دخول العشر الأواخر من رمضان يواصل العالم الجليل فضيلة مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام حواره ل"دين.. ودنيا"، فيتحدث عن ليلة القدر التي اختلف العلماء في تحديدها، ورجح بعضهم أن تكون في الأوتار ومنحصرة فيها، وعلاماتها، وواجب الصائم فيها من تأديته للدعاء.. وشرح فضل من يختم القرآن في الشهر المبارك، مؤكدا أن أداء العمرة في رمضان ثوابها أعظم من باقي الشهور، وأيد ما اتخذته مصر والسعودية من فرض إجراءات لمنع تكرارها حتي لا تسبب زحاما وإضرارا بالاقتصاد، لافتا إلي أن مواساة المحتاجين والفقراء أفضل من تكرار الحج والعمرة.. الصوم في الحر ثوابه أكثر بسبب المشقة • هل رمضان شهر للعبادات الدينية فقط؟ - ينبغي أن نعلم أن شهر رمضان كما أن له وظيفة دينية إصلاحية علي مستوي الفرد فله كذلك وظيفة إصلاحية اجتماعية تظلل المجتمع كله بالحب والأمن والخير. فقد روي ابن خزيمة في صحيحه عن سلمان الفارسي قال: خطبنا رسول اللهِ- صلي الله عليهِ وسلم- فِي آخِرِ يومٍ مِن شعبان فقال: "أيها الناس قد أظلكم شهرٌ عظِيمٌ، شهرٌ مباركٌ، شهرٌ فِيهِ ليلةٌ خيرٌ مِن ألفِ شهرٍ، جعل الله صِيامه فرِيضةً، وقِيام ليلِهِ تطوعًا، من تقرب فِيهِ بِخصلةٍ مِن الخيرِ، كان كمن أدي فرِيضةً فِيما سِواه، ومن أدي فِيهِ فرِيضةً كان كمن أدي سبعِين فرِيضةً فِيما سِواه، وهو شهر الصبرِ، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساةِ، وشهرٌ يزداد فِيهِ رِزق المؤمِنِ، من فطر فِيهِ صائِمًا كان مغفِرةً لِذنوبِهِ وعِتق رقبتِهِ مِن النارِ، وكان له مِثل أجرِهِ مِن غيرِ أن ينتقِص مِن أجرِهِ شيءٌ" قالوا: ليس كلنا نجِد ما يفطر الصائِم، فقال: "يعطِي الله هذا الثواب من فطر صائِمًا علي تمرةٍ، أو شربةِ ماءٍ، أو مذقةِ لبنٍ، وهو شهرٌ أوله رحمةٌ، وأوسطه مغفِرةٌ، وآخِره عِتقٌ مِن النارِ". والحديث وإن كان فيه ضعف إلا أن معناه يحث علي اغتنام أيام الشهر الفضيل بمختلف الطاعات حتي ننال ثمرة الصيام التي هي التقوي. • ماذا يعني صيام داود؟ - كان نبي الله دواد عليه وعلي نبينا الصلاة والسلام يصوم يومًا ويفطر يومًا، وثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: " إن أفضل الصيام صيام داود كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ". وننبه إلي أن صوم التطوع جائز شرعًا في جميع أوقات العام ما عدا الأيام المنهي عن صومها وهي: أيام العيدين، وأيام التشريق وهي الأيام التي تلي عيد النحر، والنهي عن صوم يوم الجمعة منفردًا، والنهي عن إفراد يوم السبت بالصيام، والنهي عن صوم يوم الشك، والنهي عن صوم الدهر أي يحرم صوم السنة كلها، والنهي عن صيام المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه، والنهي عن وصال الصوم، ويكون صوم السائل تطوُّعًا في شهرَي رجب وشعبان فقط دون قيامه بصوم التطوع قبلها جائزًا شرعًا ولا غبار عليه. • المريض الذي لم يستطع الصيام. كم يدفع عن كل يوم أفطره؟ هذه قضية مثارة بين المفطرين أصحاب الأعذار مع دفع الكفارة؟ - الفدية، هي ما يجب علي المسلم المكلف الذي شق عليه الصيام بأن مرض – مثلا-مرضا لا يرجي شفاؤه فأفطر-بقول أهل التخصص من الأطباء -وكان لا يقوي مع مرضه علي الصيام، وكذلك العجوز كبير السن الذي يعجز عن الصيام وتلحقه مشقة شديدة لا تُحتَمَل عادة، فلا يجب عليه نية الصيام من الليل، ولا صيام عليه إن أصبح في نهار رمضان، وعليه فدية طعام مسكين عن كل يوم من الأيام التي يفطرها من رمضان، لقوله تعالي: (وَعَلَي الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة 184. وقدر هذه الفدية-علي المختار-مُدّ طعام من غالب قوت البلد، وهو مقدار ملء اليدين المتوسطتين من غير قبضهما، فمثلا في القاهرة يُعطي المسكين مُدَّ قمح أو ذرة أو أرز أو عدس أو فول أو تمر أو ما شابه من طعام أهل القاهرة، الذي يقوت أبدانهم ويستعينون به علي إقامة أبدانهم، ويمكن دفع القيمة أي ما يعادل هذا من النقود، فإن كان فقيرًا ثبتت الفدية في ذمته، فيخرجها إذا قدر علي إخراجها. وتُخرَج من تركته إذا ترك وفاءً، وعلي افتراض أنه قَوِي بعد ذلك علي الصيام فلا قضاء عليه، بل يجب عليه الفدية؛ لأنه مُخاطَب بها ابتداءً مع حالته المذكورة، وتخرج الفدية والكفارات للفقراء والمساكين الذين لا تجب نفقتهم علي من وجبت عليه، ويجوز إنابة جمعية أو جهة معتمدة لدي الدولة لتوصيلها لمن يستحقها من الفقراء والمساكين. • ماذا عن الصوم في الأشهر الحرم؟ - ذهب جمهور العلماء إلي استحباب الصيام في شهر رجب، كما يستحب صيام باقي الأشهر الحرم، وهي: المحرم، وذو القعدة، وذو الحجة، واستدلوا لذلك ببعض الأحاديث الواردة، منها قوله صلي الله عليه وسلم -حين سئل عن سبب صومه شهر شعبان-: ((ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ)) رواه النسائي ، قالوا: دل هذا الحديث علي أن شهري رجب ورمضان شهرا عبادة وطاعة لا يغفل الناس عنها. • هل الصوم في الحر ثوابه أكبر؟ - بالتأكيد. فالصوم من أفضل العبادات التي يتقرب بها العبد إلي الله سبحانه وتعالي، فمن صام لله يومًا واحدًا إيمانًا واحتسابًا باعده الله عن النار سبعين سنة، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللهِ، بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا". فإذا كان في الصيام مشقة لطول اليوم وشدة حر فإن ثوابه يكون أعظم؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا فِي عُمْرَتِهَا: "إِنَّ لَكِ مِنَ الْأَجْرِ قَدْرَ نَصَبِكِ وَنَفَقَتِكِ". وعَنْ أَبِي مُوسَي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: "خَرَجْنَا غَازِينَ فِي الْبَحْرِ، فَبَيْنَمَا نَحْنُ وَالرِّيحُ لَنَا طَيِّبَةٌ وَالشِّرَاعُ لَنَا مَرْفُوعٌ، فَسَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي: يَا أَهْلَ السَّفِينَةِ، قِفُوا أُخْبِرْكُمْ، حَتَّي وَالَي بَيْنَ سَبْعَةِ أَصْوَاتٍ، قَالَ أَبُو مُوسَي: فَقُمْتُ عَلَي صَدْرِ السَّفِينَةِ فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ وَمِنْ أَيْنَ أَنْتَ؟ أَوَمَا تَرَي أَيْنَ نَحْنُ؟ وَهَلْ نَسْتَطِيعُ وُقُوفًا؟ قَالَ: فَأَجَابَنِي الصَّوْتُ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِقَضَاءٍ قَضَاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَي نَفْسِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَي أَخْبِرْنَا، قَالَ: فَإِنَّ اللهَ تَعَالَي قَضَي عَلَي نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ عَطَّشَ نَفْسَهُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ كَانَ حَقًّا عَلَي اللهِ أَنْ يَرْوِيَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ: فَكَانَ أَبُو مُوسَي يَتَوَخَّي ذَلِكَ الْيَوْمَ الْحَارَّ الشَّدِيدَ الْحَرِّ الَّذِي يَكَادُ يَنْسَلِخُ فِيهِ الْإِنْسَانُ فَيَصُومُهُ". • مقدار زكاة الفطر عن كل فرد بأسعار اليوم؟ - قيمة زكاة الفطر تعادل 2 كيلو ونصف الكيلو من الحبوب عن كل فرد، حيث يقدر مجمع البحوث الإسلامية القيمة وفقا لأقل أنواع الحبوب سعرا وهو القمح. ودار الإفتاء المصرية مالت إلي الأخذ برأي الإمام أبي حنيفة في جواز إخراج زكاة الفطر بالقيمة نقودا بدلا من الحبوب، تيسيرًا علي الفقراء في قضاء حاجاتهم ومطالبهم. ولابد من إخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد، لأنه لو أخرجناها بعد الصلاة، تكون في هذه الحالة مجرد صدقة عادية. • هل العمرة في رمضان ثوابها أعظم من باقي الشهور؟ - نعم. العمرة في رمضان لمن تيسرت له بشروطها مع مراعاة أوليات التعبد والإخلاص فيها أفضل من غيرها فقد ثبت في الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: "عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّة مَعي" متفق عليه، فهذا الحديث دليلٌ علي فضل العمرة في رمضان. • ما رأيكم في تكرار العمرة؟ وما اتخذته مصر والسعودية من إجراءات لمنع تكرارها؟ - تكرار العمرة أمر جائز شرعًا، ولكن يجب أن ننتبه لأمر مهم وهو أن رعاية ومواساة الفقراء أفضل من تكرار الحج والعمرة، فلنتأمل النصوص الشريفة الدالة علي تكرار الحج والعمرة، والتي منها، ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم قال: "العُمْرَةُ إِلَي العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ"، ومنها عن عمر رضي الله عنه، عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: "تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا تَنْفِي الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ". نجد أنها تتناول استحباب تكرار التطوع بالحج والعمرة ما لم يترتب علي ذلك تزاحم الحقوق في أموال المكلفين، وعدم كفاية الفقراء وإنعاش الاقتصاد ومواساة المحتاجين، وهي حقوق وواجبات شرعية واجتماعية، مع تخفيف حدة الزحام حتي يتمكن الحجاج الذين لم يسبق لهم أداء هذه المناسك لأدائها في سهولة ويسر، فلا شك أنه برعاية الحقوق العامة والخاصة ربما يدرك المسلم من الثواب والقبول ما لعله يفوت كثير ممن سافر واعتمر.