إمبارح واحدة جارتنا أخذت نمرتنا من البواب، واتصلت تستأذن لتحديد موعد لزيارتنا للتهنئة بالزواج، ترددت لأن الموضوع ده جديد عليا، ولأنك مسافر ومش معقول استقبلهم لوحدى، المهم أحرجت أعتذر ورحبت بالزيارة لأنى أول مرة استقبل ضيوف لم يسبق لى التعرف بهم، وهو أمر غريب، لكن فيه نوع من التجديد والتحدى أعجبنى. المهم اشتريت تورته صغيرة وأنا فى طريق العودة إلى البيت... وعند موعد الزيارة تأنقت ووضعت أحمر شفاه بسيط وخفيف جدا جدا صدقنى، ورن الجرس والحمد لله حضرت الجارة بمفردها وكانت سيدة منقبة، ويحمل صوتها كم كبير من الحنان، وكان يبدو عليها الإحراج، وحسيت أنها ضيفة مش تقيلة، وأنا كمان كان يبدو على الإحراج بسبب الروج الخفيف.. حسيت إنى فاسقة شوية، بس الحمد لله أنا برضه محجبة، ثم أزالت النقاب عن وجه سمح بشوش.. سألتنى السيدة: بتشتغلي؟؟ رديت بفخر: أيوه، أنا مترجمة ومحررة أخبار فى الإذاعة.. فى البرنامج العام، و...بكمل دراسات عليا فى كلية إعلام. وبعد الكلمة الأخيرة حسيت تانى إنى فاسقة.. قرأت على وجهها تعجبها من مستوى صياعة السكان الجدد "إعلام وإذاعة، إيه الجو اللبش ده.." (الشيء بالشيء يذكر.. واحده صاحبتى والدتها تعمل بشركة سجاير كانت بتقنعنى أن تتوسط لى والدتها كى أعمل معها وعندما ألمحت أنا لها إن فلوس الشركة دى أكيد حرام فى حرام، ردت إن الشركة زيها زى اتحاد الإذاعة والتلفزيون الذى أعمل به وأستحل فلوسه، والفارق أن المرتب فى الشركة سيكون أكبر.. المهم مش عايزه أدخل فى السياسة ، أحسن أكملك ما حدث مع الضيفة) أنا: وأولاد حضرتك فى سنة كام؟ الست: أنا بناتى متزوجات الحمد لله من مناصب عليا.. قاطعتها بلطف وظرف آل يعنى حبوبة أوى: إيه ده، مايبانش على حضرتك إن حتى ولادك خلصوا جامعة. لأ جامعة ايه؟، الحاج مقتنع إن البنات كفاية عليهم الإعدادية، بكده يكونوا اتعلموا اللى ينفعهم وبس، ويبقوا وصلوا لسن الزواج. شعرت بحرج، وحاولت أغير الموضوع بلباقتى المعهودة: أمال حضرتك بتشتغلي؟؟ وبعد السؤال الأخير شعرت أن اللطافة واللباقة تخلتا عنى، لأن السؤال لم يكن فى محله ويدل على غباء السائل. الست: لأ طبعا كفاية عليا البيت والأولاد، ده الراجل بيشتغل بره البيت بس، الست بأه هى اللى هتشتغل جوه وبره؟ الله يا ست ، إيه الجمال ده..أشعرنى كلامها براحة غريبة حتى أننى كدت أن ألقى بنفسى فى حضنها وأبكى بكاء مريرا وطويلا، ويكأنى (على رأى طلعت زكريا) ارتحت من حمل ثقيل كان جاثما فوق صدرى لسنوات بسبب صراع نفسى مستتر وكامن فى اللاشعور. قلت: حضرتك معاك حق والله قالت: طبعا يا بنتى هى الست يعنى هتكون أقوى من الراجل؟؟ المهم.. لم تثقل على ورحلت على وعد منى بزيارتها فى القريب، وعلى وعد أنى أبلغك أن الحاج أيضا يريد أن يبارك لك قريبا إن شاء الله. الحقيقة يا حبيبى لم أتضايق من كلام مدام سعاد، ولم أستخف بآرائها حتى بينى وبين نفسى.. صحيح طبعا أنا مش معاها فى نقطة تعليم البنات.... ولو إن والله كلامها له بعض الوجاهة، لأ ماتقولش إنى متخلفة أو أى حد معدى ممكن يأثر عليا زى ما بتقوللى على طول، بس أنا اتعودت أتفهم الآخر وأتقبل الأفكار المغايرة لأفكاري... مثلا فى أمريكا التعليم الأساسى بيكون لحد الثانوية(الهاى سكول) فقط، والناس هناك بتشتغل بالشهادة دى ولا يجدون أدنى غضاضة فى ذلك، والجامعة تقتصر على فئة معينة، ومش فى أمريكا بس (على أساس إن هما متخلفين وكده)، لأ عندنا فى مصر(أم الدنيا والحضارة كلها) اللى بياخد شهادة بيكون عشان يتجوز بيها ولا يتعلم فى النهاية شيئا مفيدا، وعادة لا يعمل بمؤهله الأصلى، ده إذا وجد عمل أساسا، وكل المسئولين والمثقفين والناس اللى فاهمه، بتنادى بأن التعليم يكون مرتبط باحتياجات سوق العمل، وبينادوا بالاهتمام بالتعليم الصناعى، يعنى التعليم يرتبط بالواقع ولا ينفصل عنه، عشان كده أنا ما حستش إن الست دى متخلفة، خصوصا إن مجتمعنا بوشين لو سمع رأى الخواجات يقتنع، إنما لو نفس الرأى من منطلق كلام هذه السيدة يبقى تخلف وجهل ورجعية...إلى آخر هذه الاتهامات الجاهزة، ومجتمعنا بوشين... عشان دور الست فيه هو خدمة زوجها، لكن لازم برضه تساعده فى المصاريف، ومجتمعنا بوشين.. لأن البنت بتتعود من صغرها على حب التعليم والتعلق بالتفوق، ثم تصدم من نظرة الناس ليها لو فضلت من غير جواز، مهما كانت متفوقة علميا أو عمليا. واحده صاحبتى مره قالت لى "نفسى يعملوا قانون يمنع الستات من العمل، عشان مايبقاش جوانا صراع، الحكومة تساوى بين كل الستات وتحلها من عندها "، وفعلا الست بتبقى دايما تحت ضغط، اللى بتشتغل مش عاجبه الناس عشان "أكيد مهملة بيتها"، واللى مش بتشتغل "ياى إيه دى كسوله أوى بتعمل إيه طول النهار ما أولادها كبروا خلاص دى بتستغل جوزها وبتخليه يشيل المصاريف لوحده"، مع إن فى كل الحالات الست تعبانه بره وجوه، على فكرة أنا مش قصدى اشتكى ولا حاجه ، أنا عارفه ظنك فيا إنى بعمل إسقاط على حياتنا، أنا بس بحكى لك اللى حصل النهارده وأنت مسافر، بس أنا بره الموضوع ده!