إعلان نتيجة المرحلة الأولى بتنسيق الجامعات 2025.. غدًا    «التضامن» تقر قيد 3 جمعيات في محافظتي الإسكندرية والمنيا    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    أسعار الفراخ اليوم فى مطروح السبت 2 أغسطس 2025    تسلا تدفع 200 مليون دولار تعويضات بعد مقتل شاب بسبب القيادة الآلية    توقيع بروتوكول تعاون بين «الجمارك» وغرفة القاهرة التجارية لتيسير الإجراءات    ننشر أسعار حديد التسليح اليوم 2 أغسطس 2025    وزارة النقل: استمرار تلقي طلبات السائقين الراغبين في الانضمام لبرنامج تدريب وتأهيل سائقى الاتوبيسات والنقل الثقيل    «بلومبرج»: مكتب التحقيقات الفيدرالي أخفى اسم ترامب في ملفات قضية إبستين    استشهاد 22 فلسطينيا برصاص الاحتلال الإسرائيلي بأنحاء متفرقة من قطاع غزة    سقطة وخيانة و "فضيحة بجلاجل"    "اليونيسيف": أطفال غزة يموتون بمعدل غير مسبوق    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    الزمالك يتوصل لاتفاق مع عدي الدباغ    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد ليون الودية والقنوات الناقلة    وزير الرياضة يشهد تتويج منتخب الناشئين والناشئات ببطولة كأس العالم للاسكواش    اللجنة الأولمبية تشكر الرياضيين وتُعزز الاستقرار بتفعيل مدونة السلوك    21 مصابًا.. ارتفاع أعداد المصابين في حادث انفجار أسطوانة بوتاجاز بمطعم بسوهاج    القبض على بلوجر "إنهاء تراخيص المرور" في أكتوبر    الداخلية: سحب 844 رخصة وتحرير 601 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    أجواء غائمة وفرص أمطار تمتد للقاهرة.. حالة الطقس اليوم السبت 2 أغسطس 2025    عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين بحفل أسطوري (صور)    القاهرة الإخبارية: حضور لافت للمصريين فى اليونان للتصويت بانتخابات الشيوخ    ابحث عن طريقة لزيادة دخلك.. توقعات برج الحمل في أغسطس 2025    رئيس جامعة المنوفية يصدر 7 قرارات جديدة بتعيين وتجديد تكليف لوكلاء الكليات    55.7 مليون جنيه.. إيرادات فيلم الشاطر بعد 17 ليلة عرض (تفاصيل)    بيت الزكاة والصدقات يبدأ غدا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين بجميع المحافظات    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية لأمانة المراكز الطبية المتخصصة والمستشفيات    مدبولي يتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    «100 يوم صحة» تقدم 26 مليونًا و742 ألف خدمة طبية مجانية خلال 17 يومًا    انتخابات الشيوخ 2025.. توافد لافت ورسائل دعم للدولة المصرية خلال تصويت المصريين بالسعودية    الكهرباء تكشف أحدث حيل سرقة التيار عبر العدادات مسبوقة الدفع    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    الهيئة الوطنية للانتخابات: سفراء مصر بالخارج يدعمون التصويت    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    جنين تم تجميده عام 1994.. ولادة أكبر طفل في العالم    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن الساحر أو المنسى قنديل
نشر في اليوم السابع يوم 27 - 06 - 2010

محمد المنسى قنديل زهرة كتاب المحلة، وبهجة الزمن الجميل، التقيت به فى أوائل الستينات (فى سنة ثانية ثانوى) ومن يومها لم نفترق، هذا الفتى النحيف كان "ندِّى ونديمى"، قدمنى إلى صديق صباه الباكر جار النبى الحلو وأصبحنا معا نذاكر فى بيت جار، حيث نور الكهرباء الذى لم يكن دخل بيوتنا بعد، كان جار ولايزال مجنوناً بالكرة وكنا أنا والمنسى مجنونين بالشطرنج، وقتها كنت أكتب الشعر وكانا يكتبان القصص القصيرة ولم نلبث مع الالتصاق الدائم أن كتبت القصة إلى جانب الشعر وكتبا الشعر إلى جانب القصة واستمر هذا حتى سألنى جار ذات مرة: قل لى بجد هل أستمر فى كتابة الشعر؟ فقلت له بحسم: لا
كنت أنقل لهما ما تعلمته من الأوزان العروضية وكنا على سبيل الدعابة ننادى الجرسون بالنقر على طاولة المقهى نقرات تساوى الحركة والسكون فى تفعيلة من تفاعيل الخليل، أنا مثلا -0 -0 - - 0 (مستفعلن) وجار - - 0 – 0 (فعولن) وهكذا.
كان المقهى لوالد صيقنا يحيى بستان، عملنا بها مكتبة صغيرة، ومجلة حائط نكتب فيها أشعارنا وقصصنا، ثم نلعب الشطرنج ولا نكف عن الكلام.
كنا نقرأ الكتب نفسها ونشاهد معا مسرحيات الستينات، كنا نتحاور فى كل شىء، فى ما نكتب وفى ما نقرأ، بل وصرنا نكتب خطابات نسميها (خطابات منتصف الليل) نواصل فيها الحوار، ونقوِّى حججنا بهدوء، ونسلمها لبعضنا البعض فى اليوم التالى! وعندما ضاقت المحلة عن أحلامنا فى استيعاب اللحظة الثقافية، كنا نذهب إلى القاهرة، فعلنا ذلك لنرى مسرحية (ليلة مصرع جيفار)، وأخذنا نتحايل أنا والمنسى للذهاب إلى القاهرة، مرة بكرنيهات طلبة ليست لنا نركب بها القطار، ومرات ب(التسطيح) على القطار لنرى مسرحية (الفتى مهران) و(سليمان الحلبى) ونقضى ما تبقى من الليل مع عم المنسى (المناضل العمالى) فى شقته بشبرا الخيمة.
كان المنسى مولعا بالمسرح وكنت مولعا بالفلسفة وعلم النفس، وكنا - بعد المذاكرة فى بيت جار- نتجول فى شوارع المحلة فى الليل، أحدثه عن قراءاتى ويحدثنى عن قراءاته.
كان ولعه بالمسرح مبكرا جدا ، يقول جار النبى (وكان زميله فى مدرسة الأقباط الأعدادية) ان المنسى كان يمسرح القصة المقررة ( زهرة من الجزائر) ويحولها إلى حوار، يقوم هو وجار وبعض التلاميذ بتمثيلها صباح كل يوم- فى الاذاعة المدرسية- قبل دخول طوابير المشاهدين إلى الفصول!
كما أنشأ (مجلتى) مع جار أيضا، ونشر فيها القصص التى كانوا يؤلفونها، ونقل إليها (بطريقة الشف) الرسوم والكاريكاتير من صباح الخير، كما زودها بالأخبار والقصص المصورة (الاستريبس) التى كان يرسمها بنفسه، أما التوزيع فكان مضموناً، فالمجلة كشكول يتكون من مجموع صفحات (الدبل باج) المنزوعة من كراريس التلامذة المساهمين فى المجلة! كان قارئاً نهماً، وبارعا فى الحصول على الكتب، فبالإضافة إلى تردده على مكتبة البلدية- العامرة وقتها - استطاع هذا الفتى النحيف أن يمتّن علاقاته بباعة الكتب فى المحلة: محمد ابو العلا وطلعت قنديل، وكان مثلى يؤجر الكتب بثمن زهيد إذا التزم بعدم فتح ملازمها، وبثمن اكبر إذا اضطر إلى فتحها!.
أطلعنى مرة على أحد كنوزه، فتح أمامى صندوقاً هائلاً ممتلئاً بمجلات روزاليوسف وصباح الخير و"كتابى"، ومنحنى الفرصة لقراءة القصص والروايات المسلسلة لإحسان عبد القدوس ومصطفى محمود وفتحى غانم وصبرى موسى و محمود السعدنى وغيرهم.
لا شك أن مدرسة روزاليوسف كانت المؤثر الأول فى كتابة المنسى قنديل، الرشاقة، وبساطة التركيب النحوى، والميل إلى الشياكة والشاعرية، وهى السمات التى ظلت تطبع أسلوبه ولغته منذ التقيته فى مقتبل الستينات وحتى الآن.
يكتب بخط أنثوى منمنم، وبجرأة يحسد عليها، بلا شطب أوتعديل إلا فى النادر، وكأنه إنما ينقل ماكتبه سلفا فى رأسه!
كان أكثرنا ولعا بالتجريب، ويطوع فى كتاباته ما يروق له من تقنيات الرواية الجديدة -آن ذاك- عند آلان روب جرييه ونتالى ساروت وفرانسواز ساجان وغيرهم.
كان ليبرالياً عندما كنا ميالين لليسار، وهو ما جعله بمنأى من غواية الواقعية الاشتراكية المقررة وقتها، والتى حدّت من تحليقنا جميعا، وإن بدرجات مختلفة، ظل وفيا لرؤيته الانسانية، منطلقا من عالمه الفقير، راغبا فى نقده وتجاوزه إلى أفق رحب ورحيم، دون الوقوع فى الصراخ أو المباشرة، أوالرضوخ للطقوس الأيديولوجية.
فى عام 1965ذهبنا إلى إلى نادى الأدب بقصرالثقافة، كان يرأسه أحمد عصر و يضم الجيل السابق علينا : رمضان جميل، سعيد الكفراوى، محمد صالح، أحمد الحوتى، نصر أبو زيد، جابر عصفور، بكر الحلو، محمد الشطوى، سعد السياجى
كانت نقلة هامة فى حياتنا ، كانت المناقشات امتحانا حقيقيا للتجربة، مجموعة من الصقور تتعاور النصوص، لكنها كانت فرصة للوعى بما ننجزه وما نطمح إليه ، وفرالنادى امكانية لقاء كتّاب من المنصورة ودمياط، ودعوة كتّاب وشعراء ونقاد من القاهرة، الأمرالذى جعلنا نتماس مع اللحظة الراهنة فى الكتابة خارجنا، بل وخارج المحلة.
خارج النادى نواصل التجمع - كمجموعة من الصقور- فى بيت سعيد الكفراوى ورمضان جميل ونصر أبو زيد، ومعظم الوقت فى حجرة جار النبى الشهيرة، التى كنا أنا والمنسى شهوداً على بنائها فوق السطح.
المنسى طاقة هائلة فى الكتابة، يجرب ويكتب فى كل شىء تاركا عالمه يتنفس تحت سموات مختلفة: القصة، والرواية، والسيناريو، والتاريخ، وأدب الطفل، وأدب الرحلات كتابته للتاريخ تشى بقراءة خاصة، واسعة وعميقة للتراث العربى، كتابة أعادت إلى الوقائع القديمة روحا جديدة، ونبضا هرب من صفرة الأوراق، واتاحت تأويل الشخصيات كسؤال وجودى مؤرق، مشروط بالزمان والمكان، فعل هذا فى كتبه البديعة "شخصيا ت حيّة من الأغانى" و"وقائع عربية" و "تفاصيل الشجن فى وقائع الزمن" والمنسى أول من كتب للأطفال فى المحلة، واتاح الامكانية للجيل التالى لسلوك نفس السبيل.
الغريب أن ولع المنسى بالمسرح لم يتأدى به إلى كتابة المسرح وإن ظل بتقنياته كامنا تحت كل مايكتبه ، كامنا فى باطن النصوص، يقودها، وينفّضها من الثرثرة، ويعكس عليها من حيويته الدرامية الدافقة.
كان لا يزال طالبا عندما حصلت قصته " أغنية المشرحة الخالية" على المركز الأول فى مسابقة نادى القصة عام 1969، فرحنا، وشعرنا بالفخر، وعلقنا صورته وهو يستلم الجائزة فى مقهى "اللوفر" المقهى الذى نجتمع فيه، علقها حمودة صاحب المقهى بنفسه ووزع المشروبات على الجميع مجانا.
وفى العام نفسه فازت مجموعة من كتّاب "نادى الأدب" بقصر ثقافة المحلة فى المسابقة التى نظمتها الثقافة الجماهيرية ، فاز المنسى بالجائزة عن قصته "سعفان مات" وفزت أنا بجائزة شعر الفصحى، وفاز نصر أبو زيد( المفكرالإسلامى الآن) بجائزة شعر العامية!
كان اعتداد المنسى بالكتابة هائلاً، مؤمنا بمصداقيتها إيمان الشيخ العارف، فهذا الشاب الفقيرعندما أدخله المجموع كلية المعلمين لم يرض بنصيبه، كان يعرف أن الخلاص من الفقر مرهون بالتخرج من كليات القمة، وقبل التحدى، أعاد السنة، وبالفعل دخل كلية الطب وصار طبيباً، أصبح المستقبل واعداً أمام الطبيب الشاب، ولكن ما أن عمل سنتين فى المنيا والقاهرة حتى فاجأ الجميع بترك المهنة والتفرغ للكتابة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.