فى لحظة تأمل للقاء «السيسى» رئيس مصر مع «ماتيو رينتزى»، رئيس وزراء إيطاليا، الذى تم يوم السبت 2 أغسطس 2014 لاحظتُ اختلافا واضحا فى طريقة وأسلوب وأداء كل منهما.. الرئيس السيسى يتحدث بأسلوب يميل للخطابة ومحاولة استقطاب الرأى العام والتلميح الدائم لمتطلبات الشعب المصرى ومكانة مصر العسكرية والاستراتيجية بشكل عام.. على حين يتحدث رئيس وزراء إيطاليا بشكل رقمى وإحصائى، وتسيطر عليه نظرية المصالح المشتركة، ويبتعد تماما عن استخدام الألفاظ البراقة، إلّا فى المناطق التى يداعب فيها مشاعر المصريين، أو يحاول من خلالها استمالة قلوب القيادات المصرية أنفسهم، وأنا أطلب من حضراتكم مراجعة اللقاء مرة أخرى والنظر إليه من وجهة نظر ناقدة، وستجدون ما أقوله هذا حقيقة واضحة. لا بأس.. نحن نعرف عن الغرب أنهم هكذا.. لا تحركهم المشاعر.. ولا يتخذون قراراتهم إلّا بدافع معايير القوة والمصالح، على عكس الشعوب العربية التى لا يرضيها إلّا سماع ما يرضيها من جمل أنيقة ومصطلحات رنانة وحماسية. سأهمس فى أذن حضراتكم بحقيقة أخرى، لو أن مستثمرا أجنبيا جاء إلى مصر ليؤسس منشأة استثمارية كبيرة و«مفيدة» للشعب المصرى، ثم قال فى مؤتمره الصحفى إن مصر بلد ضعيف يستحق المساعدة، فسنرفضه «شعبيا» وسنرفض مشروعه. ولو جاء مستثمر أجنبى غيره ليؤسس منشأة استثمارية أخرى تمتص دماء الشعب وتستفيد من ثروات مصر دون رجوع هذا الاستثمار على الشعب المصرى بفائدة حقيقية، ثم قال فى مؤتمره الصحفى إنه يشكر الشعب المصرى العريق والعظيم أنه سمح له بالعمل فى بلد يمتلك حضارة سبعة آلاف سنة، فسنقبل هذا المستثمر «شعبيا» وسنهلل له وندعمه. أعلم أن مقالى هذا سيثير غضب الكثير، وربما مُنع من النشر أصلا، ولكنى أعرف جيدا مسؤولية الكلمة ومسؤولية الكتابة فى جريدة كبيرة، ولن أقف أمام ضميرى وقد رأيت مفسدة وعطبا فى مكان ما فى المجتمع الذى أعيش فيه ثم أهملتُه ولم أفضحه. نحن عاطفيون يا سادة.. والشعوب العربية كلها شعوب عاطفية. لماذا لم يتحدث رئيس الوزراء الإيطالى عن مكانة إيطاليا فى أوروبا ودورها البارز والفعال والقائد والمُلهم والمؤثر والمحورى والاستراتيجى و.... و....؟ لماذا تبيع إيطاليا علمها لأى سفينة فى البحر تريد أن تعبر من أى مضيق فى العالم بدون خجل بشرط ألّا تكون حاملة أسلحة لدول معادية؟ لماذا أفرط رئيس الوزراء الإيطالى فى مدح مصر والثناء عليها تاريخا وشعبا وحكومة ولم يتطرق بالمرة لتاريخه هو ولشعبه هو؟ الإجابة باختصار لأنه جاء من أجل «غزة».. وهو يعلم أن دولةً ما فى العالم - مهما عظم شأنها - لا يمكنها الحل أو الربط فى قضية «غزة» بدون مصر.. وأن السبيل الوحيد لدخول مصر من بوابة واسعة هو استمالة قلوب ومشاعر المصريين من خلال الحديث عن التاريخ والحضارة والعلاقات التاريخية والمجد المصرى القديم، وأننا من علّمنا العالم الكتابة وعلمناهم العلوم، وأننا أصل الثقافة، وأننا... وأننا... ولكن بدون شرح وتوضيح لما سيقدمه هو - أقصد «ماتيو رينتزى» - للحكومة المصرية وللشعب المصرى. لقد عاد رئيس الوزراء الإيطالى إلى بلده وسيقول لشعبه إنه اجتمع برئيس مصر ورئيس وزراء مصر من أجل «غزة».. والسؤال.. ماذا سيقول رئيس مصر ورئيس وزراء مصر للشعب المصرى عن نتائج هذه الزيارة؟ عن الشفافية أتحدث.. وعن الأرقام أتحدث.. لأنى كنتُ أشاهد «ماتيو» وهو يتحدث عن تاريخنا وحضارتنا وما شابه وأقول لنفسى بصوت عال أمام التليفزيون: هااااا.. انجز.. عايز إيه يعنى؟