لتقصيرها في حق أسرتها.. ليلى علوي تبكي أمام الجمهور في مهرجان الإسكندرية السينيمائي الدولي    من أصل 18 ألف شاحنة ..الاحتلال أدخل إلى غزة 10% فقط من الشاحنات خلال سبتمبر    حقيقة رحيل محمد عواد عن الزمالك في الانتقالات الشتوية    العريش بين الإدارة الدولية والسيادة الوطنية.. هل تُباع سيناء بالتقسيط في صفقة ترامب؟    خطوات إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025    تعرف على موعد تطبيق التوقيت الشتوي في أسيوط    أسعار اللحوم في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    أسعار الفاكهة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    24 تريليون دولار قيمة اقتصاد المحيطات.. وارتفاع حموضة المحيط سابع اختراق في حدود الطبيعة وتهدد الأنواع البحرية    وزارة البيئة: عقوبات رادعة تصل إلى مليون جنيه لحرق المخلفات    بسبب وقائع شغب.. محافظ القليوبية يستبعد قيادات تعليمية بمدارس قليوب وميت حلفا    محمود كامل يعلن انضمامه لاعتصام صحفيي "الوفد" السبت المقبل: دعم الزملاء واجب نقابي وأخلاقي    بوتين: دول الناتو فى حالة حرب مع روسيا ولم تعد تخفى ذلك    شرطة مانشستر: المهاجم مواطن بريطاني من أصل سوري    رقم سلبي يلاحق مدرب نوتنجهام فورست بعد الخسارة الأوروبية    موهبة مانشستر يونايتد تثير اهتمام ريال مدريد    وزارة العدل السورية تنفي صدور أحكام إعدام بحق مفتي سابق ومسؤولين في عهد الأسد    تركيا.. احتجاجات واسعة تندد باقتحام الاحتلال الصهيوني سفن "أسطول الصمود"    الإصلاح والنهضة يدشّن حملته الانتخابية للنواب 2025 باستعراض استراتيجيته الدعائية والتنظيمية    أستون فيلا يقهر فينورد على ملعبه في الدوري الأوروبي    شقيق عمرو زكي: اللاعب بخير وصحة جيدة.. ولا أعرف لماذا يرتبط اسمه بالمرض    رحلة تحولت إلى مأتم.. وفاة نجل طبيب وإصابة أسرته فى حادث بالطريق الإقليمى    جرعة مخدرات وراء مصرع سيدة داخل مسكنها فى العمرانية    منافسة ساخنة على لوحة سيارة مميزة "ص أ ص - 666" والسعر يصل 1.4 مليون جنيه    ضبط عاطل وشقيقه بتهمة حيازة مواد مخدرة للاتجار بالهرم    انفصال 4 عربات من قطار بضائع بسوهاج    تموين مطروح تضبط 6.5 طن سولار وسلع غذائية قبل بيعها في السوق السوداء    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: الدولة تدعم المحروقات ب75 مليار جنيه رغم الزيادات المقررة    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    خسيت 60 كيلو.. أبرز تصريحات عبد الله نجل غادة عادل ومجدي الهوارى (إنفوجراف)    أسامة كمال: الإخوان "عايزينها تولع" ويرغبون فى رفض حماس لخطة ترامب لوقف حرب غزة    ختام مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة في دورته الثالثة..صور    الشاعر مصطفى حدوتة بعد ترشح أغنيته للجرامي: حققت أهم وأحلى حاجة مع محمد رمضان    الفنانة شيرين تكشف تفاصيل إصابة قدمها وتجربة الألم أثناء تكريمها في مهرجان الإسكندرية السينمائي    مواقيت الصلاة في أسيوط اليوم الجمعة 3102025    رئيس لجنة تحكيم مسابقة بورسعيد يفوز بلقب شخصية العالم القرآنية بجائزة ليبيا الدولية    عالم بالأوقاف: الوطنية الصادقة لا تنفصل عن الدين.. وعبارة الغزالي تصلح شعاراً لعصرنا    الكويت تدخل موسوعة "جينيس" للأرقام القياسية بأطول جراحة روبوتية عابرة للقارات    السوشيال ميديا بكفر الشيخ تتحول لساحة نزال شرسة قبيل انتخابات النواب    موقف زيزو من مباراة الأهلي وكهرباء الإسماعيلية في الدوري المصري    رئيس جامعة الإسكندرية يسلم 4 نواب وعمداء جدد القرارات الجمهورية بتعيينهم (صور)    تفاصيل مسلسل «درش» ل مصطفى شعبان.. رمضان 2026    قائد عسكري إيراني: نحن أقوى هجوميًا الآن 12 مرة مُقارنة بحرب ال 12 يوما مع إسرائيل    وضع حجر أساس مستشفى «الخليقة الجديدة» بأسيوط بيد البابا تواضروس    السفير التركي يفتتح الدورة 78 من "كايرو فاشون آند تكس" بمشاركة 650 شركة مصرية وأجنبية    تحقيق عاجل بعد اتهام مدير مدرسة بالاعتداء على طالب في شبين القناطر    استشاري مخ يكشف مدى خطورة إصابة الأطفال ب"متلازمة ريت"    هدف الشحات ينافس على الأفضل في الجولة التاسعة للدوري    تعرف على نتائج الجولة السابعة من دورى المحترفين    ما حكم التنمر بالآخرين؟ أمين الفتوى يجيب أحد ذوى الهمم    قائمة ألمانيا لمواجهتي لوكسمبورج وأيرلندا الشمالية.. تواجد فيرتز وجنابري    خالد الجندى: كثير من الناس يجلبون على أنفسهم البلاء بألسنتهم    رفع كفاءة وحدة الحضانات وعناية الأطفال بمستشفى شبين الكوم التعليمي    وكيل تعليم البحيرة يتابع انتظام الدراسة في دمنهور    إخلاء سبيل سيدتين بالشرقية في واقعة تهديد بأعمال دجل    طرق الوقاية من فيروس HFMD    «أطفال بنها» تنجح في استخراج مسمار دباسة اخترق جدار بطن طفل    وست هام يثير جدلا عنصريا بعد تغريدة عن سانتو!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل مصر بين السيناريو القمعي والسيناريو الظلامي:
مثقفون وعسكر وإسلاميون
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 10 - 2011

أينما يجلس المثقفون حالياً، فلا يوجد في حديثهم سوي حديث واحد. ماذا لو آل مصير البلاد إلي واحد من الخيارين السيئين، العسكر أو الإسلام السياسي؟! الإحباط والرغبة الدائمة في تصور الأسوأ يدفع المثقفين إلي حالة حوار دائم حول أي من البديلين أصلح لتولي مقاليد البلاد. بعد مظاهرات يوم الجمعة التي بدأت باسم »تصحيح المسار« وانتهت باسم »الشريعة أولاً« بدا وكأن هذا هو الشغل الشاغل لهم. أين ستذهب الدولة المدنية التي طالما حلموا بها؟ وهل صحيح أن مستقبل مصر انحصر بين السيناريو العسكري والسيناريو الإسلامي؟ وجهنا في ذلك التحقيق سؤالا للمثقفين ما رأيك في الجدل الدائر الآن حول الحل الديني والحل العسكري، وفي حالة تأزمت الظروف.. هل ستختار واحدا من الحلين؟ وما هو؟
يوسف القعيد بدأ الإجابة متهكماً: لا عسكرية ولا دينية. الإثنتان لا أمان فيهما. أنت بسؤالك هذا كأنك تسألني بأي طريقة تريد أن تموت: بالكوليرا أو بالتيفود! الدولة العسكرية قد تبقي في الحكم خمسين عاما أخري، وهناك للأسف من يروج للدولة الدينية، وهم بعض المثقفين الانتهازيين الذين يقولون لي »دعونا نجربهم« كأننا حقل تجارب. أنا شديد الانزعاج من كلمة زنجربهم« هذه. نحن لدينا سيناريو ثالث، وهو سيناريو الدولة المدنية«.
القعيد ركز غالبية كلامه علي التيار الإسلامي السياسي. وهو يبدو هنا مثل سائر المثقفين، الذين يحتكون بالسلفيين في حياتهم العادية ولكنهم لا يحتكون بالجيش. قال إن الإخوان المسلمين كادوا يصبحون شركاء في الحكم الآن. لفتت انتباهه عدة مظاهر: محمد بديع زار الأقصر، وتم تصويره مع الآثار المصرية وتحدث بشكل إيجابي عنها برغم أن موقف الإخوان السابق من الآثار معروف. وهناك من يتخرج في معاهد الإخوان المسلمين وينظم قضاء موازياً في الريف المصري، وهو القضاء العرفي. أنا أري بنفسي شباباً منهم يلبسون ثيابا صفراء وينظمون المرور في مدينة نصر، ينهي كلامه في هذه النقطة قائلا: ليست لديّ فوبيا الإخوان، ولكنني أري أنهم أصبحوا شركاء في الحكم بالفعل.
الإخوان يقولون إنهم لا يريدون الحكم ولكن أفعالهم تؤكد رغبتهم في الاستحواذ (يفكر قليلا) الاستحواذ هي الكلمة الأنسب فعلاً. والمجلس العسكري يقول إنه ليس طرفاً وأنه يقف علي مسافة واحدة من الجميع، وأنا أتمني فعلا لو كان كلامه صحيحا ولو كان يقف فعلا علي مسافة واحدة من الجميع.
رفضك للمد الديني، هل نفهم منه أنك مع العنف ضده؟
بالطبع لا، المد الديني نتج عن أمرين أساسيين، أولهما التعامل الأمني معه في النظام السابق، لأنه يحول الطرف الثاني لضحية، حتي لو لم يكن ضحية فعلياً، الأمر الثاني هو مراهنة الإسلام السياسي علي أن المواطن المصري يفتقر إلي وعي، بحيث يصبح أي كلام لا يبدأ قال الله وقال الرسول شبيها بالكفر. لو ذهبت إلي القرية ستجد منبر الجامع يتحكم في كل شيء، الميلاد والزواج والوفاة، الناس لا يذهبون للعمدة وإنما لشيخ الجامع، هم يربطون بينه وبين الله.
هل يرفض القعيد سلطة العسكر بنفس القدر؟ أسأله ماذا لو كرر العسكر الآن نفس تجربة عبد الناصر في الاستيلاء علي الحكم؟!.. وأكتشف فجأة مدي غباء سؤالي حين يُطرح علي واحد من أشد المتحمسين للتجربة الناصرية. يقول بعد تفكير: أنا لم أر عبد الناصر، ولكنني سمعت عنه ممن عاصروه، وأقول، بدون أي نوستالجيا من أي نوع، إنه يبدو كما لو أن عبد الناصر كان حالة استثنائية بالنسبة للضباط الموجودين حالياً. أتصور أنه أمام حالة الانهيار الموجودة الآن فإن العسكر قد تراودهم فكرة البقاء في السلطة. أتصور أن ما يحدث من انفلات أمني مقصود حتي تطالب الناس من تلقاء نفسها ببقاء عبد الناصر.
ألا يمكن أن يتقاسم المدنيون مثلا الحكم مع العسكريين؟
شرعية الحكم لا تقسم علي اثنين. عندما يكون هناك تقسيم للسلطة فسوف تكون الكلمة العليا فيه للعسكريين، هذا لن يكون تقسيماً.
يبدو متشائماً تماماً: لو قال المجلس العسكري إنه قرر إيقاف كل النشاطات لمدة عام يتفرغ فيها لمحو أمية الشعب كنت سأصبح متفائلاً. المد الديني وقوده الأساسي هو الأمية خاصة إن الناس بعد 25 يناير أصبح لديها تطلعات رهيبة، هم ينتظرون تحصيل الفواتير، ولا يجدون إلا خيبة أمل كبيرة.

ماذا لو تأملنا سؤالنا من الخارج، ماذا لو نظرنا إلي سؤال عسكر أم إسلاميون وكأنه سؤال مصطنع، لا يركز أصلاً علي القضايا الأساسية؟! هذا ما يفعله المؤرخ شريف يونس. الجدل حول الإسلام السياسي والعسكر، بالنسبة له، يصب في مصلحة العسكر ويعيد إنتاج نفس خطاب مبارك، والذي مفاده أن القمع هو الضمانة الوحيدة لتحقيق المجتمع المدني.
إذا كان السؤال نفسه مصطنعاً، فمن الذي يقوم بإنتاجه؟
في رأيي أن السؤال يأتي من القوي التي تعتبر نفسها علمانية، وهي تعتبر نفسها الحلقة الأضعف فتقوم بالاختيار بين الحلقات الأقوي وبالتالي تحدث العودة للصيغة المباركية، أن التيارات الأضعف يحميها الحكم الاستبدادي. يبدو هذا واضحاً في سوريا مثلاً، حين يقف كثير من المثقفين العلمانيين مع بشار الأسد، ليس حباً فيه، ولكن هلعاً من الإسلاميين الذين سيدمرون الحضارة وإلي آخر هذا الكلام. ولكن في الحقيقة فليس هناك أحد لديه تصور عن مشاركته السياسية. الإسلاميين لا يعرفون ماذا يريدون بالظبط، وماذا يعني تطبيق الشريعة في حالة الدولة الجديدة الناشئة.
يسدد يونس سهامه نحو الجميع، فبجانب تجزؤ المعسكر الديني، فإن المعسكر المدني أيضاً مجزأ. بعضه يعتقد أن الديمقراطية القادمة ستكون نوعا من الليبرالية الجديدة، والتي تتساقط فيها ثمار التنمية علي الفقراء، بحسب تعبير مجموعة جمال مبارك وأحمد عز، وهناك قطاعات في المعسكر المدني تري أن التصويت يجب أن يكون للمتعلمين فقط! وهناك قطاع يري أن المشروع الاجتماعي هو الأهم.
بالإضافة لهذا فإن العسكر هم أيضاً ليس لديهم تصور أيضاً عن مشاركتهم. الناصرية انتهت، فما الذي سيكون مقصوداً بحكم العسكر؟ هل هو غلق المجال السياسي والتأميم علي طريقة عبد الناصر؟ هذا لم يعد نافعاً. هناك ضباب، والضباب قادم من الفراغ السياسي، هناك حركات اجتماعية ومطالب من كل نوع ولكن بلا صيغة سياسية، لا عند الجيش ولا الإسلاميين ولا العلمانيين.
حينما أخبرت شريف يونس بسؤالي لم يبد راضياً عن الصيغة. السؤال في حد ذاته، بجانب كونه مصطنعاً، هو أيضاً غير مهم. السؤال الأهم هو كيف يمكن بناء دولة ديمقراطية بمساعدة الإسلاميين ويكون للجيش فيها وضع خاص، وضعه الذي تأكد أيام الثورة بوقوفه حاجزا بين الأمن والثوار وبموافقته علي تنحي مبارك. وكيف يمكن حل مشكلة العدالة الاجتماعية، وحل مشاكل الصحة والفقر والتعليم. هذا هو المحك في رأيه.
واحدة من مشاكل الجدال حول »إسلاميون أم عسكر« هو أنه يتجاهل القوي المصرية الوليدة، التي ظهرت بوضوح في الثورة الروائي إبراهيم عبد المجيد يلفت النظر لها. يقول إنه يري الخريطة مختلفة تماماً عن الصيغة الواردة في سؤالي: »لا تنس أن القوي الليبرالية لا يستهان بها. بدليل أن مظاهرات الجمعة التي تحدث بدون الإسلاميين تكون ناجحة جداً. هذه هي القوي التي أراهن عليها، وهذه هي القوي التي تحافظ علي الثورة حتي الآن. المأزق العسكري أنه لا يمكن التخلص من هذه القوي سوي بحمام دماء، والعسكر غير قادرين هذا، أولا لأنه ليس في تاريخهم مثل هذا، ثانيا لأن الثورة لها سمعة طيبة جدا في العالم كله، ولا يمكن للجيش المخاطرة بسمعته أمام العالم من أجل التخلص منهم«.
يمكن بسهولة رفض سلطة العسكر باعتبارها سلطة غير ديمقراطية، ولكن ماذا نفعل بالنسبة للإسلاميين، الذين قد تأتي بهم الديمقراطية؟
الانتخابات بيننا وبينهم، هم لن يحصلوا علي أكثر من ثلاثين بالمائة من مقاعد البرلمان، ولن يصلوا إلي تلك النسبة إلا بالاتفاق بينهم وبين السلفيين، وهو اتفاق صعب أصلا. النظام كانت لديه معادلة، أن يأخذ هو السلطة ويأخذ الإسلاميون الشارع، ولكن النظام غادر السلطة، وبالتالي سيغادرون هم الشارع، وقد يتحولون إلي جزء من السلطة، ولو دخلوا مجلس الشعب لن يستطيعوا فعل شيء. كل أهدافهم هو كيف تلبس الناس، وهذا لا يهم الناس في الواقع. (يضحك) كان هناك مرشح يريد منع جوزة الطيب. ذلك المرشح لن ينجح أبداً.
السؤال بوضوح تام، ماذا ستفعل أنت بشكل شخصي لو حاز الإسلاميون علي أغلبية برلمانية؟
إذن سأتعلم منهم. الديمقراطية لا تضمن النجاح ولن تأتي بقرار. ليس هناك ضمانات في الديمقراطية. إذا انتصروا سأبقي في البلد وسأعارضهم. هذا طبيعي. المثقفون طوال الوقت ينعون غياب الطبقة الوسطي، وأنا أقول إن هناك طبقة وسطي بالطبع، الشباب الليبرالي الذين يجلسون علي الفيسبوك والتويتر، هؤلاء يرفضون المجلس العسكري والإسلام السياسي ويريدون دولة مدنية.
تركيزك علي القوي المدنية بوصفها القوي الليبرالية، هل تعني أن حماسك قد قل لليسار؟
(يضحك) طبعاً. أنا ليبرالي الآن. سافرت إلي الاتحاد السوفييتي ورأيت مآسي الدولة الشيوعية. حلم اليسار جميل ولكنه يوتوبي، وعندما يتمسك الشخص بتجربة منهارة فهذا يعني أنه رجل خيالي. أنا أري كل قيم العدالة الاجتماعية والمساواة وعدم التمييز، كلها موجودة في الليبرالية أيضاً.

السؤال هذه المرة لنادر فرجاني. أسأل أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة: هل هناك سيناريو بديل للسيناريو العسكري والسيناريو السياسي؟ فيجيب بأن هناك سيناريو مختلف تمام. أتوقع منه الإشارة إلي السيناريو المدني، ولكنه يفاجئني:
» السيناريو الثالث مشترك بين السلطة الدينية والسلطة العسكرية، عناصر تنتمي للإسلام السياسي تشترك في الحكم مع العناصر العسكرية. هذا هو الأقرب للتحقق للأسف«.
ما شواهد ذلك؟ يرد بأن الشواهد كثيرة علي فوز تيار الإسلام السياسي بمقاعد كثيرة في مجلس الشعب، وبالنسبة للعسكر فهناك محاولة لإنشاء أرستقراطية عسكرية، المجلس العسكري يرغب في وضع متميز له في الدستور، وهناك تكهنات قريبة من الصحة بأن المرشح الأقوي للرئاسة سيكون عسكرياً. بالمناسبة، كان فرجاني يقول ذلك قبل ساعة من جولة المشير حسين طنطاوي بالبذلة المدنية في شوارع وسط القاهرة.
والتيار الإسلامي، هل تعتقد أنه لا يمكن دمقرطته أبداً؟
لا. ذلك صعب الآن. جماعة الإخوان المسلمين والسلفيون في حالة من الانتشاء والتحرق للإمساك بالمجلس التشريعي،ربما في فترة قادمة إذا نشأ الحوار الفكري والسياسي المطلوب، فيمكننا الوصول إلي توافق حول مرجعية إسلامية لدولة مدنية حقيقية وهذا يحتاج لمجهود من الطرفين، من الليبراليين والسياسيين.
»الجيش علي الناحية الأخري نجح في إسكات الأصوات المعارضة القوية، بخليط من الترغيب والترهيب، وهذا للأسف ليس في مصلحة التطور السليم في مصر. المجلس اعتبر أن محاكمة المخلوع هي آخر تنازل يقوم به للثورة، وبعده لن يسمح بأساليب الاحتجاج الشعبي، وهي الشيء الوحيد المتروك للشعب حالياً«.
أليس هناك أي أمل في دولة مدنية وديمقراطية قوية؟ برغم تشاؤمه إلا أن فرجاني يبدو مؤمناً علي ما يبدو بتطور التاريخ نحو الأمام: هذا لن يحدث علي المدي القصير. المزيج العسكري السياسي سيؤدي لعدم استقرار، وفي الغالب سينتهي هذا بتأكيد الدعوة للحاجة إلي موجات تالية من الثورة الشعبية. الإعلان الدستوري لا يضع أي آلية لمساءلة المجلس العسكري، هو يحاول إجهاض كل أشكال الاحتجاج الشعبي، ولكنه في النهاية لن ينجح، لا هو ولا سلطة الإسلام السياسي، في إخضاع الشعب. بعد 25 يناير الشعب أصبح عصياً علي التدجين.

برغم كل الخراب الحادث في البنية السياسية لمصر إلا أن نبيل عبد الفتاح، الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، يبدو متفائلاً. يري أن كلاً من السيناريوهين أحاديان، وكلاهما لا يقوم علي دراسات دقيقة لتضاريس الخريطة السياسية والاجتماعية للبلاد. مشروع الحداثة المصري السياسية والقانونية والدولتية في رأيه قديم، ولا يزال راسخاً في قلب الحياة الاجتماعية والسياسية المصرية علي رغم من مرور ما يقرب من ستين عاماً من عمليات اختزال الدولة في أجهزتها القمعية ثم اختزال الدولة إلي نمط من الفرعونية السياسية، بتعبير جمال حمدان.
الدولة ضعيفة للغاية، لم تكن تقوم أيام مبارك سوي بدور »الدولة الحارسة« بالمعني التقليدي، كما يري، أي الدولة التي لا تفعل أي شيء، والقائمة علي مبدأ »دعه يعمل دعه يمر« ولا تتدخل في أي شيء، سوي حراستها لمجموعة من الرأسماليين. والنقطة الأخطر هو أن هناك تواريخ مختلفة، كل جماعة عرقية أو مذهبية أصبح لها تاريخها الخاص المنتزع من مجري التاريخ المصري، وبالتالي تم إنتاج ذاكرات تاريخية في مصر، مذهبية ودينية ومناطقية، وأصبح هناك أبطال فرعيون داخل تلك الذاكرات.
هل يمكن أن يؤدي ذلك الانهيار العام في السياسة المصرية إلي نمو نموذج بدائي للدولة بعد الثورة؟
لا، فحتي لو استطاع الإسلام السياسي الوصول للأغلبية داخل التركيبة البرلمانية، فستقف دونه عوامل عديدة، ميراث التحديث المبتور، والوضع العالمي والإقليمي الذي لن يسمح بوصول الأمور إلي صياغة طالبانية ولا سعودية علي النمط الوهابي. أعتقد أن مصر ستستمر لفترة من الأجل المتوسط والبعيد في حالة تضاغط من القوي المتعددة، وذلك التضاغط سيؤدي إلي تبلور بعض القيم المشتركة. هذا لن يحدث من خلال التنظيرات، ولكن لأول مرة تُتاح فرصة نادرة لكي تتحقق عبر جدليات اجتماعية وسياسية، بعد تسليم العسكريين السلطة للمدنيين.
بالإضافة لسبب آخر، فالأمة المصرية أصبح من الواضح الاتجاه الرئيسي فيها، وهو أن ما حدث خلال ستين عاماً لن يتكرر مرة ثانية، وأن كل جماعة مهنية تعي عملها وتخصصها، ولا يجوز لها أن تتعداه إلي نطاقات أخري. الشرعية ستكون لصناديق الاقتراع، والمؤسسات التمثيلية ستتعرض لما يسميه الباحث روزنفلو بالرقابة المباشرة للشارع. الشارع هنا أوسع من صناديق الاقتراع التي يمكن الوصول إلي الفوز فيها عبر العلاقات الاجتماعية والمال والرشاوي.
لكي تؤمن بهذا فعليك أن تكون واثقاً في الشارع المصري؟
أنا أري أن مستوي وعي الشارع يماثل مستوي وعي قطاعات من النخبة، سواء في الأحزاب السياسية وحتي في البيروقراطية. الجميع في النخبة والشارع - جاءوا من عالم لا تسوده السياسة وإنما يسوده القمع والفساد والجهل وانعدام الخبرة، والشارع يماثل النخبة في تلك الأمراض، وبالعكس، فالشارع بدا أكثر حرية وأكثر قدرة علي التعبير عن نفسه من النخب التي جلست علي مقاعدها تشاهد العمليات الثورية في التليفزيون، القول الآن إن النخبة تعرف أكثر من الشارع قول زائف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.