منذ آلاف السنين ويئن الشعب المصرى من الظلم الواقع عليه باستثناء بعض الفترات التاريخية، ففى العهد الفرعونى أذاق فرعون شعب مصر أشد العذاب، بل وصل استخفافه بهم أن نصب نفسه إلهاً عليهم، فما كان من شعبه إلا أن آمن به على مضض، ونفاقاً له، لا عن يقين واقتناع، قال تعالى على لسان فرعون (أما علمتم من إله غيرى)، كما قال أيضاً (أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى)، إنه كان لا يقيم وزناً لشعبه، قال تعالى (فاستخف قومه فأطاعوه)، فالتعذيب جاهز والسياط على أهبة الاستعداد لمن يعصيه، لقد سام فرعون شعبه أشد العذاب وقد أخبرنا بذلك القرآن الكريم (إن فرعون علا فى الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحى نساءهم أنه كان من المفسدين). طبعاً لا ننسى أن لكل حاكم طاغى حاشية من الإنس تزين له ما يفعل وتنافقه فيما يقول، لكن هيهات هيهات حينما يأتى وعد الله لا ينفع ندم ولا عويل قال تعالى (واستكبر هو وجنوده فى الأرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون* فأخذناه وجنوده فنبذناهم فى اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين). ننتقل بعد ذلك إلى الفترة الرومانية، لقد ذاق الشعب المصرى الأمرين فى هذه الفترة، حيث كان الحكام الرومان يأمرونهم بإتباع مذاهبهم وقد رفض المصريون هذا، فما كان من الرومان إلا أن حفروا الأخدود وألقوهم بداخله ثم أحرقوهم وكان هذا فى عهد الملك دقلديانوس وسمى هذا العصر ب(عصر الشهداء)، ثم حكم العرب بعد ذلك بديانة سمحاء تسوى بين العبد وسيده وبين الحاكم والمحكوم وبين الأسود والأبيض ونشر العدالة بين المصريين جميعاً وقد روى أن ابن عمرو بن العاص قد ضرب قبطياً وبغى عليه فبعث القبطى إلى الخليفة عمر بن الخطاب يشكوه ويطلب منه رد حقه إليه، وعندما استيقن الفاروق عمر بصحة هذه الشكاية أمر بإحضار القبطى وبن عمرو ثم قال له اقتص من ابن الأكرمين وقال معنفاً عمرو قولته المشهورة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟". وكما يقول المثل دوام الحال من المحال وبعد أن كانت الخلافة شورى بين المسلمين، صارت ملك وراثى بدءاً بالدولة الأموية إلى العباسية وكانت مصر مثلها مثل باقى الولايات الإسلامية ترزح تحت الظلم والبطش عدا بعض الحقب التى عاشها الشعب فى هناء ورفاهية خاصة فترة الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز. بعد ذلك تفتت الدولة الإسلامية إلى دويلات فاطمية و خوارزمية وسلجوقية وقد حكم آل عثمان بعد ذلك (الدولة العثمانية) وقد أصاب التخلف وسيطر الجمود على الجميع و منهم مصر مما أدى إلى ضعف دولة آل عثمان و آلت السيطرة فى مصر للمماليك فأذاقوا شعبها اشد العذاب بفرض الضرائب الباهظة على الشعب وحينا عندما تقوم الحروب بين المماليك وبعضهم البعض مما معه يضطر المصريون إلى بيع ممتلكاتهم و إغلاق حوانيتهم والهرب إلى أماكن أخرى مما أدى إلى كساد فى الاقتصاد المصرى ثم مجئ الحملة الفرنسية إلى مصر بحجة حماية المصريين من المماليك الأشرار، وعندما لم تنطل هذه الذرائع على المصريين، ثار المصريون وقاوموا الجنود الفرنسيين، وتم قتل الكثير من المصريين وغلق حوانيتهم ودخل الجنود الجامع الأزهر ودنسوه بأحذيتهم وخيولهم وشربوا الخمر فى الشوارع والمساجد بل والجامع الأزهر نفسه وبعد ثلاث سنوات تم فيها سفك دماء المصريين وظلمهم تم إجلاء القوات الفرنسية وبدأ حكم محمد على للبلاد بعد تمثيلية وخدعة قد فعلها وفى ظل حكم محمد على للبلاد تم استبدال نظام الالتزام بنظام الاحتكار وفيه أصبح محمد على التاجر والصانع والمزارع وسياسيا استطاع القضاء على المماليك فى مذبحة القلعة وتم له التخلص أيضا من زعماء الشعب الوطنيين الذين كان لهم الفضل فى وصوله إلى كرسى الحكم ولكن إحقاقاً للحق لا يستطيع أحد أن ينكر دور محمد على فى بناء وتأسيس مصر الحديثة. ثم حكم خلفاؤه بعد ذلك فتراجعت مكانة مصر والمصريين للوراء، باستثناء عهد الخديوى إسماعيل، فقد ازدهرت الحياة الثقافية ولكن للصفوة أما عامة الشعب كان يرزح تحت خط الفقر والذل والمهانة. ثم جاء الإنجليز بعد ذلك وحكموا مصر سبعين عاماً بالحديد والنار يذيقون أبناءها الأمرين نتيجة المقاومة الباسلة لأبنائها، فسجن الإنجليز وعملاءه وعذبوا وشردوا الوطنيين بل ونفوهم إلى ديار غير الديار! إلى أن قامت ثورة يوليو 1952 وبمبادئها التى نجحت فى بعضها وأخفقت فى البعض الآخر أما المبدأ الذى لم ينفذ إلى الآن هو إقامة حياة سياسية سليمة، فمنذ قيام الثورة إلى عصرنا الحالى لم يمارس المصريون حياة سياسية سليمة بعيدا عن التعذيب والاعتقالات، بل انتقلت الحالة الاقتصادية من سىء إلى أسوأ وأصبح المصريون مديونين ومطحونين فى الغلاء و يحيون نصف حياة ! و يعاملوا معاملة سيئة فى وطنهم و معاملة أسوأ فى البلاد المجاورة و صدق من قال لا كرامة لنبى بين قومه. أخيراً أما آن الأوان للمواطن المصرى أن يرفع رأسه بكبرياء بين الأمم الأخرى؟ ألا يأت فجر جديد يصحو فيه الضمير؟ خير الكلام قال تعالى (فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر* ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر* وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر* وحملناه على ذات ألواح ودسر) صدق الله العظيم.