في لحظة تاريخية بالغة الحساسية والتعقيدات احتضنت القاهرة القمة العربية الطارئة، بدعوة مصرية، لبحث سبل التصدي للجرائم الإسرائيلية المتواصلة، ورفض محاولات تهجير الفلسطينيين قسرا وسط تفاقم التحديات الإنسانية والسياسية التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وكانت القاهرة "كعادتها" في قلب الحدث، تقدم حلولا عملية وتؤكد على ثوابت الموقف العربي تجاه القضية الفلسطينية برفض تهجير الفلسطينيين من أرضهم وتصفية القضية الفلسطينية، والدعوة إلى إعادة إعمار غزة وفق خطة شاملة تهدف إلى تحسين أوضاع السكان وتعزيز صمودهم، دون أن تكون وسيلة لتصفية القضية أو فرض واقع جديد. مصر، التي كانت دائما الحاضنة للقضية الفلسطينية، تدرك أن المرحلة الحالية هي الأخطر منذ عقود، وأن الأحداث التي تمر بها المنطقة هي فرصة كبيرة لإعادة ترتيب الأولويات العربية واتخاذ موقف موحد تجاه التحديات التي تواجه المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وأن يعيش المواطن الفلسطيني حياة كريمة وضمان الاستدامة في البناء والتطوير، وألا يكون إعادة إعمار غزة مجرد إعادة إعمار مؤقت قد يعيد الأمور إلى نقطة الصفر مع أي تصعيد مستقبلي. الخطة المصرية لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين ترتكز علي ثلاثة أبعاد رئيسية وهي البعد السياسي والتأكيد على أن إعادة الإعمار يجب أن يكون في إطار حل سياسي شامل يحقق طموحات الشعب الفلسطيني، ويضمن إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية علي أن يتضمن البعد الميداني تنسيق الجهود الدولية والإقليمية لضمان عدم حدوث موجات تهجير قسري، ومنع أي تغييرات ديموغرافية تمس الحقوق التاريخية للفلسطينيين في حين يرتكز البعد العمراني علي إنشاء بنية تحتية قوية ومستدامة، تضمن للفلسطينيين حياة كريمة، مع تطوير قطاعات التعليم والصحة والخدمات الأساسية في غزة وهذه الرؤية تعكس إدراكا عميقا لدى القيادة المصرية بأن الإعمار لا يمكن أن يكون حلا مؤقتا، بل يجب أن يكون خطوة نحو بناء مستقبل فلسطيني مستدام، الأمر الذي يتطلب دعما دوليا وإقليميا متكاملا. إن كلمة السيد الرئيس السيسي خلال القمة كانت بمثابة خارطة طريق واضحة لإنهاء الصراع في المنطقة والتوصل إلي سلام دائم ومصر كانت لديها تجربة في تحقيق السلام، والتي تمت بالشراكة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، و هذا النموذج يجب أن يستحضر اليوم كوسيلة لتحفيز واشنطن على لعب دور أكثر إيجابية تجاه القضية الفلسطينية وتدرك الدولة المصرية أن الولاياتالمتحدة لا تزال تمتلك تأثيرا حاسما على مجريات الأمور في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن القمة العربية الطارئة تعمل على دفع الإدارة الأمريكية علي ضرورة التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفق مبدأ حل الدولتين، باعتباره الخيار الوحيد لضمان استقرار المنطقة ومن هنا، فإن استعادة الدور الأمريكي كوسيط نزيه وفاعل أمر بالغ الأهمية، خاصة في ظل المستجدات الراهنة التي تجعل من أي تأخير في هذا المسار مخاطرة كبرى على الأمن الإقليمي. "مصر لن تشارك في أي ظلم تجاه الفلسطينيين" هي رسالة تعكس موقفا مصريا ثابتا وقويا يرفض أي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية أو الالتفاف على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وهذا الموقف المصري لم يكن وليد اللحظة، بل هو امتداد لسياسة استراتيجية ممتدة، لطالما دافعت القاهرة عن حقوق الفلسطينيين، سواء عبر الجهود الدبلوماسية أو عبر تقديم الدعم الإنساني والإغاثي المتواصل والتي برزت في فتح معبر رفح لتقديم المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، واستضافة القمم الدولية لحشد التأييد لحل سياسي عادل وشامل بالإضافة إلى ذلك، قامت مصر بحركة دبلوماسية مكثفة على المستوى العربي والدولي لضمان وقف التصعيد وبدء عملية سياسية جادة وهذه الجهود تعكس التزاما مصريا لا يتزعزع تجاه عدالة القضية الفلسطينية، وهو التزام نابع من اعتبارات قومية وإنسانية واستراتيجية، تؤكد أن مصر ستظل صمام الأمان الذي يحول دون تمرير أي حلول غير عادلة تضر بالحقوق الفلسطينية. ختاما... الرؤية المصرية تجاه القضية الفلسطينية تنطلق دائما من مبادئ راسخة وهي الحل العادل والشامل، ورفض التهجير القسري، ودعم صمود الفلسطينيين، وتعزيز وحدة الصف العربي في مواجهة التحديات وجاءت القمة العربية الطارئة لتؤكد هذه الرؤية، ولتضع الأسس لخطة تحرك جماعية تتجاوز مجرد رد الفعل، إلى تقديم حلول مستدامة تضمن حقوق الشعب الفلسطيني وتفتح الباب أمام مستقبل أكثر استقرارا وأمنا في المنطقة وفي ظل التحديات المتزايدة، يظل الدور المصري محوريا، ليس فقط كوسيط سياسي، ولكن كقوة فاعلة تسعى لحماية الحقوق الفلسطينية، وتحقيق حل عادل وشامل يضمن الأمن والاستقرار للجميع.