جرت العادة أن تقام المناظرات بين رئيس كان يحكم بلاده لفترة أو فترتين ومنافس له من الذين تقدموا لشغل منصب الرئيس.. وكان الطرف المنافس للرئيس السابق يتناول فترة رئاسة الرئيس بالنقد والتحليل وعرض النتائج التى حصدها الشعب من سوء إدارته بالمستندات والأرقام وأيضا ما آلت إليه البلاد من أوضاع متردية نتيجة سوء السياسات واتخاذ القرار المناسب فى الوقت المناسب.. ثم يعرض البرنامج الإصلاحى للأخطاء التى وقع فيها الرئيس السابق مع عرض البرنامج الذى من خلاله يتم تحقيق آمال الشعب وطموحاته.. وكانت كل المناظرات التى شاهدناها على مدار 50 عاما بدءا من الولاياتالمتحدةالأمريكية وانتهاءً بفرنسا لها قواعدها وأصولها والضوابط التى حلمنا فى كثير من الأيام أن تتحقق فى بلدنا مصر (أم الدنيا) وذلك بالمناقشة الموضوعية من أجل تعظيم الوطن والمحافظة على رفعة شأنه بين بلدان العالم.. ولقد كانت المناظرة تربط أسماعنا بالمتناظرين فكم لمسنا فى كل المتناظرين دماثة الخلق واحترام كل طرف للآخر.. إن المناظرة هى درس تربوى يساعد على خلق جيل يتعلم من المناظرة الموضوعية واحترام الذات واحترام الطرف الآخر وتعظيم شأن الوطن فوق المصلحة الشخصية.. ولقد نشأت فكرة المناظرة منذ زمن ليس بعيدا قياسا بعمر الأمم.. لقد راودتنا أحلامنا أن نرى متناظرين فى بلدنا يسلكان نفس الأسلوب الحضارى خلال المناظرة من آداب وسلوكيات وقواعد من خلال أدوات أولها إبداء الرأى واحترام الرأى الآخر.. كان هو حال المناظرة فى بلاد (الإفرنج). ولكن عندما تم الإعلان عن المناظرة فى بلدى الحبيب لم يكن أحد طرفيها رئيسا سابقا.. ولكن كان طرفا المناظرة شخصين مصريين وطنيين تحقق فيهما الشروط المؤهلة لخوض ماراثون سباق الوصول إلى كرسى رئاسة الجمهورية.. لذا كانت المناقشة من كل طرف للطرف الآخر محصورة فى النهوض بمصر من خلال البرنامج الإصلاحى لنظام أطاح بأحلام المصريين وكان له من المساوئ ما جعل مصر الرائدة تفقد ريادتها التى تعود العالم العربى والأفريقى وكثير من دول العالم المتقدم عليها. لقد كانت المناظرة الأولى التى تم إجراؤها فى مصر نتائجها كالتالى: 1 - إدارة المناظرة: جيد جدا (وهذا يعود إلى الجهد المبذول من رجال عاهدوا القراء والمشاهدين على الصدق والارتقاء بالفكر الديمقراطى من خلال جريدة الشروق والقنوات الفضائية دريم 2 و أو تى فى.. وكل من شارك فى الإعداد للمناظرة) 2 - السادة والسيدات منسقى الحوار بالأستوديو: ممتاز (كانوا بعيدين كل البعد عن الأسئلة الاستدراجية للحصول على إجابات تتفق مع هوى كل منهما.. كانت الحيادية هى السمة والسلوك والمنهج الذى أضفى على المناظرة رونقا تمتع به كل من شاهد المناظرة.. أيضا أسلوب إدارة المناظرة كان راقيا ولقد لمعت كعادتها المشاغبة خفيفة الظل منى الشاذلى كما لمع زميلها الذى التزم بتعليمات كيفية توجيه الأسئلة) 3 - لقد كان لفريق العمل - الجندى المجهول - نصيبا من النجاح فكانت الخلفية الديكورية المتمثلة فى الصقر بشموخه وعظمته ونظرته الثاقبة التى كانت تنحنى أمامها الأضواء، كل هذا أعطى للمشاهد متعة لم يتذوقها من قبل.. وحرص الكثير منا على مشاهدة المناظرة حتى لو تمت إعادتها مئات المرات) 4 - لن أتطرق إلى تقييم الدور الذى قام به كل من المتناظرين فهذا متروك لكل فرد من أفراد الشعب المسموح له بإبداء الرأى فى اختيار الرئيس القادم. * وبقى لى سؤال هو (من الفائز فى الحصول على نتيجة المناظرة).. واسمحوا لى أن أجيب على هذا السؤال (الفائز تعرفه أنت جيدا وأعرفه أنا أيضا ) من هو ؟ (هو أنت هو أنا.. هو الشعب المصرى بأكمله سواء كان المسموح له بإبداء رأيه واختياره للرئيس القادم أو من الذين لم يبلغوا السن القانونى بعد).. نعم هو الدرس الأول المستفاد من المناظرة ألا وهو إعادة بناء الإنسان المصرى وإعادة الهوية المصرية إليه التى تاهت عنه سنوات طوال.. نعم المناظرة هى أولى خطوات خلق جيل جديد يتعلم أدب الحوار وأولى مبادئ تحقيق الديمقراطية وإبداء الرأى واحترام الرأى الآخر.. وتعظيم حب مصر.. وإحياء حب الانتماء لتراب الوطن.. * إن قلوب المشاهدين فى مصر والعالم العربى زاد بها الأمل شوقا إلى رؤية مناظرات منها نتعلم جميعا كيف يكون حب الوطن فى ظل الاختلاف من أجله وإعادة بناء مجده من جديد.