أثارت تصريحات الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر موجة من ردود الفعل والتعليقات، فبعد زيارته إلى مصر ولقائه مع المجلس العسكرى، أشار إلى احتمال ألا يتم تسليم السلطة بشكل سلس، وأن المجلس العسكرى سوف يطلب ضمانات، ولكن هل يفعلها العسكرى - ضد كل الاحتمالات - ويسلم السلطة دون مقاومة؟ أم أنه سيطلب كمقابل بوليصة تأمين؟ السيناريو الأسوأ هو أن يتم افتعال مجموعة من الأحداث الدامية والتوتر الأمنى لدفع الغالبية إلى أن تطلب بنفسها استمرار العسكرى.. السيناريو المعقول هو أن يصدر قانون بالعفو يحصن العسكرى من أى مساءلة مستقبلية.. هل هناك بديل ثالث؟. فى حوار مع مجموعة من شباب مصر، أبدى بعضهم التخوف من أفكار مدمرة تجعل الحل فى نظر الأغلبية الصامتة أو (حزب الكنبة) هو القضاء على المتظاهرين وأن ينجح العسكرى فى أن يزج بهم فى صراع بين فريقين، بينما رأى البعض الآخر أن تكلفة بوليصة التأمين قد تكون باهظة على المدى الطويل، بحيث يكون المستقبل أسوأ من فترة حكم مبارك.. فيما ذهب فريق آخر إلى أن البديل هو الاتفاق ما بين أحد مرشحى الرئاسة الأوفر حظاً ومع الأغلبية البرلمانية، تتضمن دعم المرشح الرئاسى مقابل ضمانات بعدم المساس بالعسكرى، دون إصدار قانون عفو يعتبر فى حد ذاته اعترافا بوجود جرائم.. وفى النهاية رأى البعض أن الانتفال من مرحلة لأخرى يتطلب قدرا من التضحية، أى الكف عن التلويح بالمتابعة، وأنه لو كنا منحنا مبارك خروجاً آمنا، ما كان قبع على أنفاسنا 30 سنة، ولكن هذا الرأى يشك فى المصريين سيفعلونها. وأود أن أوضح أن السياسة بالتعريف هى عقد صفقات وفقاً للأوضاع والشروط الموضوعية القائمة.. ومن المحزن أن أغلب النخب "تظن" أنها تمارس السياسة رغم أنهم لا يدركون أحد أهم جواهرها وقد تكون "بوليصة تأمين" العسكرى فى الظروف الحالية أقل الأضرار، ومع ذلك فأنا مع تحسين شروط التفاوض للتخفيف من أثر "البوليصة" على مستقبل النظام السياسى المصرى. بشكل براجماتى - للأسف - قد يضطر المرء للخيار بين السيئ والأسوأ، الظروف الموضوعية الحالية قد تدفع فى اتجاه السيناريو الأسوأ وملامح هذه الظروف باختصار تتمثل فى سيطرة لتيار بعينه على سلطة التشريع والاستعداد لإبرام صفقات، أغلبية صامته أمكن تحويلها إلى تيار مناهض للثوار.. اقتصاد ينزلق بشكل خطير إلى هاوية قد تتطلب سنوات للخروج منها، أما الاكتفاء بمجرد وعد بعدم المتابعة القضائية، فرغم أن هذا بديل ممكن، إلا أنه من المشكوك فيه أن يقبل العسكرى مجرد وعد. جسر الفجوة بين المأمول فيه والممكن يحتاج جهداً حقيقياً فى مجالات شتى أهمها الارتقاء بوعى المواطن من خلال تشريع غير فاسد وإعلام ناضج وتعليم أرقى، وسيادة حقيقية للقانون، وشفافية ومحاسبية تمثل إطاراً عاماً لكل ما تقدم، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر، وهو التحدى الذى يواجه أجيالنا الشابة التى تحمل بين يديها مستقبل هذه الأمة. حتى نصل إلى هذا الوضع المثالى فإنه لا مناص من ممارسة السياسة بشكل براجماتى يتيح الخروج من النفق المظلم الذى يكتظ بالأشباح والاحتمالات المخيفة، وذلك بالمناسبة لا يعنى التخلى عن الروح الثورية التى تحلق فى سماء الوطن، فهذه الروح لا بد لها فى النهاية أن تتجسد فى واقع جديد، أى أنها بالضرورة سوف تضطر للتنازل عن بعض عليائها وسموها وصولاً لصفقة من أجل إنقاذ الوطن.. ألم يكن ذلك الإنقاذ هو هدفها الأول المعلن؟ بوليصة تأمين العسكرى لا تعنى ولا يمكن أن تعنى التقليل من شأن المؤسسة العسكرية المصرية أو الثورة المصرية، وإنما هى مجرد آداة سياسية قانونية للخروج من مأزق واقعى، والتاريخ ملىء بنماذج مماثلة لثوار جلسوا على موائد التفاوض مع أعدى أعدائهم، وقدموا بعض التنازلات الوقتية أو التكتيكية من أجل تحقيق أهدافهم الإستراتيجية.