قبل أيام أعلن الأزهر الشريف أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب استقبل السيدة هناء حسين حفيدة الشيخ محمد رفعت، وأكد خلال اللقاء أن الأزهر سوف يتكفُّل بترميم 100 إسطوانة نادرة عثر عليها حديثاً تضم قراءات لم تُذَع من قبل لقيثارة السماء الشيخ محمد رفعت. تحمل تفاصيل الخبر نفحات من كرامات الشيخ رفعت المتصلة التى تبهرنا دائما وكأنه لم يرحل، ومن عطاء وكرم وتواضع وزهد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب وحرصه ومحبته للعلماء والمشايخ وكل ما يخدم كتاب الله، وتحمل أيضاً دأباً طويلاً ومثابرة وصبراً من الحاجة هناء حفيدة الشيخ رفعت التى لم تيأس طوال رحلة تزيد عن ثلاثين عاماً ليخرج تراث جدها إلى النور، فأكرمها الله وأكرمنا بمكافأة كبرى وهى العثور مؤخرا على اسطوانات لم نسمعها من قبل للشيخ الجليل، توصل لها الإعلامى الدكتور محمد سعيد محفوظ خلال إعداد فيلم " الوصية". ملحمة نورانية حملتها التفاصيل، وكأنما كتب الله للشيخ رفعت ولصوته الخلود، فبين حين وآخر تظهر قراءات وتسجيلات له لم تكتشف بعد، يفيض علينا بنفحاته كالنهر الذى لا ينضب، رغم رحيله منذ 75 عاما، تروى محبته قلوب ملايين المخلصين الذين ما اقترب أحدهم من سيرته إلا سحرته المحبة وأصابته بركات الشيخ وكراماته. تحدثت مع الحاجة هناء وكان صوتها يتهلل فرحاً بعد لقاء شيخ الأزهر وما شهدته فى هذا اللقاء من حفاوته وحبه وتقديره للشيخ رفعت، وتعهده بأن يتولى الأزهر ترميم 100 اسطوانة من كنوزه، التى لم يسمعها الجمهور، مؤكداً أن الأزهر الشريف لن يدخر جهدًا في حفظ تراث قراءات الشيخ محمد رفعت وصونها ونشرها بالصورة التي تليق بمكانته، انطلاقًا من مسؤلية الأزهر التاريخية في حفظ التراث القرآني لكبار القراء، وتقديرًا لقيمة قيثارة السماء الشيخ رفعت. روت الحفيدة كيف أسرها تواضع الإمام الأكبر، وهو أمر يعرفه كل من تعامل معه، فيأسره بمحبته وبساطته وورعه وتقواه ورقة قلبه، حدثتنى كيف أصر على الوقوف لها، وحين حاولت منعه، قال إنه يقف إجلالاً للشيخ رفعت، واندهشت حين علمت خلال اللقاء أن الشيخ الطيب لا يملك سيارة خاصة، لم تدهشنى المعلومة لعلمى بتفاصيل أخرى عن زهد وورع وتواضع الإمام الأكبر، فهو منذ توليه منصب شيخ الأزهر تنازل عن راتبه، وعن قيمة الجوائز التي حصل عليها خلال توليه المنصب، وليس لديه خدم في شقته التى لم يغيرها طوال مدة إقامته في القاهرة، وكان حتى وقت قريب يرد على تليفون منزله بنفسه. شهدت رحلة جهاد حفيدة الشيخ محمد رفعت منذ لقائى بها فى مايو 2018، حينها كشفت لى أن لدى الأسرة كنوز من تراث الشيخ محمد رفعت لم تر النور، بذلت السيدة السبعينية كل ما فى وسعها وطرقت كل الأبواب كى تخرج هذه الكنوز إلى محبيه وعشاق صوته، كما فعل والدها وأعمامها قبل رحيلهم، ثم حملت هى وشقيقها الراحل علاء الراية من بعدهم. كان هذا التراث الذى بحوزتهم عبارة عن 15 ساعة بصوت الشيخ رفعت سجلها له زكريا باشا مهران عضو مجلس الشيوخ، ولولاه ما وصل إلينا أغلب ما نسمعه من تراث الشيخ ، ومالم نسمعه بعد، وقد حصل أبناء قيثارة السماء على هذا التراث بعد رحيل والدهم ورحيل زكريا باشا، حيث أهدتهم زوجته زينب هانم مبارك ما بحوزتها من أسطوانات، فأعدها الأبناء وأهدوا للإذاعة 15 ساعة من تلاوات والدهم، التي نسمعها منذ وفاته عام 1950، وبقى بحوزة الأسرة 15 ساعة أخرى تحتاج إعداداً وتجهيز لتكون صالحة للإذاعة، إذ أن التسجيل كان على جهاز جرامافون وعلى اسطوانات مدة الواحدة ثلاث دقائق فقط. وخلال سنوات طويلة رحل فيها أبناء الشيخ رفعت بعد محاولات مضنية لإعداد باقى ما لديهم من تراث والدهم، تسلم الأحفاد الراية، وخاضوا محاولات عديدة بإمكانيات محدودة لإصلاح ومعالجة هذه الأسطوانات، وهى عملية تحتاج تقنيات وإمكانيات عالية، وحين قابلنا الحفيدة في 2018 كانت تجاهد وتسابق الزمن لتحقيق هذا الهدف، ويعاونها صفوت عكاشة راعى تراث الشيخ محمد رفعت الذي عاش عمره في خدمة وترميم تلاوات الشيخ رفعت وبدأ هذه المسيرة مع أبناء الشيخ قبل رحيلهم. نشرنا نداءات كثيرة ندعو فيها كل الجهات للعمل على أن تخرج كنوز الشيخ رفعت للنور، وتوالت النداءات حتى تبنت مدينة الإنتاج الإعلامى مسئولية إعداد التراث الذى بحوزة الأسرة، وفى مارس 2024 أعلن عن معالجة تراث الشيخ رفعت الذى لم يسمعه الجمهور من قبل، ليستمع محبو الشيخ رفعت لتسجيلات جديدة بصوته بعد وفاته بما يقرب من 75 عاماً. وحين شرع الإعلامى الدكتور محمد سعيد محفوظ في إعداد فيلم "الوصية" ، وهو دراما وثائقية عن حياة الشيخ رفعت، كانت المفاجأة الكبرى عندما توصل إلى أحفاد زكريا باشا مهران وزينب هانم، ليكتشف كنزاً جديداً للشيخ الراحل عبارة عن صندوق خشبى يضم ما يقرب من مائة اسطوانة بها تلاوات احتفظت بها أسرة الباشا ولم تخرج للنور، فى نفحة جديدة من نفحات الشيخ رفعت التي يجود بها على محبيه بعد رحيله بسنوات طويلة. وبعد الانتهاء من إعداد الفليم الذى أنتجته شركة ميدياتوبيا وقام ببطولته الفنان الموهوب محمد فهيم، وحصوله على جائزة خاصة من مهرجان الإسكندرية السينمائى، سعى الدكتور محفوظ حتى تبنى الأزهر الشريف مهمة إعداد وترميم هذا الكنز الجديد، والتقى شيخ الأزهر فى لقاء حضرته حفيدة الشيخ رفعت وصفوت عكاشة ، وعدد من قيادات الأزهر، ليعلن الإمام الأكبر تكفل الأزهر الشريف بترميم مائة أسطوانة نادرة، معبراً عن محبته لإمام المقرئين، وأن الأزهر أولى بمهمة رعاية تلاواته وترميمها. وبهذا الكشف يكتمل ما يقرب من 70 % من تلاوات الشيخ رفعت للمصحف الشريف- وفق ما أكده محفوظ- كما أنه يتيح تحسين جودة التسجيلات السابقة لقيثارة السماء. وهكذا سخر الله كل الأسباب كى يعوض الشيخ رفعت الزاهد العابد الصابر، فبالرغم من أن الإذاعة المصرية لم تمتلك وقت رحيله سوى شريطين من تسجيلاته، أحدهما لجزء من سورة مريم والثانى لجزء من سورة الكهف، حيث كان يقرأ ويؤذن على الهواء مباشرة، إلا أن الله سخر له من المحبين المخلصين من يكتشفون ويحفظون تراثه، عبر العصور حتى عاد صوته يصدح من جديد بتلاوات لم يسمعها عشاقه من قبل. رحم الله الشيخ رفعت وبارك فى الإمام الطيب وأكرم كل المخلصين الذين عملوا على أن تخرج كنوز قيثارة السماء للنور، ومنهم الدكتور محمد سعيد محفوظ كاتب ومخرج فيلم الوصية ومكتشف الكنز الجديد من تراث قيثارة السماء الذى كتب الله لصوته أن يبقى متجدداً إلى يوم الدين.