محافظ القليوبية يتابع لجان الفرز ويؤكد جاهزيتها وتأمينها الكامل (صور)    وزير الاتصالات يشهد ختام فعاليات مسابقة "DIGITOPIA" السبت المقبل    وزير الاستثمار يبحث مع سفير بلغاريا سبل تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين    وزارة الاتصالات تستعد لإعلان الفائزين في أكبر مسابقة وطنية للإبداع الرقمي    بعد انتهاء ساعة الراحة.. استئناف التصويت بمدينة 15 مايو فى انتخابات النواب    البيت الأبيض: أحرزنا تقدما هائلا نحو اتفاق سلام في أوكرانيا    منتخب الكويت يهزم موريتانيا ويتأهل لمجموعة مصر في كأس العرب 2025    خبر في الجول – حسام حسن يضع ناصر ماهر وناشئ الأهلي لاحتمالية ضمهما في أمم إفريقيا    موعد مباراة منتخب مصر أمام الكويت في افتتاح كأس العرب والقنوات الناقلة    شريف إكرامي يغادر المحكمة غاضبًا بعد قرار استمرار حبس رمضان صبحي بتهمة التزوير    النصر يختار أبو ظبي لمعسكره خلال كأس العرب    القبض على شخص بحوزته مبالغ مالية تمهيدًا لتوزيعها على الناخبين بالغربية    التجهيزات النهائية لمسلسل النص الجزء الثاني (صور)    تامر هجرس ينضم ل«عيلة دياب على الباب» بطولة محمد سعد    الخميس.. أعمال محمد عبد الوهاب بقيادة علاء عبد السلام في أوبرا الإسكندرية    الأوقاف تحتفل باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.. والأزهري: رسالة تقدير وتعظيم لدورها ومكانتها    وحدة السكتة الدماغية بجامعة عين شمس تحصل على شهادة اعتماد دولية    إعلامي يكشف عن رحيل 6 لاعبين جدد من الزمالك    إشادة دولية بالالتزام بتعليمات «الوطنية للانتخابات» في لجان المرحلة الثانية..فيديو    امرأة وطفل يثيران الذعر: ضبطهما بمحاولة فتح بوابة منزل وسرقة مزعومة بالقليوبية    انعقاد جولة مشاورات سياسية بين مصر واليونان    تأجيل محاكمة 24 متهما بخلية مدينة نصر    نائب رئيس حزب المؤتمر: وعي الشعب أسقط حملات الإخوان لتشويه الانتخابات    ضمن "اشتغل واتطور".. الجامعة البريطانية تسهم في تدريب وتطوير الكوادر الإدارية بالقاهرة    وزير قطاع الأعمال يترأس الجمعية العامة للقابضة للأدوية لاعتماد نتائج أعمال العام المالي 2024-2025    رئيس ميرسك: الثقة بقناة السويس حجر الزاوية لنجاحنا في مصر    المستشار أحمد بنداري يوضح سبب عدم فتح لجنة 118 في شبين الكوم    الوطنية للانتخابات: استبعاد أي تعطّل مع الساعات الأولى لليوم الثاني من الاقتراع    وكيل توفيق محمد يفجر مفاجأة بشأن انتقاله للأهلي في يناير    مراسل إكسترا نيوز بالدقهلية: انتظام العملية الانتخابية وسط إقبال متزايد    بالصور.. "دافنينه سوا" أول بطولة درامية لمروان فارس ومصطفى ليشع    أمن المنافذ يضبط 66 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    تأجيل محاكمة الصغير المتهم بإنهاء حياة صديقه بالمنشار في الإسماعيلية    محافظ الجيزة: تطوير عيادات الصف والبدرشين وروز اليوسف والبراجيل ومركز كُلى البطران    تكريم عمار الشريعي بلمسة أوركسترا بريطانية    مراسلة إكسترا نيوز بدمياط: تنظيم وانسيابية فى اليوم الثانى لانتخابات النواب    الداخلية تضبط 3 متهمين بجرائم سرقات متنوعة في القاهرة    وزير التعليم الإيطالى: أشكر مصر على الاهتمام بتعليم الإيطالية بالثانوية والإعدادية    الداخلية تضبط مدير كيان تعليمي وهمي بالدقي بتهمة النصب على المواطنين    مكتب الإعلام الحكومي يوثق بالأرقام: مؤسسة غزة تورطت في استدراج المُجوّعين إلى مصائد موت    وزير التعليم: أتوجه بالشكر للرئيس السيسى تقديرا على اهتمامه البالغ بالتعليم    بعد تصنيف «كارتل الشمس» إرهابية.. أمريكا تستعرض قواتها قرب فنزويلا    ظهر اليوم.. هدوء بلجان القصر العيني ووسط البلد وتسهيلات لذوي الاحتياجات الخاصة    مجلس حكماء المسلمين يدعو لتعزيز الوعي بحقوق المرأة وحمايتها من كل أشكال العنف    الصين: أجواء المكالمة الهاتفية بين شي وترامب كانت "إيجابية وودية وبناءة"    الاحتلال ينفذ عمليات نسف للمباني في غزة مع قصف مدفعي شرق خان يونس    محاكمة فضل شاكر أمام المحكمة العسكرية اليوم    الافتاء توضح حكم الامتناع عن المشاركة في الانتخابات    باسل رحمي: نعمل على مساعدة المشروعات المتوسطة والصغيرة الصناعية على زيادة الإنتاجية والتصدير    رومانيا تنشر طائرات مقاتلة بعد اختراق مسيرتين مجالها الجوي    وزير الصحة يلتقي وفد اتحاد الغرف التركية لبحث التعاون الصحي والاستثمار المشترك    الزراعة تطلق حملة لمواجهة مقاومة المضادات الحيوية في الثروة الحيوانية    «الصحة»: تقديم 21.9 ألف خدمة في طب نفس المسنين خلال 2025    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء 25 نوفمبر والقنوات الناقلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 25-11-2025 في محافظة قنا    دعاء وبركة | أدعية ما قبل النوم    هل يجوز للزوج الانتفاع بمال زوجته؟.. أمين الفتوى يجيب    بث مباشر.. مانشستر يونايتد ضد إيفرتون في الدوري الإنجليزي 2025/2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن سعيد الكفراوى وناسه الطيبين
نشر في اليوم السابع يوم 19 - 06 - 2010

يقدم سعيد الكفراوى فى هذه الجدارية وجوها تطفر من الزمن الجميل، يقدمها- فى لغة شعرية آسرة، مروّقة، ومغسولة بماء القلب - راصدا حركتها فى وجدانه ووعيه حتى أصبح ما هو عليه الآن.
الكتاب سيرة ذاتية يلاحق فيها سعيد ما يطفو فى لحظات الكشف من وقائع ووجوه شكلت قناعاته أو تقاطعت معها، حتى أصبح من الممكن، كما فى لعبة البازل، تكوين صورة الكاتب من خلال ثلاثين فقرة تكون هذا الكتاب السيرة.
انشغلت وأنا أتجول بين هذه الفسيفساء باستخراح التجربة دون الوقوع فى حبائل الوعى اللاحق لها، الوعى الذى يفسر به الكاتب ماحدث فى الماضى، لأنه يظل تفسيرا من تفاسير أخرى ممكنة
كنا فى نادى الأدب بالمحلة- فى النصف الثانى من الستينات- نناقش أعمالنا بعنف وقسوة، مسلحين بما يعلق فى الفضاء النقدى وقتذاك من مفاهيم ومصطلحات.
كنا خارجين للتو على الرواد فى القصة والرواية والشعر، بتاثيرمن هزيمة يونيو67 ، ومرتبكين أمام كتابة جديدة مدهشة، يدشنها جيل الستينات فى جاليرى 68 وملحق المساء، الذى كان يعده - أحد صناع هذا الجيل- طيب الذكر عبد الفتاح الجمل.
كان علينا أن نخرج على الآباء: نجيب محفوظ ويوسف ادريس وصلاح عبد الصبور، وأن نتأمل كتابة أخرى يجترحها عبد الحكيم قاسم وابراهيم آصلان وأمل دنقل ، لم يكن الأمر سهلا، ووقر فى وجداننا أن هناك بالفعل ما هو أفضل مما نكتب، دعونا بعضهم إلى المحلة وبحثنا عن الآخرين فى القاهرة، ومنذ 1969انتقلت الشلة إلى القاهرة عدا جار النبى الحلو والمنسى قنديل، الذى كان يدرس الطب فى المنصورة آنذاك، هذا الفرار إلى الكتابة الجديدة جعلنا نلتصق برموزها، الأمر الذى جعلنا نتابع تجارب الآخرين ولانتابع بعضنا البعض، مكتفين- فيما يبدو- بصورة كونها كل منا عن الآخر- فى بداياته الأولى- ولا يريد أن يغيرها بامتحان صاحبه، للوقوف على تحولات تجربته عبرأكثر من أربعة عقود!!
تفاصيل مثل حبات عقد الكارم تنوس دائما فى الوعى، مثل عقد الكهرمان، الذى كانت تلبسه أمهاتنا فيضؤهن فى الليل ، هكذا يقول الكفراوى وسأختار من هذه الحبات ما يشكل صورته.
: عشقت من صغرى قص القصص، كنت أتوسط اترابى متمثلا ذلك الشاعر الشعبى القديم، الذى كان يقف بهيا وسط احتفالية مولد السيد البدوى،،عاملا من عود الذرة ربابة، وأصدح بالصوت فى ليل قريتى، وسط بقعة من النور يضيئها كلوب دكان عبد العزيز زايد البقال، أحكى وأفتى فيما أعرف وفيما لا أعرف.
لما صلب عوده بدأ يتعرف على حروف الهجاء ، فك الخط وحفظ قصار السور، وحضر دروس الوعظ بالمسجد، وقرأ الأربعين النووية، وتباهى على أترابه من العيال بأنه قادر على دخول البستان !!
فى شعبة الإخوان المسلمين- وكنت طفلا- كان الأمير يتمتع بجسد مصارع له لحية ووجه قاس مريع، جمعنا مع بقية أمراء الأسر وأخبرنا بأنه وضع كتابا تحت الجميزة فى البستان، والشجاع منا من يحضر الكتاب فى عزعز الليل وأشار إلى !
كان البستان فى الليل مهجورا وموحشا مثل مقبرة، تنتصب أشجاره كالمردة، وأنا أقف بالقرب من السور مثل عقلة الأصبع فى الحكايات التى أقرؤها، سرت بين صفوف أشجاره، وهفت طيور فوجئت بى وأطلقت صرخات كالعويل، فجأة برز أمامى البيت الذى يتوسط البستان، قادنى فضولى فأخذت أشب على قدمى أمام النافذة، وراعنى ما رأيت، رأيت امرأة تخرج عارية تلف رأسها بشال من حرير، حين انتزعته سقط شعرها على البدن- المنطلق فى الضوء - مثل عرف فرسة فى الريح، كدت أن أصرخ صرخة تفضحنى، فيأتى أصحاب البستان ويخصوننى مثلما يخصون الجديان وكلب الدار، تصرخ ؟! إياك.. قاوم دهشتك وولع قلبك، واجتز عتبات الحلم، واخرج من بستان لبستان، انظر إلى الشواطىء لترى بنات الحور، إنها من نسلهم وربما تكون حفيدة البنت التى دفنوا الفتى الأسمر بسببها فى أرض البستان، انتزعت نفسى مرغما، وبداخلى تتضارب المشاعر مثل ماء مغلى، وخطوت ناحية الجميزة وباشرت الحفر حتى وجدت الكتاب.
كان مسكونا بحكايات أبيه عن أهل تحت الأرض والمغويات والنداهات وعاشقات الإنس المخبولات.
دفعنى صوت شاعر الربابة إلى كتاب الف ليلة وليلة، فقرأته وأنا على مشارف الصبا واحتشد وعيى حينئذ بصورالسحر والخيال، ومدن النحاس والجوارى المغنيات، والصور الحرام، والمردة الأشرار، وفك الطلسم، والدروب المغلقة بالسر والخديعة، كنت- وأنا بعد صبيا- ألهث وأنا أقرأ حكاية على الزيبق مع عزرا اليهودى حين سمعت دق الدفوف الذى أرجف قلبي، أغلقت ألف ليلة وخرجت من الدار فوجدتهم تحت شجرة الجميز العتيقة ، رجل أشيب يلف رأسه بشال، يضع كفه على خده ويرفع رأسه قليلا فيما ينطلق بالإنشاد- وأنا أندهش من الدموع التى تسح من عينيه- وامرأته النحيلة تضرب الدف بذلك الإيقاع الموزون، وابنه ينفخ مزماره بصوت ينسرب حتى دمى، كانت صدمتى الأولى، وأول معارفى بالغناء الحى المباشر.
ألحقوه - وهو طفل - بمدرسة الأقباط بمدينة المحلة حيث رأى أبونا مرقص يقف تحت شجرة زيتون ويحدث التلاميذ عن الوطن، وأن اسمه وادى النيل، كان يدخل الفصل فيصيح الشيخ رضوان قيام فينهضون فى هبة واحدة : تعظيم سلام فيعظمون المبجل الأب مرقص.
نجلس صامتين، ونراهما يتكلمان، ونسمع عبرالحديث أسماء سعد زغلول والنحاس، وحرب فلسطين، وأتعرف على طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد وسلامة موسى ولطفى السيد، وفى المحلة عرفت أيضا السينما، كنت أغادر قريتى قابضا على خمسة قروش أجمعها- بطلعة الروح- بعد أن أدور على الخالات والعمات والأعمام أستجدى ثمن تذكرة السينما.
أنستنى السينما دراستى وكنت اشحن خيالى بالأفلام والأحداث الملونة وأجساد نجمات هوليود، ثم استلقى على سريرى تناوشنى أحلام النجومية، وبأننى بإذن علام الغيوب سوف أدخل معهد التمثيل وأصير نجما مثل هؤلاء، وبالفعل بعد حصولى على الدبلوم البائس من المنصورة تقدمت لمعهد التمثيل لكنهم أخبرونى أنهم لا يقبلون إلا الثانوية العامة!
كان فى الخمسينات طالبا فى الدبلوم يدرس بمدينة المنصورة، صبيا قرويا على قد حاله وموكب الزعيم على الكورنيش ، اندفع بكل محبة الروح نحو سيارة الزعيم وحين لامس هيكلها المكشوف، يريد مصافحة الزعيم، جاءت الضربة على وجهه مثل رفسة الفرس، رمته على الأسفلت، ودمه ينزف ويحجب المشهد.
فى أواخر الخمسينات عندما شاهدت فيلم "ثلوج كاليمنجارو" شدتنى غرابة الضبع الذى يعوى مثل صوت الموت فى انتظار فرائسه، خارج السينما تأملت أفيش الفيلم وعرفت أن القصة لكاتب اسمه ارنست همنجواى ، بعدها بمصادفة بحتة وقعت فى يدى قصة مترجمة بعنوان "المعسكر الهندى" ووجدتنى أندفع ناحية الكتابة تعويضا عن خيبة رجاء نجم المستقبل الأشهر!!
كان همنجواى (مودة) الكتابة المصرية فى الستينات، وعبرنصه تشكلت مدرسة تسعى إلى كتابة مغايرة، مقاومة للقهرالإنسانى، وباحثة عن افق يمجد حرية الإنسان، ومقاومة سلطة الفرد فى زمن عزت فيه حرية التعبير.
أذكر أننى فى 1969 التقيت مصادفة بالروائى جمال الغيطانى، وكان قد أصدر مجموعته الأولى "أوراق شاب عاش ألف عام"، سلمت عليه وعرفته بنفسى، وسألته عن الأدباء الشبان وأين يجلسون، فصحبنى إلى مقهى ريش، ورأيتهم يتحلقون حول الكاتب الكبير نجيب محفوظ ، بعد عدد من اللقاءات أصبحت جزءا من فضاء الندوة.
بناء سجن طره مثل قلاع القرون الغابرة، شيوعيون وإخوان وفنانون، شعراء ورجال سياسة، ومن كل ملة ، لقد جمعت السجون كل الأضداد وكأنها صندوق مقفل من زجاج على كل ضغائن السلطان.
كانت القصة بالنسبة لجيلى سعيا للمعرفة، ومجابهة لفعل الموت، لقد مسنا سحر تشيكوف، الذى نبهنا إلى الجماعات المغمورة، أنا شخصيا لم أقرأ نصا يجسد العلاقة بين المواطن العادى والسلطة كما جسدته قصة "موت موظف"
هناك الكثير من حبات الكهرمان التى تضىء ذاكرتنا، وتعرض لنا المشهد الأخير لعالم جميل يأفل ببطء جارح، عالم يتنقل من ذاكرة إلى ذاكرة، ليسكن فى الذاكرة الجماعية، كروح للمكان تأتنس بوجوه الطيبين من أبناء هذا الوطن النبيل، وتسكب نفسها أسى عليهم
أكتب نفسى، وأهلى، وأستعين فى التعبيرعن هذا العالم بمعرفة مايكتبه الآخرون، وسوف أقيم فى ذلك الزمن الموغل فى القدم، حتى رحيلى ، مثل بطل "بورخيس" الذى آل على نفسه أن يرسم العالم، وعبر سنوات عمره المديد رسم كل شىء، وقبل أن يرحل بقليل اكتشف أن كل ما رسمه إنما كان وجهه هو!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.