بافتتاحه، يعيد المتحف المصرى، لمصر وللعالم ذاكرة الإنسانية الأولى، مؤكدًا مكانتها كصاحبة أقدم وأغنى حضارة في التاريخ، هذا الصرح العملاق، الذى يجاور أهرامات الجيزة، ليس مجرد متحف، بل شهادة خالدة على عظمة المصرى القديم وإبداع المصرى الحديث الذى نجح فى تجسيد التاريخ بأبهى صوره. يعد المتحف المصري الكبير أعظم توثيق حي للحضارة المصرية عبر العصور، فالمقتنيات المعروضة ليست مجرد قطع فنية، بل وثائق ناطقة بتاريخ البشرية وصفحات مفتوحة من سجل الإنسانية، تروى من خلال تلك المقتنيات التى تشهد على عبقرية الإنسان المصرى الذى خط أول سطر فى كتاب التاريخ، وكما يقال: صورة واحدة توازى ألف كلمة، فماذا عن متحف يضم مائة ألف أثر؟ إنه التوثيق الحقيقى الذى لا يمحى، والذاكرة البصرية التى تنطق دون أن تتكلم. يمتاز المتحف بأسلوب عرض متكامل يسرد التاريخ المصرى بطريقة زمنية متسلسلة، تبدأ من فجر الإنسانية، ففى قاعاته، تعرض أقدم فأس في مصر، وعمرها نحو سبعين ألف سنة، لتبرهن أن جذور المصريين تمتد لأكثر من مئتي ألف عام، ومن هناك، تنطلق رحلة الزائر عبر مراحل بناء الدولة المصرية القديمة والوسطى والحديثة، مرورًا بالعصور اليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية، وصولًا إلى مصر الحديثة، إنها تجربة بصرية مدهشة تتنقل بين العصور لتربط الماضي بالحاضر في سرد متدفق يجمع بين العلم والجمال والدهشة. في بهو المتحف الكبير، يقف تمثال الملك رمسيس الثانى شامخًا، كأنه يستقبل زواره ب "تحية الملوك"، لوجود هذا التمثال في صدر المتحف رمزية عميقة، فرمسيس الثانى ليس مجرد ملك، بل رمز للعظمة الوطنية والحضارية، و هو صاحب أول معاهدة سلام عرفها التاريخ، "معاهدة قادش"، التى جسدت رؤية مصر للسلام منذ آلاف السنين، وقد وصفه أمير الشعراء أحمد شوقي بأنه "عظيم من عظماء آبائه العظماء". اختيار تمثال رمسيس ليكون أول ما يراه الزائر لم يكن تفصيلًا عابرًا، بل قرارًا واعيًا يعكس رؤية وطنية وحضارية متكاملة، أن تبدأ رحلة الزائر من أمام رمز القوة والسيادة، ثم تنطلق إلى قلب التاريخ المصرى الذى أضاء العالم بمعارفه وفنونه، فالمتحف المصرى الكبير ليس مجرد مساحة للعرض الأثرى، بل منظومة ثقافية وعلمية متكاملة، حيث يضم معامل ترميم على أعلى مستوى، ومراكز بحث وتعليم، وقاعات عرض تفاعلية تعيد تقديم التاريخ بأساليب تكنولوجية حديثة، بهذا المزج بين الأصالة والمعاصرة، يصبح المتحف ليس فقط مرجعًا للأثريين، بل تجربة معرفية وإنسانية لكل من تطأ قدماه أرض مصر. هذا الإنجاز العملاق ثمرة سنوات طويلة من العمل المتواصل، شارك فيه آلاف الخبراء والمهندسين وعلماء الآثار المصريين والدوليين، وقد أثبتت الدولة المصرية، أن الاستثمار في الثقافة والتراث هو استثمار فى الوعى الوطنى والهوية، ورسالة سلام من مصر إلى العالم أجمع. اليوم، يقف المتحف المصرى الكبير كأيقونة حضارية عالمية، تجسد رؤية مصر الحديثة التي تضع ماضيها العريق في خدمة مستقبلها المشرق، ومن داخل بهوه المهيب، حيث يطل رمسيس الثاني في صمت الملوك، يتردد في الأرجاء صدى رسالة خالدة "ذاكرة مصر الحية ورسالة الحضارة إلى العالم".