الانتصار يملأ العين مثل الشمس فى وضح النهار، يراها الجميع ويتحدثون عنها، وهذا ما حدث مع باراك أوباما بعد انتخابه أول رئيس أسود للولايات المتحدة فى خطوة تمثل حدثاً تاريخياً، لكن بقدر عظمة هذا الحدث بقدر ما يجب أن يكون الإعجاب بالرجل الذى رأى بذرة هذا الانتصار وأطلق شرارته قبل سنوات. وقبل شهور قليلة، كان بعض المحللين يتحدثون عن صعوبة أن يضع الأمريكيون ثقتهم فى أوباما بسبب نقص خبرته التنفيذية، حيث إنه لم يكمل الفترة الأولى كسناتور فى مجلس الشيوخ الأمريكى، وتساءل البعض كيف لهذا الرجل أن يدير أكبر بلد فى العالم ولم يسبق له أن أدار أى شىء؟ سواءً كان حياً صغيراً فى أى مدينة أمريكية ولا حتى شركة صغيرة متوسطة الحجم، ومن السهل أن يتحدث الجميع الآن، بما فيهم هؤلاء المحللون، عن عظمة أوباما بعدما حقق إنجازه التاريخى. لكن جون كيرى المرشح الديمقراطى الذى خسر انتخابات الرئاسة أمام جورج بوش عام 2004، كان هو الرجل الذى رأى بذور هذه العظمة حتى قبل أن ينجح أوباما فى الفوز بعضوية مجلس الشيوخ، ورغم أن كيرى خسر الانتخابات الرئاسية فى 2004، إلا أنه قدم فى تلك السنة لأمريكا والعالم الرجل الذى حقق فى 2008 إنجازاً تاريخياً يتحدث عنه الجميع، وفى 2004 التقط كيرى ذلك العضو الأسمر فى المجلس التشريعى لولاية أيلينوى الذى كان فى الثالثة والأربعين من العمر ولم يفز بعد بعضوية الكونجرس الأمريكى، وطلب كيرى من أوباما إلقاء الكلمة الرئيسية فى المؤتمر العام للحزب الديمقراطى فى ذلك العام، وكانت تلك المناسبة هى الحدث الذى أعطى لأوباما الفرصة للفت الأنظار على مستوى الحزب لقدراته الخطابية وأرائه السياسية. وفى يناير 2008 وعقب الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى فى نيوهامبشاير، والتى فازت بها هيلارى كلينتون تدخل كيرى ليعلن تأييده لأوباما كمرشح للحزب قبيل انتخابات ساوث كارولاينا، ليساعده على كسب الولاية، وكان ذلك قبل نحو عشرة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وقبل أن يتضح حتى حجم التحدى الجاد الذى مثله أوباما للسناتور كلينتون التى انتزع منها فى النهاية ترشيح الحزب الديمقراطى، ثم حقق أمال الحزب بانتزاع البيت الأبيض من أيدى الجمهوريين. وهذه المقدرة على التنبه للإمكانيات المتميزة لدى سياسى شاب، والأخذ بيده حتى أعلى المناصب ألا تستحق الثناء؟، وكم من السياسيين لدينا لديه القدرة والشجاعة على اكتشاف أوباما صغير؟ بل وكم من العلماء لديه القدرة والشجاعة على اكتشاف بذور لزويل جديد أو مصطفى السيد، بدلاً من أن ننتظر حتى يكتشفهما غيرنا ويستأثر بانتاجهما العلمى؟ بالطبع المسألة لا ترتبط فقط بالقدرة على اكتشاف وتمييز المواهب السياسية والعلمية، ولكن بتوافر الساحة والأرضية التى يمكن أن تتيح رعاية مثل هذه المواهب، لكن عدم توافر مثل هذه الأرضية ليس مبرراً كى لا ينظر كل منا حوله ويفتش عن أوباما، بعيداً عن المشاحنات الشخصية والانكفاء على الذات، فربما تأخذ بيد شخص، ويصح تقديرك فتجده يوماً مثل أوباما أو زويل أو السيد، ويكون لك السبق فى تبين الخيوط الذهبية لشمسه قبل أن تسطع فى عيون الجميع.