أكد فاسيل جبرسيلاسى تكلا، سفير إريتريا بالقاهرة، أن بين بلاده ومصر مساحة واسعة من التعاون والتفاهم الاستراتيجى لوجود مشتركات فى الأمن القومى لكلتا الدولتين متمثلا فى السودان والصومال، فضلا على أمن وسلامة البحر الأحمر الذى يواجه تحدياً حالياً خاصة فى منطقة الجنوب، بعد استمرار وجود سفن عسكرية تابعة لقوى أجنبية بدعوى محاربة القرصنة، فضلا على وجود اضطرابات فى اليمن أدت إلى سيطرة الحوثيين على مفاصل الدولة، وتشير تقارير إلى توجههم ناحية مضيق باب المندب بما سيؤثر على أمن المنطقة، وستمتد آثاره إلى مصر وتحديداً مشروع قناة السويس الجديدة الذى تشرع الحكومة المصرية فى تنفيذه حالياً. وقال جبرسيلاسى: «فى إريتريا نؤمن بأننا إذا لم نحافظ على السلام فى البحر الأحمر فلن يكون هناك معنى لوجود موانئ إريترية، كما أن قناة السويس الجديدة لن يكون لها جدوى، لذلك اقترح الرئيس أسياس أفورقى على مصر بقوتها والسعودية بموقعها عقد لقاء لدول البحر الأحمر، للحفاظ على أمن البحر الأحمر، لكن لم ينفذ المقترح للآن رغم موافقة مصر عليه»، موضحا أن هذه المبادرة ما زالت موجودة على طاولة النقاش، ونحن فى حاجة لها الآن لمواجهة التهديدات التى تحيط بالبحر. سفير إريتريا علق على رفض الدول المطلة على البحر الأحمر وجود إسرائيل ضمن هذه المبادرة بقوله: «أعلم أن الدول العربية ترفض وجود إسرائيل، لذلك من الممكن أن تجلس مصر والسعودية وإريتريا واليمن والأردن وجيبوتى والسودان ليتفقوا على آلية للمحافظة على السلم والأمن فى البحر الأحمر بدون دعوة قوات أجنبية، لكن المهم أن يجلسوا». وأشار سفير إريتريا بالقاهرة فى لقاء مع عدد من الأكاديميين والباحثين والصحفيين المهتمين بمنطقة القرن الأفريقى إلى أهمية مصر بالنسبة لبلاده، وقال: إن القاهرة بدأت فى استضافة الأريتريين فى الأربعينيات، وقت أن كانت مصر وإريتريا تحت الاحتلال الإنجليزى، فكانت عملية دخول الطلبة الأريتريين للقاهرة سهلة، وفى عام 1952 تم افتتاح مكتب لاتحاد الطلاب الإريتريين بالقاهرة، وكان بمثابة سفارة يصدر وثائق رسمية معترفا بها من الحكومة المصرية، لافتا إلى أن مصر استضافت أول مكتب للثورة الأريترية التى أعلنت تحولها لثورة مسلحة من القاهرة فى 1 سبتمبر 1961. وشدد جبرسيلاسى على عمق العلاقات الإستراتيجية بين القاهرة وأسمرا، وقال: إن رئيس إريتريا أسياس أفورقى منذ إعلان استقلال بلاده وحتى الآن زار مصر 22 مرة، ويعد أكثر رؤساء أفريقيا زيارة لمصر، لافتاً إلى أن هذه الزيارات كان هدفها بناء علاقات استراتيجية، مضيفا: «أول رسالة تلقاها الرئيس السابق عدلى منصور بعد اختياره رئيساً كانت من الرئيس أفورقى الذى كان أيضاً أول من قام بزيارة رسمية إلى القاهرة بعد تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى منصب الرئاسة»، مؤكداً أن علاقات إريتريا بالقاهرة «ليست موجهة لأى دولة أخرى، وليست اصطيادا فى المياه العكرة، كما أننا لا نستغل التوتر فى العلاقات المصرية الإثيوبية، لأن من مصلحتنا وجود علاقات جيدة بين القاهرةوأديس أبابا»، موضحاً: «أن إريتريا تحرص على أن تكون مصر قوية وسط القارة الأفريقية وليس مع إثيوبيا أو إريتريا فقط»، لكنه أبدى حزنه لغياب مصر عن أفريقيا، وقال: «مصر بعدما كانت رائدة فى أفريقيا نجدها تخلت عن القارة وعن دورها وتقديم الدعم والمساعدة، وهناك من يقول إن مصر تعاقب الأفارقة بسبب محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا، لكن الحقيقة أن من نفذوا العملية هم مصريون انطلقوا من دولة عربية، لكن من دفع الثمن هى أفريقيا». وأشار سفير إريتريا إلى أن ضعف الوجود المصرى فى أفريقيا أدى لظهور قوى أخرى، مثل نيجيريا وجنوب أفريقيا وكينيا وإثيوبيا، مؤكدا أنه حزن بعدما علم بقرار الاتحاد الأفريقى تجميد عضوية مصر بعد 30 يونيو، ووصف القرار بأنه كان «مأساة» لكن الآن ألمس وجود توجه صادق للعودة إلى أفريقيا، فالرئيس عبدالفتاح السيسى لديه رغبة لكى تعود مصر إلى بيتها الأساسى والطبيعى فى قلب القارة، لكن هذه العودة ستأخذ بعض الوقت وتحتاج لعمل جاد». «علاقات استراتيجية تحتاج لتعاون اقتصادى قوى»، هذا ما طرحته «اليوم السابع» أثناء حضورها اللقاء، ووافق عليه فاسيل جبرسيلاسى تكلا، موضحاً أن «الاستثمار فى إريتريا حالياً لا يحقق نجاحاً لأن البلد يمر بظروف اقتصادية صعبة نتيجة العقوبات الأمريكية والغربية، فنحن نعانى من أزمة مالية لا نستطيع معها توفير العملة الصعبة، والحكومة تعمل حالياً على حل هذه الأزمة، ومن المتوقع حلها خلال العام المقبل، خاصة بعد اكتشاف الذهب الذى بدأنا فى تصديره، كما أن هناك 17 شركة أجنبية تعمل فى إريتريا حالياً فى عملية استخراج الذهب، والآن اكتشفنا البوتاس ومن الممكن خلال عامين أن نبدأ عملية تصديره، وسيساعد ذلك على حل مشكلة العملة الصعبة، وبالتالى حل غالبية المشاكل التى قد تواجه المستثمرين الأجانب ومن بينهم المصريون». وأضاف جبرسيلاسى: «نتباحث حالياً مع المسؤولين المصريين حول الاستثمار فى إريتريا» لكنه أكد فى الوقت نفسه أن بلاده تهتم بالمستثمر الذى ينظر لغد وليس اليوم، أو بمعنى آخر «المستثمر الجاد» وقال: «السوق الإريترية صغيرة لكن يمكن الاستفادة من مميزات وجودنا فى اتفاق الكوميسا، كما أن إريتريا الدولة الوحيدة التى لا يوجد بها فساد». وتناول جبرسيلاسى رصيداً تاريخياً لمعاناة بلاده من المماطلة والاحتلال الإثيوبى، ولعله كان يريد توصيل رسالة للمصريين بعدم الوثوق فى الوعود الإثيوبية الخاصة بسد النهضة، وبدأ بقوله، إن إريتريا لم تكن أبداً جزءاً من إثيوبيا، مشيراً إلى أن إريتريا تحررت عسكرياً من الاحتلال الإثيوبى فى 24 مايو 1991، وهو ما أغضب الولاياتالمتحدة والغرب ممن كانوا يرون أن استقلال إريتريا أمر غير مرغوب فيه، وأن أقصى شىء هو منحها حكما ذاتيا متطورا داخل إثيوبيا، لذلك أحدث تحرير إريتريا صدمة للأمريكان الذين عملوا على عرقلة إشراف الأممالمتحدة على استفتاء تقرير المصير إلى أن أجرى فى 1993 بتصويت %99.99 من الإريتريين لصالح الاستقلال، ثم بدأ العالم يعترف بدولة إريتريا ويقيم علاقات دبلوماسية معها. جبرسيلاسى مؤمن مثل كل الإريتريين بأن إثيوبيا هى أكبر حليف للغرب والولاياتالمتحدة فى أفريقيا، لذلك فإنها تسعى لتنفيذ ما يرغبون به نيابة عنهم، وهو ما أدى لتوتر العلاقات بين أسمرا وواشنطن، موضحاً: «أن الولاياتالمتحدة أرادت فرض إملاءاتها على إريتريا، ومنها عودة القاعدة الأمريكية العسكرية فى أسمرا، ومنحهم تسهيلات فى البحر الأحمر، وهو ما رفضناه فبدأت الخلافات مع واشنطن، ثم حدث التدخل الأمريكى فى الصومال، وهو ما رفضناه أيضاً فكانت النتيجة أنهم دفعوا إثيوبيا عام 1997 لإعلان الحرب رسمياً على إريتريا بسبب منطقة حدودية، حكمت لنا محكمة العدل الدولية فيما بعد بأحقيتنا فيها، لكن أديس أبابا رفضت تنفيذ الحكم حتى الآن»، مشيراً إلى أن إثيوبيا دخلت هذه الحرب لسبب وحيد هو أن رئيس وزراء إثيوبيا منذ أن وصل للسلطة فى بلاده كان ينوى الاستقلال بإقليم تيجراى عن إثيوبيا، وهو الإقليم الذى يقع فى شمال إثيوبيا ويحده من الشمال إريتريا ومن الغرب السودان، لذلك نص فى دستور إثيوبيا على إعطاء الأقاليم حق الاستفتاء على الانفصال وهى مادة غريبة ليس لها وجود إلا فى الدستور الإثيوبى لأنها تحقق رغبة زيناوى الذى حاول الاستقلال بالإقليم، لكنه عمل على أن يكون له منفذ على البحر الأحمر، فلجأ إلى افتعال أزمة حدودية مع إريتريا لكى يحتل منطقة على البحر الأحمر. وأكد جبرسيلاسى على أن الوضع حاليا بين أسمرا وأديس أبابا هو لا حرب ولا سلم، مؤكداً أن إثيوبيا من خلال الدعم الغربى تريد أن تفرض نفسها كقوة إقليمية فى القرن الأفريقى، فالجيش الإثيوبى تحرك للصومال بقرار أمريكى رغم وجود قرار أممى بعدم تدخل دول جوار الصومال، ثم جرت عملية تفتيت الصومال لصالح إثيوبيا، وهو ما حدث أيضاً مع السودان التى قسمت. وأشار سفير إريتريا فى اللقاء إلى أن بعض وسائل الإعلام العربية تسعى إلى تشويه بلاده عن عمد، بالاعتماد على تقارير استخباراتية أمريكية وإسرائيلية يتم تداولها بالتزامن مع كل زيارة يقوم بها الرئيس أفورقى إلى دولة عربية، من خلال الترويج لبعض الشائعات مثل وجود قواعد عسكرية إيرانية وإسرائيلية فى إريتريا أو أن أسمرا تستضيف عددا من الحوثيين لتدريبهم على يد عناصر تابعة لحزب الله اللبنانى. وحول علاقات بلاده بتركيا، قال سفير إريتريا، إن هذه العلاقة بدأت منذ سبعة أشهر فقط بتبادل فتح السفارات فى أنقرة وأسمرا، كما تم تسيير خط طيران مباشر بين البلدين، ومنذ أسبوع تقريباً زار إريتريا وفد من المستثمرين الأتراك، لافتا إلى أن لتركيا علاقات واستثمارات قوية بكل دول القرن الأفريقى وليس إريتريا فقط، . وحول العلاقة مع إيران قال جبرسيلاسى: «ليس لدينا تبادل للتمثيل الدبلوماسى، فسفيرنا فى الخرطوم هو سفير غير مقيم لنا فى طهران، وكذلك سفير إيران فى الخرطوم هو سفيرهم غير المقيم فى أسمرا». وحول قطر قال سفير إريتريا: «إن قطر بدأت تتواجد فى إريتريا عقب نشوب خلاف حدودى بيننا وبين جيبوتى التى أصر رئيسها على أن تكون قطر هى الوسيط للحل، وبالفعل ذهب الرئيسان الأريترى والجيبوتى إلى الدوحة ووقعا اتفاقية، واقترحت قطر وقتها أن تعود القوات الإريترية إلى الخلف عدة كيلومترات على أن تحل بدلاً منها كتيبة قطرية لكى تكون الفاصل بين البلدين على الحدود، وهو ما حدث بالفعل، كما أن قطر تربطنا بها علاقات قوية خاصة فى عهد الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة، الذى أراد تشجيع اتفاقية الشرق بين السودانيين وتكفل بإنشاء طريق بين السودان وإريتريا. يذكر أن فاسيل جبرسيلاسى تكلا مولود فى القاهرة لأب أريترى وأم مصرية، وتلقى تعليمه من الابتدائى حتى حصل على بكالوريوس السياسة من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة، وفى 2007 اختير سفيراً لبلاده لدى القاهرة. عدد اليوم السابع