مع كل أزمة تقع، تجد مصر نفسها في مرمى الانتقادات والهجوم غير المبرر من أطراف كثيرة، بعضها يدعي الحرص على القضايا العربية، وأخرى تختبئ خلف شعارات زائفة. وبينما تتصاعد الأصوات المحرضة، فإن مصر، بتاريخها ودورها المحوري، تجد من يصوب سهامه نحوها، متجاهلًا الحقائق الناصعة التي تثبت مواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية لعقود طويلة. منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، ظلت مصر في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية، لم تكن مجرد وسيط سياسي أو لاعب خارجي ينظر للقضية من منظور المصالح فقط، بل دفعت مصر الثمن غاليًا من دماء أبنائها وآلام شعبها على مر السنين. بين الشهداء الذين سقطوا على الأرض الفلسطينية وبين الدعم المستمر اقتصاديًا وسياسيًا، وقفت مصر رافضة التخلي عن مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية تجاه فلسطين وشعبها. واليوم، في ظل طوفان الأزمات والتصعيد في غزة، تظل مصر ترعى القضية الفلسطينية بصدق وشفافية، رغم كل محاولات التشويه. تتعالى بعض الأصوات التي تزايد على دور مصر وتتهمها بالتقصير، بينما أصحاب تلك الأصوات لم يطلقوا طلقة واحدة تجاه الاحتلال ولم يتخذوا أي خطوة حقيقية لدعم غزة. أين كانت حكوماتكم وجيوشكم طوال هذه العقود؟ لماذا لا تبدأ بتحمل مسؤولياتها إذا كانت صادقة؟ الطريق إلى غزة ليس حكرًا على أحد، فمن أراد الدعم الحقيقي فلا تعيقه الحدود. في المقابل، ترى هؤلاء يلقون اللوم على القاهرة كجزء من حملة ممنهجة هدفها إضعاف مكانة مصر وخلق حالة من الضبابية حول مواقفها الوطنية الثابتة، ولكن مصر، التي لا تهتز أمام الضغوط ولا تسقط في الفخاخ الإعلامية المضللة، تستمر في تأدية دورها دون ابتزاز أو مساومة. مع بداية التصعيد الأخير في قطاع غزة، شكلت مصر الممر الأول والوحيد لإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع المحاصر، عبر معبر رفح وحده، وقدمت أكثر من 70% حتى الأن من الإمدادات الحيوية لإنقاذ الأرواح في غزة، وبرغم كل الصعوبات والتهديدات الأمنية والتحديات اللوجستية، ظلت مصر ملتزمة بموقفها، مدركة أن الدور الأخلاقي والسياسي الذي تحمله لا يمكن التخلي عنه. لكن ما لا تسمح به مصر هو تحويل القضية الفلسطينية إلى ورقة للمزايدات أو أن يتم استخدامها لتحقيق أجندات تخدم أطرافاً لا تهدف إلا للابتزاز السياسي والمكاسب الشخصية أو الإقليمية بأي ثمن. تمسكت مصر بموقفها الواضح؛ رفضت التهجير القسري، دافعت عن حل الدولتين وتشبثت بعدم مقايضة الحقوق الفلسطينية على حساب الأمن المصري القومي. القضية الفلسطينية ليست ساحة للتباهي بالشعارات الفارغة ولا ميدانًا لتحقيق مكاسب سياسية مرحلية، من يريد نصرة فلسطين فعليه مواجهة العدو الحقيقي: الاحتلال الإسرائيلي. أما تلك الحملات التي تهدف للنيل من مصر وتشويه صورتها فلن تحقق شيئًا سوى كشف نوايا أصحابها. إن دور مصر كركيزة استقرار في المنطقة وسند أساسي للشعب الفلسطيني لن يتغير بفعل المهاترات ولا حملات التشويه، ومهما حاول البعض الإساءة إلى هذا الدور، فإن التاريخ والمواقف الواضحة كفيلان بالرد عليهم. ستظل مصر القوة العاقلة والمنطقية التي تحمي قضيتها الوطنية والفلسطينية بوعي وإصرار، ولن تسمح لأي جهة كانت أن تعبث بأمنها القومي أو بمستقبل القضية الفلسطينية.. أما أولئك الذين يحاولون التشويش على دورها فهم أمام خيارين: إما الجهل بالتاريخ أو العمل لخدمة أجندات خفية لا علاقة لها بفلسطين والحق العربي.