في خطوة غير مسبوقة بتاريخ فرنسا، حُكم، الثلاثاء، على الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، بالسجن 5 سنوات بتهمة التآمر الجنائي المرتبط بتمويل غير قانوني لحملته الانتخابية من ليبيا. ووفق «فرانس 24»، يُمثل هذا سقوطًا مُدويًا لساركوزي، الذي واجه معارك قانونية عديدة منذ تركه منصبه عام 2012 ليصبح الآن أول رئيس فرنسي يواجه عقوبة سجن منذ عقود. ونقل «ساركوزي» الذي يبلغ من العمر 70 عامًا إلى قسم العزل داخل السجن، حيث يقيم في زنزانة انفرادية لضمان أمنه وسرية احتجازه، وفق صحيفة «لو باريزيان» الفرنسية. وغادر «ساركوزي» منزله في باريس قرابة الساعة التاسعة صباحًا وسط هتافات مؤيديه، من الذين توافدوا لدعمه بعد دعوة وجهتها عائلته. ساركوزي: سأتحمل مسؤوليتي..وسأنام في السجن وأنا مرفوع الرأس وقال رئيس فرنسا الأسبق، للصحفيين بعد النطق بالحكم «سأتحمل مسؤولياتي، وسأمتثل لاستدعاءات المحكمة، وإذا كانوا يريدون مني النوم في السجن، فسوف أنام في السجن ولكن رأسي مرفوع». وأضاف: «أنا بريء، هذا الظلم فضيحة، لن أتهم نفسي بشيء لم أفعله»، مؤكدًا أن الكراهية تجاهه «لا حدود لها بالتأكيد». لقد كانت الدراما والتحدي من سمات ساركوزي، الذي لا يزال ينظر إليه من قبل بعض المؤيدين على اليمين باعتباره المنقذ الديناميكي لبلاده، ولكن من قبل منتقديه باعتباره شعبويا مبتذلًا غارقًا في الفساد . وفي وقت سابق، كشف ساركوزي لصحيفة «لوفيجارو» أنه سيواجه السجن «برأس مرفوع»، حاملا معه كتابين: سيرة عن المسيح، ورواية «إلكونت دي مونت كريستو»، التي تجسد قصة بريء أدين ظلمًا. ورغم صدور الحكم في ظل قانون أقر عام 2019 بمبادرة من الأغلبية الحاكمة، أبدى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون تعاطفًا على المستوى الإنساني، واستقبل ساركوزي الجمعة، قائلًا إن «احترام استقلال القضاء واجب، لكن من الطبيعي أن ألتقي أحد أسلافي في ظل هذه الظروف الصعبة». كما أعلن وزير العدل جيرالد دارمانان وهو أحد المقربين من ساركوزي، عزمه زيارته في السجن للاطمئنان على ظروف احتجازه، وهو ما أثار انتقادات لاذعة من نقابات القضاة التي رأت في الخطوة خلطا خطيرا بين موقع الصديق ودور وزير العدل. وتقدم محامو الرئيس الأسبق رسميا بطلب إفراج مؤقت، ومن المرتقب أن يبت فيه خلال الأسابيع المقبلة. لكن بخلاف قرار الإيداع، لن تؤخذ الاعتبارات الرمزية أو تأثير الحكم في الرأي العام بعين الاعتبار. فبموجب القانون، لا يجوز استمرار احتجازه إلا إذا كان ذلك الوسيلة الوحيدة لتجنب الضغط على الشهود، أو خطر الهروب، أو التكرار، أو التواطؤ مع أطراف أخرى، وإذا لم تتوفر هذه الشروط سيفرج عن ساركوزي، وقد يخضع لإقامة جبرية ومراقبة إلكترونية. وكانت محكمة باريس الجنائية قد قضت في 25 سبتمبر بسجن ساركوزي 5 سنوات 3 منها نافذة، بتهمة التورط في لقاءات سرية مع مسؤولين من نظام الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي عبر مقربين منه، بهدف تمويل حملته الانتخابية بطريقة غير مشروعة. وواجه ساركوزي سلسلة من المشاكل القانونية، منذ فشل في إعادة انتخابه رئيسا في العام 2012. وأثار الحكم بالإيداع المباشر في السجن، صدمة كبيرة في الأوساط السياسية، واعتبره كثيرون سابقة خطيرة بحق رئيس سابق. وبرر القضاة قرار الإيداع ب«الخطورة الاستثنائية للأفعال»، والتي من شأنها تقويض ثقة المواطنين في ممثليهم. في المقابل، هاجم ساركوزي القرار واصفا إياه ب«الظلم». نيكولا ساركوزي: «لن تسمعوا عني بعد الآن» ولد ساركوزي في 28 يناير 1955، وهو من عشاق كرة القدم وركوب الدراجات، وهو سياسي فرنسي غير نمطي، وفق «فرانس 24». ساركوزي، ابن لأب مهاجر من المجر، حاصل على شهادة في القانون، ولكن على عكس معظم أقرانه لم يلتحق بالمدرسة الوطنية للإدارة الحصرية، وهى خط الإنتاج القديم للقادة الفرنسيين في المستقبل. بعد فوزه بالرئاسة في سن 52، اعتُبر في البداية بمثابة جرعة حيوية ضرورية، إذ أحدث ضجة على الساحة الدولية، وجذب أنظار عالم الشركات، واتخذ موقفًا حازمًا تجاه قضايا الهجرة والأمن والهوية الوطنية. ولكن رئاسة ساركوزي طغت عليها الأزمة المالية التي اندلعت عام 2008، فغادر قصر الإليزيه بأدنى معدلات الشعبية بين زعماء فرنسا في فترة ما بعد الحرب حتى ذلك الحين. [image:3:center] ولم ينس سوى القليل في فرنسا زيارته لمعرض الزراعة في باريس عام 2008، عندما قال لرجل رفض مصافحته «ابتعد عن هنا أيها الأحمق». لقد فشل ساركوزي في الفوز بفترة ولاية ثانية في عام 2012 في جولة الإعادة ضد الاشتراكي فرانسوا هولاند، وهى هزيمة مؤلمة لا يزال يشعر بالمرارة بسببها لأكثر من عقد من الزمان. لقد جعلت الهزيمة التي تلقاها ساركوزي في عام 2012 أول رئيس منذ فاليري جيسكار ديستان (1974-1981) يُحرم من فترة ولاية ثانية، مما دفعه إلى الوعد الشهير: «لن تسمعوا عني بعد الآن». وبحسب «فرانس 24» تبيّن أن هذا التوقع بعيد كل البعد عن الحقيقة، نظرًا لزواجه من النجمة الموسيقية وعارضة الأزياء كارلا بروني وعودته إلى الساحة السياسية، لكن هذه العودة انتهت بفشله في الفوز بترشيح حزبه لخوض غمار الرئاسة مرة أخرى عام 2017.