالنسبة لوسائل الاعلام الكرواتية، مباراة نصف النهائي كانت استمرارا ل «حلم» كرواتي قديم لم ينس مرارة 1998. بعد الفوز، اختصر معلق تلفزيوني النتيجة بكلمتين «معجزة المعجزات».