بالرغم من أنه لا طعم له ولا لون ولا رائحة، إلا إنه يجعل لحياتنا طعماً ويلوِّنها بكل الألوان وينشر أريج الزهور من حولنا فى كل مكان.. إنه الماء الذى منح الإنسان سر الحياة ومنح البشرية أعظم القوانين التى أفادت الناس فى الكثير من شئون الحياة.. فتُرى ما هذه القوانين؟ وما دور الماء فى اكتشافها؟ فى عام 287 قبل الميلاد، وُلد العالم اليونانى «أرشميدس»، وفى عام 332 قبل الميلاد كان ميلاد مدينة جميلة تطل على البحر المتوسط، مدينة الإسكندرية التى تطل على البحر المتوسط، والتى شيّدها «الإسكندر الأكبر»، وأنشأ بها أقدم جامعة ومكتبة فى التاريخ، يفد إليها طلاب العلم من جميع أنحاء العالم. وكان «أرشميدس» أحد هؤلاء الطلاب الذين جاءوا من اليونان لينهل من العلم بمصر حتى أتم دراسته بجامعة الإسكندرية وشهد له زملاؤه وأساتذته بالنبوغ. وبعد عودته إلى بلده اليونان، لم يكتفِ «أرشميدس» بما تعلمه، فأخذ يبحث فى العلوم الرياضية والطبيعية ويُجرى التجارب على أبحاثه، إذ كان يؤمن بأنه ليس بالقراءة والدراسة فقط يصل العالم إلى هدفه، ولكن لا بد من التجربة العملية، فإذا فشلت التجربة الأولى قام بالتجربة الثانية والثالثة، وبالصبر والإرادة القوية يوفقه الله تعالى حتى يصل إلى النتيجة السليمة ويحقق هدفه. ومن حبه للعلم وصبره على التجارب نجح «أرشميدس» فى ابتكار قانون جديد هو قانون الروافع الذى بواسطته يستطيع الإنسان أن يحرك أثقل الأشياء بواسطة كرة صغيرة لا يزيد حجمها على كف اليد. وكان دائماً يقول «أعطنى مكاناً أقف فيه وأنا أحرك الدنيا». ذاع صيت العالم اليونانى «أرشميدس» واستدعاه الملك «هيرو»، وطلب منه أن يبين له كيف يمكنه أن يرفع ثقلاً كبيراً بواسطة قوة صغيرة، فأعد «أرشميدس» آلة خاصة عبارة عن مجموعة من الروافع والبكرات وركّبها على سفينة كبيرة محمّلة بأشياء ثقيلة، وطلب من الملك أن يُحرك السفينة بيده بعد أن يجذب حبلاً صغيراً متصلاً بالروافع والبكرات، وفعل الملك واندهش الحاضرون، وهللوا إعجاباً باختراع «أرشميدس». ومن شدة إعجاب الملك بالعالم «أرشميدس» أن عينه مستشاراً علمياً فى القصر، وذات يوم أمر الملك «هيرو» بصنع تاج من الذهب الخالص، وأعطى الصائغ كمية من الذهب، وبعد صُنع التاج شك الملك فى أمره، وأراد أن يتأكد من أنه من الذهب الخالص، فاستدعى الملك مستشاره العلمى «أرشميدس»، للتأكد من هذا الأمر من دون أن يُتلف التاج.. كيف إذن؟ فكر «أرشميدس»، وكان أبسط حل هو صهر التاج ووزنه، ولكن كان هذا مستحيلاً، وفى حديقة القصر تجول «أرشميدس» بين الطبيعة الخلابة، ربما يجد حلاً لمشكلة التاج، وأنهكه التعب ففكر أن يستلقى فى حوض السباحة، وهو لا يزال يفكر فى أمر التاج، وكلما انغمس أكثر فى حوض الماء لاحظ أن الماء يفيض من جوانبه، وهنا أدرك «أرشميدس» أنه وجد ما يبحث عنه. وصل «أرشميدس» بسرعة إلى منزله وأخذ قطعة من الذهب مساوية فى الوزن للتاج وقطعة أخرى من الفضة تساوى وزن التاج أيضاً، وغمر قطعة الذهب فى الماء فأزاحت قدراً معيناً منه، ثم غمر قطعة الفضة فى الماء، فأزاحت قدراً أقل منه، فلما وضع التاج فى الماء، وجد أنه أزاح مقداراً متوسطاً بين ما أزاحه الذهب وما أزاحته الفضة، فاكتشف أن التاج لم يُصنع من الذهب الخالص، وكان الفضل فى اكتشافه يرجع إلى الماء الذى منحه شهادة ميلاد قانونه الشهير (قانون الطفو) الذى ساعد على إقامة الكبارى وسيَّر السفن الكبيرة فى البحار وغوَّص الغواصات فى قاع البحار. وكان الماء دائماً مُلهِماً للعالم اليونانى «أرشميدس»، فاخترع آلة لرفع الماء، تشبه «الطنبور» الذى كان يستعمله الفلاحون فى عصر قدماء المصريين. كلمة «وجدتها.. وجدتها..» التى هتف بها العالم اليونانى «أرشميدس» حين اكتشف قانون الطفو.. أصبحت دستوراً للعلم والعلماء بعد ذلك، ولكن قبل أن يهتف العالم «وجدتها» لا بد أن يسأل، فالسؤال هو بداية المعرفة..