بالرغم من مرور أكثر من خمسين عاماً، لا تزال الشكوك تحوم حول وفاة البير كامي، الأديب الفرنسي الحائز علي"نوبل"، حيث ظهر أخيرا دليل علي أن حادث السيارة المأساوي الذي أدي لوفاته كان مدبرا من جهاز المخابرات الروسية، بسبب انتقاده لسياسات الاتحاد السوفييتي السابق. وكان الكاتب الشهير الذي وصفته "الجارديان" بزير النساء العنيد، قد توفي سنة 1960 بعدا عامين فقط من فوزه بجائزة نوبل، وقيل وقتها إن سبب الحادث هو انفجار السيارة، بعد خروجها عن الطريق في ظروف جوية جليدية، واصطدامها بشجرة، فتوفي هو علي الفور، بينما توفي صديقه وناشره مايكل جاليمارد الذي كان يقود السيارة، بعد الحادث بأيام قليلة متأثرا بجراحه. ملابسات وفاة المؤلف الفرنسي المتأنق كانت غريبة، حيث عثر في جيبه علي تذكرة قطار كان من المفترض أن يعود بها من بيته في"بروفانس" إلي"باريس"، فقد كان الكاتب ذو الستة والأربعين ربيعاً ينوي العودة بعد عطلة عيد الميلاد بالقطار مع زوجته فرانسين وابنتيه التوأم كاثرين وجين، إلا أن صديقه عرض عليه إيصاله بالسيارة كي يلاقي مصيره المحتوم، وبالإضافة لتذكرة القطار، فقد عثر البوليس علي 144 صفحة مكتوبة بخط يده لرواية لم تكتمل تحمل عنوان"الرجل الأول"، تستند أحداثها علي طفولة كامي في"الجزائر"، والتي تنبأ المحللون أنها ستصبح أفضل أعماله، وفي خضم تلك الأحداث وبسبب صدمة فقدانه المفاجئ لم يلتفت أحد أن الحادث قد يكون وراءه شيء آخر تماماً. وتزعم الآن صحيفة"كورييري ديللا سيرا" الإيطالية أن جواسيس سوفييت ربما يكونون وراء الحادث، اعتماداً علي ملحوظة قالها جيوفاني كاتيللي وهو دارس أكاديمي و شاعر إيطالي، عندما لاحظ أن هناك فصلاً من المذكرات التي كتبها الشاعر و المترجم التشيكي الشهير جان زابرانا، في كتاب تحت عنوان"سيلي زيفوت"، قد تم حذفه في الترجمة الإيطالية للكتاب. في الفقرة المحذوفة كتب زابرانا:" سمعت شيئا غاية في الغرابة، علي لسان شخص يعرف الكثير، نقله عن مصادر عليمة، أن الحادث الذي كلف ألبير كامي حياته كان مدبراً من جواسيس سوفييت، عمدوا إلي إتلاف إطارات السيارة بإحداث ثقب أو قطع بها باستخدام آداة متطورة، بناء علي صدور أمر مباشر من ديمتري ديميتري شيبيلوف وزير الخارجية السوفييتي، كرد فعل علي مقال نشر في مجلة فرنسية في مارس1957، هاجم فيه كامي شيبيلوف ذاكراً اسمه بوضوح ومشيراً إلي مسؤوليته عن أحداث وقعت في المجر، وفي نفس المقال استنكر مجازر شيبلوف وقرار موسكو إرسال قوات لسحق الانتفاضة المجرية سنة1956. وبعدها بعام، زاد كامي من سخط السلطات السوفييتية عليه، عندما أيد علنا الروسي بوريس باسترناك الأديب الحاصل علي نوبل، صاحب رواية "دكتور زيفاجو" التي منع ستالين نشرها، واستخلصت صحيفة كوريير ديللا سيرا أن في ذلك ما يكفي من أسباب، لإصدار أمر من"موسكو" باغتيال ألبير كامي، بالطريقة المحترفة المعتادة لعملاء المخابرات الروسية. إذا كان ذلك صحيحا فسوف يعيد فتح جروح ملايين المعجبين ممن دفنوه في مقبرة لور مارين في الكوت دازور، وكان من بين حاملي نعشه أعضاء فريق كرة القدم المحلي، و الكثير من المواطنين العاديين، ولم تهتز مكانته كرجل وكأديب حتي الآن، ففي العام الماضي حاول الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نقل رفاته إلي البانثيون كي يرقد مع العظماء. من ناحية أخري قال أوليفر تود مراسل البي بي سي السابق في باريس، الذي نشرت له سنة 2000 السيرة الذاتية لألبير كامي، لجريدة الأوبزرفر إنه في خلال بحثه داخل الأرشيف السوفييتي، لم يصادف ما يشير إلي أن موسكو أصدرت أمراً باغتيال كامي قائلاً: "انطباعي الأول، عدم وجود شيء حول نشاط المخابرات الروسية، لكن ذلك الزعم أصابني بالذهول، وعليك أن تسأل نفسك من المستفيد من ذلك الاكتشاف و لماذا؟" و أضاف:" إنه شيء مدهش ومسل، ومن المؤكد أن وثائق المخابرات الروسية تمتلئ بحسابات تبين كيف استخدم السوفييت التشيك في تنفيذ العمليات القذرة، لكن استنادا إلي ماضي المخابرات الروسية،لا أعتقد أن تلك الحكاية حقيقية".