أيقونة »العذراء مريم« محاطة بعشر مشاهد مصغرة من حياتها واحد من التعبيرات الذي طالما ارتبط في مخيلتي بصورة حية هو كون مصر نسيجا واحدا، تلك العبارة التي تتكرر دائما بينما هي ترتبط في مخيلتي بشكل الخيوط المتضافرة التي لا يمكن فكها أو قطع خيط واحد منها دون أن تنفك المنسوجة بالكامل .. لطالما تخيلت امرأة تشبه تلك التي نحتها محمود مختار في تمثاله نهضة مصر تجلس أمام النول تغزل .. فأشعر حقيقة أن هذه هي مصر التي في خاطري .. إن قطعة النسيج التي نقف عليها الآن في القرن الحادي والعشرين إنما هي مزيج من حضارة فرعونية ورومانية ويونانية وقبطية وإسلامية متضافرة معا . ومما لا شك فيه أن الفن القبطي هو واحد من الفنون البديعة التي بدأت - كما يذكر د. مصطفي الرزاز - في القرنين الرابع والخامس بتوظيف خليط من الأساليب التي حوله كاليوناني والروماني والمصري القديم والساساني. بدأ الفن القبطي من قلب الشعب في ظل الخوف من الاضطهاد فاتسم بقدر كبير من البساطة ولكنها بساطة واعية نابعة من روح مخلصة ونابتة من تربة خصبة ، فجاءت علي بساطتها شديدة الثراء بالرمز والدلالة والروح الشعبية .ولعل التواصل هو تلك السمة الأساسية للفنون المصرية، ففي حين حافظ الفن القبطي علي كثير من ملامح الفن المصري القديم ووظف الكثير من أساليب الفن الروماني واليوناني ، وصولا إلي الفن الإسلامي . يحدثنا د. مصطفي الرزاز في مقاله البديع المعنون "حبيب جورجي وراغب عياد وبعث التراث القبطي بمصر" عن ذلك الدور الذي لعبه الفن القبطي كحلقة وصل . أمر آخر غير ذلك التواصل الذي تحدث عنه د. الرزاز يتمثل ويؤكد علي فكرة نسيجنا الواحد هي سمة قبول الآخر .. فلم يعرف الفن المصري علي تاريخه التمييز الديني كما يحدثنا د.عز الدين نجيب .. ففي فترة الحكم العربي الأول لمصر بعد الفتح الإسلامي خرجت الحضارة المصرية في مجالات التعمير والتشييد والإبداع الفني بشتي صوره علي يد أبناء الشعب دون تمييز ، حتي أنه من الصعب بل من المستحيل التفرقة بين أنماط الوحدات الزخرفية وتقنيات الحرف اليدوية بين مسلم ومسيحي. وإذا كنا بدأنا حديثنا عن النسيج ، فلا يمكن أن نتحدث عن الفن القبطي دون أن نتعرض للنسيج القبطي الذي يشكل ملمحا ثريا من ملامح الفن القبطي قديما ، حيث يحدثنا الباحث التاريخي هشام عيد عن القباطي، كما يحدثنا د.عاطف نجيب مدير المتحف القبطي عن الفريسكو والتصاوير الجدارية . ونتعرض للفنون البديعة التي تحتضنها كنائس مصر والتي قام الكاتب المصري جودت جبرا بتعقبها، بالاشتراك مع الباحثة جيرترود ج. م. فان لوون والناشرة كارولين لودفيج؛ في كتاب بديع تمت ترجمته مؤخرا إلي العربية بواسطة أمل راغب وصدر عن المركز القومي للترجمة . وفي ذلك النهر الجاري من الفن بداية من مصر القديم وحتي يومنا هذا ، نجد أن كثيرا من الفنانين التشكيليين المعاصرين يستقون من مفردات هذا النبع ، ففي الفن القبطي مثلا نجد أن الفنان فريد فاضل قد تأثر في كثير من أعماله بالفن القبطي ورحلة العائلة المقدسة وهو علي صفحات هذا العدد يحدثنا عن تجربته في زيارة أديرة مصر المختلفة وتلك الأعمال الفنية التي أبدعها من وحي تلك الزيارات .. كما نستعرض تجربة الفنان عادل نصيف عاشق الفسيفساء الذي قدم عشرات القصص والمشاهد الدينية داخل مصر وخارجها وهو أحد الفنانين الذين اشتهروا أيضا برسم الأيقونة بتلك التقنيات التي عرفها الفنان القبطي قديما .. وإذا كنا في كل مرة نحاول أن نلقي الضوء من خلال مجلة الفنون البصرية علي أحد الموضوعات الثرية، فإننا في موضوع الفن القبطي لم نقدم سوي قبس من فيض ذلك الفن الثري الذي لا تكفيه موسوعات ضخمة. م.ع