نزيف الأسفلت لا يتوقف لا شك أن حوادث السيارات ونزيف الأسفلت المتزايد يجعل مصر تتربع علي ذاك العرش وتتوالي الإحصاءات الرسمية المؤكدة لذلك، فبحسب منظمة الصحة العالمية في تقرير أصدرته قبل عامين تعد مصر ضمن أسوأ عشر دول في العالم من حيث حوادث الطرق المؤدية للوفاة وهناك الكثير من الاتهامات الموجهة للسائقين بأنهم المتسبب الأول في تلك الكوارث، بينما تشير دراسات أخري إلي أن قطع غيار السيارات المغشوشة تتنامي بشدة في مصر، وجميعها أسباب لتضاعف نزيف الأسفلت. خلال المؤتمر الأخير لوزير النقل هشام عرفات أكد أن 78٪ من تلك الحوادث يكون سببها استهتار السائقين أو حالات مرضية مرتبطة بالنوم تجعلهم يفقدون سيطرتهم علي المركبات مما يعرض أرواح الركاب إلي الموت، ولكن لا أحد ينكر أن قطع غيار السيارات المغشوشة تعد أحد الأسباب المهمة في ظل إغراق السوق بها، فبحسب البلاغات الواردة لمباحث التموين والتي لا تتواني عن ضبط آلاف القطع المغشوشة خاصة في منطقتي الأزبكية والتوفيقية فقد كشفت الإحصائية الأخيرة للإدارة الصادرة في 2017 عن ضبط 6 ملايين و687 ألف قطعة غيار مغشوشة ومقلدة لكبري الماركات العالمية للسيارات في 644 قضية لتجار قطع الغيارات، ما يزيد الطين بلة، بخلاف انتشار الصفحات الإلكترونية التي تروج لها ويقبل عليها الكثيرون دون التحري عن مصدرها والذي عادة ما يكون صينياً أو تايوانياً. وبالطبع فإن خطر تقليد قطع الغيار الأصلية يؤثر علي سلامة السيارة وجودتها حيث إن مصافي الوقود المزيفة تسمح بتسرب الغاز وجزيئات معدنية إلي المحرك مما يعمل علي احتمالية نشوب حريق في السيارة، كذا أسطوانات الفرامل والتي تتآكل بسرعة فتجعل السيارة تستهلك مسافة أطول لتوقيف السيارة في المكان المطلوب مما يزيد من عدد الحوادث ولعل ارتفاع سعر الدولار جعل الكثير من أصحاب السيارات لا يقبلون علي مراكز الخدمة المعتمدة والمعروفة باسم "التوكيل" نظراً لارتفاع أسعارها مما يدفعهم للتعامل مع المراكز الخارجية ومحلات بيع قطع الغيار المجهولة مما يجعلهم يقعون ضحية لمافيا المستوردين وورش بير السلم التي تعيد هيكلتها مرة أخري. "آخرساعة" استعرضت كيفية تقليد وغش قطع الغيار، وأهم المناطق التي تتركز فيها تلك التجارة المحرمة، وما تأثيرها علي جودة السيارات علي المدي الطويل. في أحد شوارع التوفيقية يفترش بائعو قطع الغيار الأرصفة ليعرضوا بضاعتهم المتنوعة ما بين تيل الفرامل وفلاتر الزيت وحتي المرايات وآلات التنبيه، يستقبلون زبائنهم بالترحاب والذين هم أغلبهم سائقو سيارات التاكسي وعربات النقل الثقيل الذين وجدوا في تلك المنطقة مبتغاهم من قطع رخيصة، لا يهتمون بالسؤال عن مصدرها أو بلد منشئها، يعاونهم في ذلك أصحاب المحلات الكبري والذين يروجون لبضاعتهم القادمة من دول كبري كألمانيا وإيطاليا وفرنسا وحتي كوريا الشمالية نظراً لشهرة سياراتها في الأسواق المصرية. علي مقربة من محله الكبير يقف ناصر زين (أحد التجار) يستقطب زبائنه حاملاً إحدي تلك القطع معددا مزاياها وجودتها: الكثير من القطع تكون مستعملة استعمالاً خفيفاً ويتم جلبها من دول أوروبية والتي تسمح ببيعها للدول الفقيرة حيث إنها تحرص علي التخلص من الماركات القديمة فتجمعها في أماكن واسعة لحين بيعها ويتسارع المستوردون وتجار قطع الغيار علي استيرادها دون النظر لمطابقتها للمواصفات أم لا ويتم تهريبها عبر عدة موانئ ولكن أشهرها علي الإطلاق ميناء بورسعيد، أما الجزء الأكبر من المستوردين فيهتمون باستيراد القطع التي لم تعد صالحة للاستخدام في بلادها وانتهت صلاحيتها كالصين وتايوان نظراً لانخفاض أسعارها مقارنة بالأخري ويغرقون الأسواق بها بعد تغيير اسم بلد المنشأ وتاريخ الإنتاج في مصانع بير السلم التي يمتلكونها وكذلك العلامة التجارية ويتم بيعها أضعاف أثمانها الحقيقية مستغلين جهل الزبائن. يضيف ناصر: تظهر مخاطرها علي المدي البعيد وقد تكون أحد أسباب حوادث النقل خاصة الصمامات وقواعد المحرك وطلمبات الزيت والإطارات التي قد تؤدي إلي حوادث انقلاب السيارات خاصة أعلي الكباري والطرق السريعة والأدهي من ذلك أن معظم عربات النقل الثقيل تعتمد علي فلاتر الهواء وتيل الفرامل المغشوشة القادمة من الصين والتي يدخل في صناعتها مواد مسرطنة مما يزيد من الطين بلة ويعرض صحة السائقين للخطر. يتفق معه رجب نوح (أحد الباعة): الكثير من الزبائن يجدون صعوبة في التفرقة بين قطع الغيار الأصلية والمقلدة نظرا للغش في العلامة التجارية وتقليدها لكن بسبب ارتفاع الأسعار بات الزبون يبحث عن الرخيص دون التحري من جودته أو أمانه وعادة ما تكون تلك القطع هي في الأصل سيارات تم تقطيعها في الخارج ونقلها إلي مصر علي كونها قطع غيار فمعظم دول أوروبا تستغني عن سياراتها القديمة وتقوم بتحديثها سنوياً وتباع تحت بند "المخلفات" وتصدرها إلي الدول النامية. ولم تكن منطقة التوفيقية وحدها المشهورة بتلك التجارة ففي شوارع الأزبكية وميدان رمسيس تتجلي الظاهرة أيضاً حيث إنها تعد قبلة للزبائن القادمين من المحافظات المجاورة للحصول علي مبتغاهم من قطع الغيار الرخيصة، إكسسوارات مفروشة علي الأرصفة، بائعون ينادون علي بضاعتهم مستغلين حرارة الشمس وفصل الصيف الذي تنشط به عمليات البيع حيث إن ارتفاع درجة الحرارة يؤثر علي كفاءة السيارة وقطع غيارها فضلاً عن عدم إنشاء الدولة مصانع لإنتاج تلك القطع مكتفية باستيرادها، الغريب أن الكثير من الزبائن عندما يشترون منتجاً رديئاً من علي الأرصفة لا يستطيعون إرجاعه أو استبداله مرة أخري علي عكس المحال الكبري التي تسمح باستبداله خلال أسبوعين، فهؤلاء الباعة يستغلون غياب حملات الرقابة علي أنشطتهم لبيع القطع المقلدة . أما الإنترنت فقد نافس محلات بيع قطع غيار السيارات المغشوشة حيث انتشرت صفحات بيعها بأرخص الأسعار مستغلة حاجة الزبائن في الحصول علي المنتجات في أسرع وقت وإمكانية تغييرها إضافة إلي مغازلتهم أنها بضمان الشركة الأم المنتجة للسيارة وكونها أكثر احترافية مما يوفر لهم الكثير من الجهد والأموال.. يقول محمد فتحي أحد المشرفين علي صفحة لبيع قطع الغيار: إغراق السوق بالقطع المغشوشة جعل الكثيرين يفقدون الثقة في كل ما يتم عرضه سواء في المحلات أو علي أرصفة الشوارع لذا فقد حاولنا مساعدتهم بالحصول علي قطع أصلية يتم استيرادها من دول أوروبية مشهورة كألمانيا وتركيا وحتي الصين فليست معظم منتجاتهم رديئة فالمشكلة تكمن في المستوردين الذين لا يتعاملون سوي مع وكلاء غير أمناء لتحقيق مكاسب طائلة دون إدراك الخطر المحدق بأرواح البشر. ويضيف: وتقوم الصفحات التي عادة يشرف عليها مهندسون أو حتي تجار ذائعو الصيت بتقديم الكثير من الخدمات للزبائن كالضمان علي القطع المباعة وإرسال فني متخصص لتركيبها ولك أن تعلم أن هناك مناطق بعينها تحتضن مصانع بير السلم التي تعمل علي غش تلك القطع كمنطقتي أوسيم والبراجيل وهناك منطقة شهيرة تدعي عزبة شلبي الواقعة في منطقة مسطرد حيث إنها باتت مرتعاً لهؤلاء التجار حتي أن قطع الغيار الألمانية والأميركية لم تسلم من غشهم والزبون العادي لا يستطيع التفرقة بينها. من جانبه، يقول جمال عسكر الخبير المروري: تقف تلك القطع وراء بعض الحوادث المرورية القاتلة فكل قطعة لها صلاحية معينة وتختلف عن القطع الأخري فتيل الفرامل والإطارات لابد أن تكون حديثة حتي يشعر السائق بالأمان ويستطيع التحكم في السيارة وتفادي المطبات الصناعية التي تكتظ بها الطرق ولا يتعدي عمرها أكثر من ثلاثة سنوات وتقوم الورش النائية ومصانع بير السلم بإعادة تدويرها مرة أخري وبيعها لسائقي الميكروباصات والتاكسي الذين يجيئون من المحافظات خصيصاً لشرائها دون معرفة الفرق بين المقلد والأصلي. ويطالب عسكر بضرورة تقنين الإجراءات الحكومية التي تسمح باستيراد قطع الغيار المستعملة وتقتصرها في أضيق الحالات منعاً لمثل تلك الحوادث وتشديد الرقابة علي الجمارك والموانئ ولابد من تحجيم ظاهرة السيارات القديمة فهي تساهم في أضرار البيئة وتلويثها.