معايير النجاح دائما ما تكون القدرة على العمل فى كل الملفات المهمة والجماهيرية فى وقت واحد تولى الدكتور مصطفى مدبولى، مسؤولية حكومته الثانية فى يوليو 2024، وذلك بعد الكثير من التكهنات والتساؤلات عن مدى قدرة الحكومة على الوفاء بمطالب الناس، والعمل فى كل الملفات مرة واحدة، لأن معايير النجاح دائما ما تكون القدرة على العمل فى كل الملفات المهمة والجماهيرية فى وقت واحد وعدم إهمال ملف على حساب آخر. وخلال تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسى، لحكومة الدكتور مدبولى الحالية، وجه الرئيس بمنح أولوية لملف «بناء الإنسان فى مجالات الصحة والتعليم، والمشاركة السياسية، وتطوير ملفات الثقافة والوعى»، ثم إن رئيس الوزراء قدم برنامج حكومته أمام مجلس النواب، ووعد بالعمل على 4 محاور وتعهد بتقديم تقارير أداء للمجلس بشكل دورى، أيضا بتوجيهات الرئيس عقد مدبولى لقاءات مع رؤساء التحرير، ورجال الأعمال، والنخب، واستمع للآراء ووعد بالاستجابة إلى آخر القصة التى نعرفها ويعرفها الجميع. وبعد أكثر من عام، هناك بعض الوعود تحققت والكثير منها لا يزال ينتظر، ولا نبالغ بالقول إن الكثير مما يتحقق فهو نتاج تدخلات وتوجيهات الرئيس، وليس غالبا من اجتهادات الوزارات، أو الحكومة، والتى تمارس نفس سلوكيات الكلام من دون نتائج واضحة فى بعض الملفات. وقبل أيام تناولت ملفا مهما يتعلق بالصحة والعلاج، وقد تحدث رئيس الوزراء عن تحسن كبير فى ملفات الصحة، وضرب مثلا بفيروس سى أو قوائم انتظار العمليات الخطرة، وقلنا إنها نجحت لكونها ملفات تمت بمبادرات رئاسية ومتابعة من الرئيس، وما زال ملف «توافر الدواء» لم تتحقق فيه وعود رئيس الوزراء بإنهاء ملف نقص الدواء، ومؤخرا قال إن سعر الصرف تحسن والاحتياطى تضاعف، ومع هذا فإن أصنافا كثيرة لا تزال ناقصة، وعندما نتحدث عن الدواء نتكلم عن سعلة لا يمكن استبدالها، أو الاستغناء عنها، وبجانب هذا فإن ملف التأمين الصحى الشامل يحتاج إلى تعامل بشكل أقوى وأسرع، وقد وجه الرئيس عبدالفتاح السيسى الحكومة مرات بهذا. ونقول إن ملف العلاج والصحة بحاجة إلى عمل يتجاوز الكلام والإعلان أن كل الأمور تمام، لأن العلاج على نفقة الدولة وملف المستشفيات الخاصة والعامة وقرارات العلاج وغياب منظومة التواصل التى تسهل للمواطن طلب العلاج والحصول عليه خاصة إذا كان من محدودى الدخل أو ممن ليس لديهم مظلات تأمينية، وحتى منظومة الشكاوى الحكومية بالرغم من أنها تعمل، لكنها أصبحت أقرب للروتين، حيث تغيب قنوات الاتصال العاجلة، وحتى التفاخر بعدة عشرات الآلاف من الشكاوى التى تصل إلى المنظومة، تشير إلى خلل فى نظام التواصل والعمل الحكومى وتتطلب تدخلا وتنظيما يتناسب مع تطورات التكنولوجيا، وبصراحة لا يكفى أن تكون هناك بيانات أو أرقام يتم استعراضها أو إطلاقها، بينما الواقع يختلف. قبل أيام كنت قد لبيت دعوة الوزيرة النشيطة الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولى، مع زملاء من الكتاب والصحفيين، حول «السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية: السياسات الداعمة للنمو والتشغيل»، والتى عرضتها الوزيرة مرفقة بالأرقام والبيانات التى تشير إلى تقدم كبير فى السياقات ونسب النمو والتشغيل، وتطرقت الوزيرة إلى الاستثمار فى الصحة، ويومها توجهت بسؤال للوزيرة حول مدى القدرة على تلبية مطالب وتساؤلات الناس فى ملف الصحة، وقالت إن الحديث عن الاستثمار الخاص فى الصحة ينقل التصور إلى المستشفيات الخاصة، وأن الملف الصحى بحاجة إلى تطوير، وعمل حقيقى، ويومها ردت الوزيرة مشكورة بأن كل ما طلبه وزير الصحة من ميزانيات للصحة تم توفيره فى الموازنة، بما يعنى اهتمام الدولة بتوفير كل ما هو مطلوب للوزارة وللصحة. والواقع إننى أركز على ملف الصحة لأنه الأهم والأكثر ارتباطا بحياة الناس، بجانب أن المواطن يمكنه استبدال الطعام والملبس لكنه لا يمكنه استبدال العلاج. وأعود إلى برنامج ووعود الحكومة فيما يتعلق بالملفات الحيوية، عندما يوجه سؤال إلى رئيس الوزراء: متى يشعر المواطن بالتحسن وأنتم تعلنون تحسن الاقتصاد واستقرار الصرف، فيرد مدبولى بأن المواطن سوف يشعر تدريجيا بالأسعار أو الخدمات، لكن تبقى الإجابة عامة خالية من المعنى. وحتى فيما يتعلق بملف الإسكان مثلا، فقد تحدث رئيس الوزراء عن إنجاز إزالة العشوائيات، وهو حقيقة تمت بمبادرة وتدخل من الرئيس عبدالفتاح السيسى، ضمن أهم المبادرات العظيمة، ومعها ملف المناطق الخطرة، لكن ملف الإسكان الاجتماعى يحتاج إلى ما هو أكثر من كلام، وحتى الإسكان المتوسط فإن الأسعار تضخمت فى القطاع الخاص والعام بشكل جعل أغلبية من الطبقات الوسطى يعجزون عن الحصول على مسكن، بينما توجيهات الرئيس السيسى كانت دائما أن كل من يطلب شقة يحصل عليها حسب إمكاناته. وطالما نتحدث عن برامج ووعود، فالواقع أن الرئيس السيسى فى وسط انشغالاته بأخطر الملفات، هو الذى دعا إلى الحوار الوطنى، والذى عقد على مدى أكثر من عامين، وكانت هناك توصيات وآراء ولجان مشتركة فى كل الملفات، ويفترض أنها تعبر عن آراء ومداخلات التيارات السياسية والنخب والخبراء، لكنها دخلت مجال النسيان. لا أحد ينكر الجهد المبذول فى الاقتصاد والنمو والمشروعات، لكن على الحكومة أن تعمل بنفس سرعة وتوجيهات الرئيس السيسى، وأن تراجع وعودا بعضها تحقق وبعضها ينتظر.