صدر مؤخرا الطبعة السابعة من كتاب "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية" للمفكر الدكتور ميلاد حنا عن دار روافد للنشر والتوزيع. يقول حنا فى مقدمة كتابه "لا أعلم على وجه الدقة متى وكيف بدأت، ومتى وكيف انتهت صياغة فكرة "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية"، لافتا إلى أنها من الممكن أن تكون نبتة أو بذرة ظلت تختمر فى عقله ووجدانه، ولكن اليقين لديه الآن هو أنها تمت فى داخله من سنوات طويلة. وفى حوار له ذكره فى الكتاب مع صديق ألمانى وهو الهرر مولف جانج أرنولد الممثل الإقليمى فى مصر لمؤسسة أهلية تعمل للتعاون الثقافى بين مصر وألمانيا- ذكر له ملخص الفكرة، وكيف أن كل مصرى مهما تكن درجة علمه أو ثقافته، ابتداء من أستاذ الجامعة المتعمق والمتفتح على حضارات عصرية إلى الفلاح البسيط الذى لا يقرأ ولا يكتب فى عمق الريف أو صعيد مصر متأثرا بالزمان والمكان، ومن ثم فكل مصرى فى أعماقه أمته من العصر الفرعونى وإلى يومنا هذا، مرورًا بمراحل "اليونانية – الرومانية" ثم القبطية فالإسلام، لا بد أيضا أن يكون متأثرا بالمكان، أى بالموقع الجغرافى المعاصر، ومن ثم فهو "عربى" لأن مصر تقع فى موقع القلب بالنسبة للمتكلمين بالعربية، ثم هو بحر أوسطى بحكم الإطلالة التاريخية والجغرافية على هذا الحوض العتيد الذى تكونت من حوله حضارات العالم – من السلوم ومرسى مطروح غربًا إلى العريش ورفح شرقًا - ولكننى فوق ذلك وقبله، وربما لكى يكتمل العدد إلى رقم 7، لم أنس انتماء مصر إلى أفريقيا التى تقع فى الشمال منها. وأضاف أعجب صديقى الألمانى بهذه "الأطروحة" وأمر بترجمتها إلى الألمانية، وتمحصها، وإذ به يجىء إلى بعد فترة صائحًا- مثلما فعل أرشميدس عندما سبح فى المياه واكتشف قانون الأجسام الطافية- واستطرد: لقد عشت طويلا فى مصر ولكنك جعلتنى أكثر تفهما لمصر.. فقبل قراءة مقالك كنت مثل كل أقرانى فى أوربا وأمريكا نشعر أننا جئنا لمساعدة مصر لأننا نسبقها فى سلم التطور الحضارى، ومن منطلق أن مصر تنتمى إلى "الشرق" وإلى "العالم الثالث" ولكننى أقر أن مصر شىء "مختلف" بهذه التركيبة التاريخية الجغرافية، وأشعر الآن أننى قادر على أن أتعامل مع المصريين بنظرة ومفهوم جديدين، وسيعود ذلك على عملى بالنفع. ولذلك فإنه رغم وجود هذه التركيبة، فى كل منّا، ولكنها انتماءات أو أعمدة ليست متساوية فى الطول والمتانة، وأن اهتمام وتقدير كل منا لهذه الأعمدة داخل نفسه أو فى وجدان الشعب المصرى كله يختلف من إنسان لآخر حسب التركيبة الإنسانية والذاتية، بل لعلها تختلف للفرد والإنسان الواحد مع الزمن، ومن حقبة لأخرى، ففى فترة الشباب يكون الحماس للوطن أو الدين أو القومية العربية وحدها دون غيرها، ومن ثم يكون الإنسان أحادى الانتماء فلديه الأشياء إما بيضاء أو سوداء، ومع تقدم السن والخبرة فى الحياة وتراكم الشعر الأبيض تنمو انتماءات أخرى، يرى الإنسان كثيرًا من الأمور رمادية، وبدرجات متدرجة بين الأبيض والأسود. على أن الأمر يقتصر على هذه الانتماءات السبعة أو غيرها لشخصية المواطن المصرى، لأننا فى النهاية لسنا قوالب أو أنماطًا متكررة، رغم هذه القاعدة والأرضية المشتركة لأمزجة من ينتمون إلى وطن واحد، فلكل منا ذاتيته وخصوصيته وتفرده، ولذلك فقد خصصت الفصل الأخير من الكتاب لتوضيح الانتماءات الشخصية التى تتراكم عادة للفرد، والتى تبدأ مع الأسرة ثم الحى أو القرية ثم المدرسة، فالمهنة فالارتباط بالعمل، فضلاً عن الانتماء الدينى والأيديولوجى، وكيف أن "لعبة الحياة" هى فى حسن استخدام كل منا لما لديه من انتماءات.