أوكسفام: الأثرياء يزدادون ثراء بينما يتفاقم الفقر العالمي    ترامب يرغب في تعيين وزير الخزانة سكوت بيسنت رئيسا للاحتياطي الاتحادي رغم رفضه للمنصب    ترامب يعلن عن لقاء مع زهران ممداني الجمعة في البيت الأبيض    تنبيه من الأرصاد بشأن طقس اليوم الخميس    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 20 نوفمبر 2025    أخبار فاتتك وأنت نائم| حادث انقلاب أتوبيس.. حريق مصنع إطارات.. المرحلة الثانية لانتخابات النواب    انتهاء الدعاية واستعدادات مكثفة بالمحافظات.. معركة نارية في المرحلة الثانية لانتخابات النواب    زكريا أبوحرام يكتب: هل يمكن التطوير بلجنة؟    تحريات لكشف ملابسات سقوط سيدة من عقار فى الهرم    زوار يعبثون والشارع يغضب.. المتحف الكبير يواجه فوضى «الترندات»    دعاء الفجر| اللهم إن كان رزقي في السماء فأنزله    سفير فلسطين: الموقف الجزائري من القضية الفلسطينية ثابت ولا يتغير    بيان سعودي حول زيارة محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة    مستشار ترامب للشئون الأفريقية: أمريكا ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    كيفية تدريب الطفل على الاستيقاظ لصلاة الفجر بسهولة ودون معاناة    مصادر تكشف الأسباب الحقيقية لاستقالة محمد سليم من حزب الجبهة الوطنية    فلسطين.. تعزيزات إسرائيلية إلى قباطية جنوب جنين بعد تسلل وحدة خاصة    مكايدة في صلاح أم محبة لزميله، تعليق مثير من مبابي عن "ملك إفريقيا" بعد فوز أشرف حكيمي    طريقة عمل البصل البودر في المنزل بخطوات بسيطة    منى أبو النصر: رواية «شغف» تتميّز بثراء نصّها وانفتاحه على قراءات متعددة    يحيى أبو الفتوح: منافسة بين المؤسسات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي    إصابة 15 شخصًا.. قرارات جديدة في حادث انقلاب أتوبيس بأكتوبر    طريقة عمل الكشك المصري في المنزل    أفضل طريقة لعمل العدس الساخن في فصل الشتاء    مروة شتلة تحذر: حرمان الأطفال لاتخاذ قرارات مبكرة يضر شخصيتهم    أسعار الدواجن في الأسواق المصرية.. اليوم الخميس 20 نوفمبر 2025    مأساة في عزبة المصاص.. وفاة طفلة نتيجة دخان حريق داخل شقة    خبيرة اقتصاد: تركيب «وعاء الضغط» يُترجم الحلم النووي على أرض الواقع    تراجع في أسعار اللحوم بأنواعها في الأسواق المصرية اليوم    وردة «داليا».. همسة صامتة في يوم ميلادي    بنات الباشا.. مرثية سينمائية لنساء لا ينقذهن أحد    مهرجان القاهرة السينمائي.. المخرج مهدي هميلي: «اغتراب» حاول التعبير عن أزمة وجودية بين الإنسان والآلة    خالد أبو بكر: محطة الضبعة النووية إنجاز تاريخي لمصر.. فيديو    ضبط صانعة محتوى بتهمة نشر مقاطع فيديو خادشة للحياء ببولاق الدكرور    إطلاق برامج تدريبية متخصصة لقضاة المحكمة الكنسية اللوثرية بالتعاون مع المعهد القضائي الفلسطيني    إعلام سوري: اشتباكات الرقة إثر هجوم لقوات سوريا الديمقراطية على مواقع الجيش    موسكو تبدي استعدادًا لاستئناف مفاوضات خفض الأسلحة النووي    بوتين: يجب أن نعتمد على التقنيات التكنولوجية الخاصة بنا في مجالات حوكمة الدولة    تأجيل محاكمة المطربة بوسي في اتهامها بالتهرب الضريبي ل3 ديسمبر    خالد الغندور: أفشة ينتظر تحديد مستقبله مع الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. بعثة ريفرز النيجيري تصل القاهرة لمواجهة بيراميدز| صور    تقرير: بسبب مدربه الجديد.. برشلونة يفكر في قطع إعارة فاتي    ديلي ميل: أرسنال يراقب "مايكل إيسيان" الجديد    بالأسماء| إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وملاكي بأسيوط    فتح باب حجز تذاكر مباراة الأهلي وشبيبة القبائل بدورى أبطال أفريقيا    أرسنال يكبد ريال مدريد أول خسارة في دوري أبطال أوروبا للسيدات    "مفتاح" لا يقدر بثمن، مفاجآت بشأن هدية ترامب لكريستيانو رونالدو (صور)    ضمن مبادرة"صَحِّح مفاهيمك".. أوقاف الفيوم تنظم قوافل دعوية حول حُسن الجوار    لربات البيوت.. يجب ارتداء جوانتى أثناء غسل الصحون لتجنب الفطريات    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    تصل إلى 100 ألف جنيه، عقوبة خرق الصمت الانتخابي في انتخابات مجلس النواب    أمريكا: المدعون الفيدراليون يتهمون رجلا بإشعال النار في امرأة بقطار    ماييلي: جائزة أفضل لاعب فخر لى ورسالة للشباب لمواصلة العمل الدؤوب    قليوب والقناطر تنتفض وسط حشد غير مسبوق في المؤتمر الانتخابي للمهندس محمود مرسي.. فيديو    خالد الجندي: الكفر 3 أنواع.. وصاحب الجنتين وقع في الشرك رغم عناده    أهم أحكام الصلاة على الكرسي في المسجد    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 19نوفمبر 2025 فى المنيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل مصر بين السيناريو القمعي والسيناريو الظلامي:
مثقفون وعسكر وإسلاميون
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 10 - 2011

أينما يجلس المثقفون حالياً، فلا يوجد في حديثهم سوي حديث واحد. ماذا لو آل مصير البلاد إلي واحد من الخيارين السيئين، العسكر أو الإسلام السياسي؟! الإحباط والرغبة الدائمة في تصور الأسوأ يدفع المثقفين إلي حالة حوار دائم حول أي من البديلين أصلح لتولي مقاليد البلاد. بعد مظاهرات يوم الجمعة التي بدأت باسم »تصحيح المسار« وانتهت باسم »الشريعة أولاً« بدا وكأن هذا هو الشغل الشاغل لهم. أين ستذهب الدولة المدنية التي طالما حلموا بها؟ وهل صحيح أن مستقبل مصر انحصر بين السيناريو العسكري والسيناريو الإسلامي؟ وجهنا في ذلك التحقيق سؤالا للمثقفين ما رأيك في الجدل الدائر الآن حول الحل الديني والحل العسكري، وفي حالة تأزمت الظروف.. هل ستختار واحدا من الحلين؟ وما هو؟
يوسف القعيد بدأ الإجابة متهكماً: لا عسكرية ولا دينية. الإثنتان لا أمان فيهما. أنت بسؤالك هذا كأنك تسألني بأي طريقة تريد أن تموت: بالكوليرا أو بالتيفود! الدولة العسكرية قد تبقي في الحكم خمسين عاما أخري، وهناك للأسف من يروج للدولة الدينية، وهم بعض المثقفين الانتهازيين الذين يقولون لي »دعونا نجربهم« كأننا حقل تجارب. أنا شديد الانزعاج من كلمة زنجربهم« هذه. نحن لدينا سيناريو ثالث، وهو سيناريو الدولة المدنية«.
القعيد ركز غالبية كلامه علي التيار الإسلامي السياسي. وهو يبدو هنا مثل سائر المثقفين، الذين يحتكون بالسلفيين في حياتهم العادية ولكنهم لا يحتكون بالجيش. قال إن الإخوان المسلمين كادوا يصبحون شركاء في الحكم الآن. لفتت انتباهه عدة مظاهر: محمد بديع زار الأقصر، وتم تصويره مع الآثار المصرية وتحدث بشكل إيجابي عنها برغم أن موقف الإخوان السابق من الآثار معروف. وهناك من يتخرج في معاهد الإخوان المسلمين وينظم قضاء موازياً في الريف المصري، وهو القضاء العرفي. أنا أري بنفسي شباباً منهم يلبسون ثيابا صفراء وينظمون المرور في مدينة نصر، ينهي كلامه في هذه النقطة قائلا: ليست لديّ فوبيا الإخوان، ولكنني أري أنهم أصبحوا شركاء في الحكم بالفعل.
الإخوان يقولون إنهم لا يريدون الحكم ولكن أفعالهم تؤكد رغبتهم في الاستحواذ (يفكر قليلا) الاستحواذ هي الكلمة الأنسب فعلاً. والمجلس العسكري يقول إنه ليس طرفاً وأنه يقف علي مسافة واحدة من الجميع، وأنا أتمني فعلا لو كان كلامه صحيحا ولو كان يقف فعلا علي مسافة واحدة من الجميع.
رفضك للمد الديني، هل نفهم منه أنك مع العنف ضده؟
بالطبع لا، المد الديني نتج عن أمرين أساسيين، أولهما التعامل الأمني معه في النظام السابق، لأنه يحول الطرف الثاني لضحية، حتي لو لم يكن ضحية فعلياً، الأمر الثاني هو مراهنة الإسلام السياسي علي أن المواطن المصري يفتقر إلي وعي، بحيث يصبح أي كلام لا يبدأ قال الله وقال الرسول شبيها بالكفر. لو ذهبت إلي القرية ستجد منبر الجامع يتحكم في كل شيء، الميلاد والزواج والوفاة، الناس لا يذهبون للعمدة وإنما لشيخ الجامع، هم يربطون بينه وبين الله.
هل يرفض القعيد سلطة العسكر بنفس القدر؟ أسأله ماذا لو كرر العسكر الآن نفس تجربة عبد الناصر في الاستيلاء علي الحكم؟!.. وأكتشف فجأة مدي غباء سؤالي حين يُطرح علي واحد من أشد المتحمسين للتجربة الناصرية. يقول بعد تفكير: أنا لم أر عبد الناصر، ولكنني سمعت عنه ممن عاصروه، وأقول، بدون أي نوستالجيا من أي نوع، إنه يبدو كما لو أن عبد الناصر كان حالة استثنائية بالنسبة للضباط الموجودين حالياً. أتصور أنه أمام حالة الانهيار الموجودة الآن فإن العسكر قد تراودهم فكرة البقاء في السلطة. أتصور أن ما يحدث من انفلات أمني مقصود حتي تطالب الناس من تلقاء نفسها ببقاء عبد الناصر.
ألا يمكن أن يتقاسم المدنيون مثلا الحكم مع العسكريين؟
شرعية الحكم لا تقسم علي اثنين. عندما يكون هناك تقسيم للسلطة فسوف تكون الكلمة العليا فيه للعسكريين، هذا لن يكون تقسيماً.
يبدو متشائماً تماماً: لو قال المجلس العسكري إنه قرر إيقاف كل النشاطات لمدة عام يتفرغ فيها لمحو أمية الشعب كنت سأصبح متفائلاً. المد الديني وقوده الأساسي هو الأمية خاصة إن الناس بعد 25 يناير أصبح لديها تطلعات رهيبة، هم ينتظرون تحصيل الفواتير، ولا يجدون إلا خيبة أمل كبيرة.

ماذا لو تأملنا سؤالنا من الخارج، ماذا لو نظرنا إلي سؤال عسكر أم إسلاميون وكأنه سؤال مصطنع، لا يركز أصلاً علي القضايا الأساسية؟! هذا ما يفعله المؤرخ شريف يونس. الجدل حول الإسلام السياسي والعسكر، بالنسبة له، يصب في مصلحة العسكر ويعيد إنتاج نفس خطاب مبارك، والذي مفاده أن القمع هو الضمانة الوحيدة لتحقيق المجتمع المدني.
إذا كان السؤال نفسه مصطنعاً، فمن الذي يقوم بإنتاجه؟
في رأيي أن السؤال يأتي من القوي التي تعتبر نفسها علمانية، وهي تعتبر نفسها الحلقة الأضعف فتقوم بالاختيار بين الحلقات الأقوي وبالتالي تحدث العودة للصيغة المباركية، أن التيارات الأضعف يحميها الحكم الاستبدادي. يبدو هذا واضحاً في سوريا مثلاً، حين يقف كثير من المثقفين العلمانيين مع بشار الأسد، ليس حباً فيه، ولكن هلعاً من الإسلاميين الذين سيدمرون الحضارة وإلي آخر هذا الكلام. ولكن في الحقيقة فليس هناك أحد لديه تصور عن مشاركته السياسية. الإسلاميين لا يعرفون ماذا يريدون بالظبط، وماذا يعني تطبيق الشريعة في حالة الدولة الجديدة الناشئة.
يسدد يونس سهامه نحو الجميع، فبجانب تجزؤ المعسكر الديني، فإن المعسكر المدني أيضاً مجزأ. بعضه يعتقد أن الديمقراطية القادمة ستكون نوعا من الليبرالية الجديدة، والتي تتساقط فيها ثمار التنمية علي الفقراء، بحسب تعبير مجموعة جمال مبارك وأحمد عز، وهناك قطاعات في المعسكر المدني تري أن التصويت يجب أن يكون للمتعلمين فقط! وهناك قطاع يري أن المشروع الاجتماعي هو الأهم.
بالإضافة لهذا فإن العسكر هم أيضاً ليس لديهم تصور أيضاً عن مشاركتهم. الناصرية انتهت، فما الذي سيكون مقصوداً بحكم العسكر؟ هل هو غلق المجال السياسي والتأميم علي طريقة عبد الناصر؟ هذا لم يعد نافعاً. هناك ضباب، والضباب قادم من الفراغ السياسي، هناك حركات اجتماعية ومطالب من كل نوع ولكن بلا صيغة سياسية، لا عند الجيش ولا الإسلاميين ولا العلمانيين.
حينما أخبرت شريف يونس بسؤالي لم يبد راضياً عن الصيغة. السؤال في حد ذاته، بجانب كونه مصطنعاً، هو أيضاً غير مهم. السؤال الأهم هو كيف يمكن بناء دولة ديمقراطية بمساعدة الإسلاميين ويكون للجيش فيها وضع خاص، وضعه الذي تأكد أيام الثورة بوقوفه حاجزا بين الأمن والثوار وبموافقته علي تنحي مبارك. وكيف يمكن حل مشكلة العدالة الاجتماعية، وحل مشاكل الصحة والفقر والتعليم. هذا هو المحك في رأيه.
واحدة من مشاكل الجدال حول »إسلاميون أم عسكر« هو أنه يتجاهل القوي المصرية الوليدة، التي ظهرت بوضوح في الثورة الروائي إبراهيم عبد المجيد يلفت النظر لها. يقول إنه يري الخريطة مختلفة تماماً عن الصيغة الواردة في سؤالي: »لا تنس أن القوي الليبرالية لا يستهان بها. بدليل أن مظاهرات الجمعة التي تحدث بدون الإسلاميين تكون ناجحة جداً. هذه هي القوي التي أراهن عليها، وهذه هي القوي التي تحافظ علي الثورة حتي الآن. المأزق العسكري أنه لا يمكن التخلص من هذه القوي سوي بحمام دماء، والعسكر غير قادرين هذا، أولا لأنه ليس في تاريخهم مثل هذا، ثانيا لأن الثورة لها سمعة طيبة جدا في العالم كله، ولا يمكن للجيش المخاطرة بسمعته أمام العالم من أجل التخلص منهم«.
يمكن بسهولة رفض سلطة العسكر باعتبارها سلطة غير ديمقراطية، ولكن ماذا نفعل بالنسبة للإسلاميين، الذين قد تأتي بهم الديمقراطية؟
الانتخابات بيننا وبينهم، هم لن يحصلوا علي أكثر من ثلاثين بالمائة من مقاعد البرلمان، ولن يصلوا إلي تلك النسبة إلا بالاتفاق بينهم وبين السلفيين، وهو اتفاق صعب أصلا. النظام كانت لديه معادلة، أن يأخذ هو السلطة ويأخذ الإسلاميون الشارع، ولكن النظام غادر السلطة، وبالتالي سيغادرون هم الشارع، وقد يتحولون إلي جزء من السلطة، ولو دخلوا مجلس الشعب لن يستطيعوا فعل شيء. كل أهدافهم هو كيف تلبس الناس، وهذا لا يهم الناس في الواقع. (يضحك) كان هناك مرشح يريد منع جوزة الطيب. ذلك المرشح لن ينجح أبداً.
السؤال بوضوح تام، ماذا ستفعل أنت بشكل شخصي لو حاز الإسلاميون علي أغلبية برلمانية؟
إذن سأتعلم منهم. الديمقراطية لا تضمن النجاح ولن تأتي بقرار. ليس هناك ضمانات في الديمقراطية. إذا انتصروا سأبقي في البلد وسأعارضهم. هذا طبيعي. المثقفون طوال الوقت ينعون غياب الطبقة الوسطي، وأنا أقول إن هناك طبقة وسطي بالطبع، الشباب الليبرالي الذين يجلسون علي الفيسبوك والتويتر، هؤلاء يرفضون المجلس العسكري والإسلام السياسي ويريدون دولة مدنية.
تركيزك علي القوي المدنية بوصفها القوي الليبرالية، هل تعني أن حماسك قد قل لليسار؟
(يضحك) طبعاً. أنا ليبرالي الآن. سافرت إلي الاتحاد السوفييتي ورأيت مآسي الدولة الشيوعية. حلم اليسار جميل ولكنه يوتوبي، وعندما يتمسك الشخص بتجربة منهارة فهذا يعني أنه رجل خيالي. أنا أري كل قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وعدم التمييز، كلها موجودة في الليبرالية أيضاً.

السؤال هذه المرة لنادر فرجاني. أسأل أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة: هل هناك سيناريو بديل للسيناريو العسكري والسيناريو السياسي؟ فيجيب بأن هناك سيناريو مختلف تمام. أتوقع منه الإشارة إلي السيناريو المدني، ولكنه يفاجئني:
» السيناريو الثالث مشترك بين السلطة الدينية والسلطة العسكرية، عناصر تنتمي للإسلام السياسي تشترك في الحكم مع العناصر العسكرية. هذا هو الأقرب للتحقق للأسف«.
ما شواهد ذلك؟ يرد بأن الشواهد كثيرة علي فوز تيار الإسلام السياسي بمقاعد كثيرة في مجلس الشعب، وبالنسبة للعسكر فهناك محاولة لإنشاء أرستقراطية عسكرية، المجلس العسكري يرغب في وضع متميز له في الدستور، وهناك تكهنات قريبة من الصحة بأن المرشح الأقوي للرئاسة سيكون عسكرياً. بالمناسبة، كان فرجاني يقول ذلك قبل ساعة من جولة المشير حسين طنطاوي بالبذلة المدنية في شوارع وسط القاهرة.
والتيار الإسلامي، هل تعتقد أنه لا يمكن دمقرطته أبداً؟
لا. ذلك صعب الآن. جماعة الإخوان المسلمين والسلفيون في حالة من الانتشاء والتحرق للإمساك بالمجلس التشريعي،ربما في فترة قادمة إذا نشأ الحوار الفكري والسياسي المطلوب، فيمكننا الوصول إلي توافق حول مرجعية إسلامية لدولة مدنية حقيقية وهذا يحتاج لمجهود من الطرفين، من الليبراليين والسياسيين.
»الجيش علي الناحية الأخري نجح في إسكات الأصوات المعارضة القوية، بخليط من الترغيب والترهيب، وهذا للأسف ليس في مصلحة التطور السليم في مصر. المجلس اعتبر أن محاكمة المخلوع هي آخر تنازل يقوم به للثورة، وبعده لن يسمح بأساليب الاحتجاج الشعبي، وهي الشيء الوحيد المتروك للشعب حالياً«.
أليس هناك أي أمل في دولة مدنية وديمقراطية قوية؟ برغم تشاؤمه إلا أن فرجاني يبدو مؤمناً علي ما يبدو بتطور التاريخ نحو الأمام: هذا لن يحدث علي المدي القصير. المزيج العسكري السياسي سيؤدي لعدم استقرار، وفي الغالب سينتهي هذا بتأكيد الدعوة للحاجة إلي موجات تالية من الثورة الشعبية. الإعلان الدستوري لا يضع أي آلية لمساءلة المجلس العسكري، هو يحاول إجهاض كل أشكال الاحتجاج الشعبي، ولكنه في النهاية لن ينجح، لا هو ولا سلطة الإسلام السياسي، في إخضاع الشعب. بعد 25 يناير الشعب أصبح عصياً علي التدجين.

برغم كل الخراب الحادث في البنية السياسية لمصر إلا أن نبيل عبد الفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، يبدو متفائلاً. يري أن كلاً من السيناريوهين أحاديان، وكلاهما لا يقوم علي دراسات دقيقة لتضاريس الخريطة السياسية والاجتماعية للبلاد. مشروع الحداثة المصري السياسية والقانونية والدولتية في رأيه قديم، ولا يزال راسخاً في قلب الحياة الاجتماعية والسياسية المصرية علي رغم من مرور ما يقرب من ستين عاماً من عمليات اختزال الدولة في أجهزتها القمعية ثم اختزال الدولة إلي نمط من الفرعونية السياسية، بتعبير جمال حمدان.
الدولة ضعيفة للغاية، لم تكن تقوم أيام مبارك سوي بدور »الدولة الحارسة« بالمعني التقليدي، كما يري، أي الدولة التي لا تفعل أي شيء، والقائمة علي مبدأ »دعه يعمل دعه يمر« ولا تتدخل في أي شيء، سوي حراستها لمجموعة من الرأسماليين. والنقطة الأخطر هو أن هناك تواريخ مختلفة، كل جماعة عرقية أو مذهبية أصبح لها تاريخها الخاص المنتزع من مجري التاريخ المصري، وبالتالي تم إنتاج ذاكرات تاريخية في مصر، مذهبية ودينية ومناطقية، وأصبح هناك أبطال فرعيون داخل تلك الذاكرات.
هل يمكن أن يؤدي ذلك الانهيار العام في السياسة المصرية إلي نمو نموذج بدائي للدولة بعد الثورة؟
لا، فحتي لو استطاع الإسلام السياسي الوصول للأغلبية داخل التركيبة البرلمانية، فستقف دونه عوامل عديدة، ميراث التحديث المبتور، والوضع العالمي والإقليمي الذي لن يسمح بوصول الأمور إلي صياغة طالبانية ولا سعودية علي النمط الوهابي. أعتقد أن مصر ستستمر لفترة من الأجل المتوسط والبعيد في حالة تضاغط من القوي المتعددة، وذلك التضاغط سيؤدي إلي تبلور بعض القيم المشتركة. هذا لن يحدث من خلال التنظيرات، ولكن لأول مرة تُتاح فرصة نادرة لكي تتحقق عبر جدليات اجتماعية وسياسية، بعد تسليم العسكريين السلطة للمدنيين.
بالإضافة لسبب آخر، فالأمة المصرية أصبح من الواضح الاتجاه الرئيسي فيها، وهو أن ما حدث خلال ستين عاماً لن يتكرر مرة ثانية، وأن كل جماعة مهنية تعي عملها وتخصصها، ولا يجوز لها أن تتعداه إلي نطاقات أخري. الشرعية ستكون لصناديق الاقتراع، والمؤسسات التمثيلية ستتعرض لما يسميه الباحث روزنفلو بالرقابة المباشرة للشارع. الشارع هنا أوسع من صناديق الاقتراع التي يمكن الوصول إلي الفوز فيها عبر العلاقات الاجتماعية والمال والرشاوي.
لكي تؤمن بهذا فعليك أن تكون واثقاً في الشارع المصري؟
أنا أري أن مستوي وعي الشارع يماثل مستوي وعي قطاعات من النخبة، سواء في الأحزاب السياسية وحتي في البيروقراطية. الجميع في النخبة والشارع - جاءوا من عالم لا تسوده السياسة وإنما يسوده القمع والفساد والجهل وانعدام الخبرة، والشارع يماثل النخبة في تلك الأمراض، وبالعكس، فالشارع بدا أكثر حرية وأكثر قدرة علي التعبير عن نفسه من النخب التي جلست علي مقاعدها تشاهد العمليات الثورية في التليفزيون، القول الآن إن النخبة تعرف أكثر من الشارع قول زائف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.