وقال القاص الكبير سعيد الكفراوى، بمرور عام على رحيل الكاتب الكبير خيرى شلبى يغيب الجسد ويبقى ما أنتجه إبداعيًا وفنيًا وروائيًا، افتقد "خيرى" وافتقد الأماكن التى جمعتنا من شرق المدينة إلى غربها، أمكان شهدت علاقتنا بالأدب والفن والرواية والقص، وحكايات تواريخ الفنون، وتواريخ أهالينا فى القرى. ويوضح "الكفراوى" أن "شلبى" يتجسد فى عدة رؤى، منها علاقته بالمشهد القروى، هو أحد الكتاب الذين شكلت القرية أهم أعمالهم ورؤاهم الفنية، وهو ابن هامش المدينة من مقبرة الإمام إلى ضريح الوالى بالقرب من طريق صلاح سالم، خبر المكان والبشر، وكون إحساسه بمعايشته، لبشر هذه الأماكن، كما أنه واحد من المعبرين الكبار عن أهل الهامش ومثلما كان "تيشخوف" مع المرضى وكان "موبيسان" مع البغايا وكان "هيمنجواى" مع المغامرين ومخترقى الآفاق، كان "خيرى" مع البسطاء وطالبى الستر وتجسد ذلك فى وكالة عطية، وصالح هيصة، وزهرة الخشاش، وموال البيات وأسباب للكى بالنار. ويقول "الكفراوى" عاش "خيرى" بيننا يمثل بهجة الحكى المصرى واصطنع لنفسه أسلوبًا منحوتًا من روح العامية ممتزجة بالفصيحة، كان خيرى أحد الروائيين الكبار الذى اقتربوا من حنايا المصريين وأرواحهم وعبر عن عنهم بصدقٍ فريد. وعن الأماكن فى حياتهما معاً، يروى "الكفراوى" كنا نجلس فى قايتباى، مقهى فى قلب المقابر، فى المنطقة بين طريق النصر، وصلاح سالم، بجوار الجامع العظيم للسلطان قايتباى، وقديمًا كنا نجلس على المقاهى القديمة فى معروف، حتى جاءت فترة مقهى ريش، حيث كنا نتحلق حول الرائد العظيم نجيب محفوظ، فى ندوته الأسبوعية، ثم انتقلنا إلى زهرة البستان بعد أن أغلقت ريش فترة من الزمن، خيرى يتوازى عمره مع المقهى منذ غادر قريته إلى دمنهور، ومن دمنهور إلى الإسكندرية، ومن الإسكندرية إلى القاهرة، حيث عاش المدينة بكل الصدق، وكتب تلك التجربة فى كتاب من أهم كتبه اسمه "موال البيات والنوم"، وهو كتاب عنوانه الصدق، فيه سعى خيرى عن الأماكن التى كان يبحث عنها لينام ليلته ومن ثم يقابل البشر فى تلك الأماكن. وأنا وخيرى أبناء قرى، كون وعينا تراث القرية وكان يشاركنا فى هذه الصفة الشاعر الكبير الراحل محمد عفيفى مطر، وكنا إذا اجتمعنا امتد بيننا بساط الحكى، أو بلغة خيرى "حصيرة الحكايات" كل يضيف مشهدًا من طفولته، علاقة آباءنا بالمواسم، وبالحكايات، وأساطير القرية، وحكايتنا عن الموت، باعتباره ليس نهاية للحياة، ولكنه امتدادا لها، كما فى عقيدة المصريين القديمة، وكنت أتصدى لخيرى وفى أحيانٍ كثيرة أتفوق عليه واهزمه وكان يردد جملته الشهيرة "الواد دهون لو يكتب زى ما بيتكلم ياخد جايزة نوبل" وهكذا كانت ليالينا تنهض لاستدعاء الماضى باعتباره أصدق الأزمنة لأن الحاضر والمستقبل يذهبان إليه، وفى اعتقادى أن ما كتبته أنا وخيرى شلبى انشغل بتلك المنطقة الغامضة، من روح المصريين.