إن مواجهة تحديات العصر الحالية والمستقبلية يجب أن تبدأ من إصلاح تفكيرنا وتجديد رؤيتنا الثقافية لتتلاءم مع ثقافة التقدم وتهيل التراب على قيم ثقافة التخلف التى لا تزال مترسخة لدى الكثيرين منا. وأهم قيم التقدم هى ترسيخ مبدأى الانتماء والمواطنة فالانتماء هو مصدر العطاء وجوهر الحب ومصدر الوطنية، والانتماء يقوم فى الأساس على مبدأ المواطنة، والمواطنة هى الانتماء إلى الوطن.. انتماء يتمتع المواطن فيه بالعضوية كاملة الأهلية على نحو يتساوى فيه مع الآخرين الذين يعيشون فى الوطن نفسه ومساواة كاملة فى الحقوق والواجبات، وأمام القانون، دون تمييز بينهم على أساس اللون أو العرق أو الدين أو الفكر أو الموقف المالى أو الانتماء السياسي. ويحترم كل مواطن المواطن الآخر، كما يتسامح الجميع تجاه بعضهم البعض رغم التنوع والاختلاف الدينى والفكرى والأيديولوجى بينهم. ويجب علينا ونحن بصدد تأكيد مبادئ الانتماء والمواطنة أن نضع فى الاعتبار بأن هناك ثمة توازن بين الحقوق والواجبات، فالمواطنة ليست حقوقا فقط، وإنما هى حقوق وواجبات، وتتمثل الحقوق فى: الحقوق السياسية كحق المشاركة فى التصويت أو الوصول إلى المناصب السياسية. كما أن هناك حقوقًا اجتماعية وهى حق الحياة بشكل كريم وحق التعليم والرعاية الصحية وغيرها، وهناك أيضًا حقوقًا مدنية كحق الملكية وحرمة الحياة الخاصة وحق الحياة والكرامة والحرية الفردية وتكافؤ الفرص والمساواة بشكل عام...إلخ، كما تتمثل الواجبات فى الالتزام بقوانين الدولة واحترام دستورها، ودفع الضرائب، والدفاع عن الوطن وأراضيه، والخدمة فى الجيش الوطني، والولاء التام للوطن، وصيانة أسرار الدولة والحفاظ على الوحدة الوطنية. أى أنه إذا كانت المواطنة تعطى المواطن حقوق المواطنة، فإنها فى المقابل تضع على عاتقه مجموعة من الواجبات القانونية والالتزامات المعنوية ومسئوليات المواطنة. ولا تتحقق قيم الانتماء والمواطنة إلا بالديمقراطية التى يتحول بمقتضاها الحاكم المطلق الدائم المهيمن إلى حاكم نسبى يأتى ويذهب، بينما يتحول المواطن إلى مطلق، طالما حكم بصوته فقد صار حكمه واجب النفاذ!.. ومن ثم يكون النظام السياسى الأمثل الذى يضمن الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة والديمقراطية متمثل فيما يلى: برلمان منتخب، وتشكيل حكومة الأغلبية، ودستور دائم توافق عليه الأغلبية ويستفتى عليه الشعب، وانتخاب رئيس الدولة انتخابًا ديمقراطيًا حرًا ومباشرًا، مع التأكيد دومًا على تداول السلطة وفقًا لمبادئ الديمقراطية القائمة على سيادة الشعب، وحكمه لنفسه بنفسه.. هذا هو التحدى والأفق الشرعى والأمل الذى يتطلع إليه الوعى المصرى وخاصة بعد ثورتين عظيمتين.