بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    كوافيرة لمدة 20 سنة حتى الوصول لمديرة إقليمية بأمازون.. شيرين بدر تكشف التفاصيل    ندى ثابت: مركز البيانات والحوسبة يعزز جهود الدولة في التحول الرقمي    موسم مبشر.. حصاد 14280 فدان بصل بالوادي الجديد (صور)    بوليانسكي: أوكرانيا تتفاخر بقتل الصحفيين الروس والغرب يغض الطرف    اعتقال متظاهرين داعمين لفلسطين في جامعة بتكساس الأمريكية (فيديو)    الشرطة الأمريكية تكشف كواليس حادث إطلاق النار في شارلوت بولاية نورث كارولينا    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. انهيارات جليدية وأرضية إثر أمطار غزيرة شمالي الهند.. عائلات الأسرى لنتنياهو: لقد سئمنا.. شهداء وجرحى فى غارات إسرائيلية على غزة والنصيرات بقطاع غزة    الجنائية الدولية تأخذ إفادات العاملين بالمجال الصحى فى غزة بشأن جرائم إسرائيل    محلل سياسي: أمريكا تحتاج الهدنة وتبادل الأسرى مع المقاومة أكثر من إسرائيل    باحث في الأمن الإقليمي: مظاهرات الطلبة بالجامعات العالمية ضاغط على الإدارة الأمريكية    اعتصام جديد فى جامعة بريتش كولومبيا الكندية ضد الممارسات الإسرائيلية    تعيين إمام محمدين رئيسا لقطاع الناشئين بنادي مودرن فيوتشر    أحمد سالم: أزمة بوطيب مستفزة ومصر كانت أولى بهذه الدولارات.. وهذا تفسير احتفال شلبي    الغزاوي: نركز على الدوري أولا قبل النهائي الإفريقي.. والرياضة بدون جماهير ليس لها طعم    خبير تحكيمى: المقاولون تضرر من عدم إعادة ركلة الجزاء بمباراة سموحة    أزمة الصورة المسيئة، رئيس الزمالك يوبخ مصطفى شلبي بسبب طريقة احتفاله أمام دريمز الغاني    صدمة للأهلي.. الشناوي لم يستكمل المران بسبب إصابة جديدة| تفاصيل    النيابة تنتدب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق شب داخل مطعم مأكولات سوري شهير بالمعادي    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة بقنا    تكريم نقيب الممثلين على هامش الصالون الثقافي لرئيس جامعة المنصورة    سعد الدين الهلالي يرد على زاهي حواس بشأن فرعون موسى (فيديو)    وزير الأوقاف: مصر بلد القرآن الكريم ونحن جميعًا في خدمة كتاب الله    بالأسود الجريء.. نور الزاهد تبرز أنوثتها بإطلالة ناعمة    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    العميد المساعد لجامعة نيويورك: جميع تطعيمات كورونا لها أعراض جانبية ورفع ضدها قضايا    شم النسيم 2024: موعد الاحتفال وحكمه الشرعي ومعانيه الثقافية للمصريين    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    مصدر أمني يوضح حقيقة القبض على عاطل دون وجه حق في الإسكندرية    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    متحدث الحكومة يرد على غضب المواطنين تجاه المقيمين غير المصريين: لدينا التزامات دولية    بعد اعتراف أسترازينيكا بآثار لقاح كورونا المميتة.. ما مصير من حصلوا على الجرعات؟ (فيديو)    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    مجدي بدران يفجر مفاجأة عن فيروس «X»: أخطر من كورونا 20 مرة    سر طول العمر.. دراسة تكشف عن علاقة مذهلة بين قصر القامة والحماية من الأمراض    ليفاندوفسكي المتوهج يقود برشلونة لفوز برباعية على فالنسيا    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    7 معلومات عن تطوير مصانع شركة غزل شبين الكوم ضمن المشروع القومى للصناعة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    ميترو بومين يرفع علم مصر بحفله الأول في منطقة الأهرامات    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تراجع مبيعات هواتف أيفون فى الولايات المتحدة ل33% من جميع الهواتف الذكية    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    محطة مترو جامعة القاهرة الجديدة تدخل الخدمة وتستقبل الجمهور خلال أيام    محافظ دمياط: حريصون على التعاون مع اللجنة الوطنية لمكافحة الهجرة غير الشرعية    أخبار 24 ساعة.. وزير التموين: توريد 900 ألف طن قمح محلى حتى الآن    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    جامعة المنصورة تكرم نقيب المهن التمثيلية خلال ندوة الصالون الثقافي    بالفيديو| أمينة الفتوى تنصح المتزوجين حديثاً: يجوز تأجيل الإنجاب في هذه الحالات    عيد العمال وشم النسيم 2024.. موعد وعدد أيام الإجازة للقطاع الخاص    آليات وضوابط تحويل الإجازات المرضية إلى سنوية في قانون العمل (تفاصيل)    مدير تعليم دمياط يشهد ملتقى مسؤلات المرشدات بدمياط    وزير العمل ل «البوابة نيوز»: الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص 6000 جنيه اعتبارًا من مايو    خالد الجندي: هذه أكبر نعمة يقابلها العبد من رحمة الله -(فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثالثة.. رحلة أجداد مبارك من البحيرة إلى المنوفية.. قصة صاحب الكرامات..عبد العزيز باشا فهمى توسط لتوظيف والده حاجبا.. وأدخل مبارك الكلية الحربية
نشر في اليوم السابع يوم 24 - 06 - 2014

◄ مبارك لم يذكر اسم والدته ولا سيرتها مثلما فعل عبدالناصر والسادات.. وقال عنه أهل قريته: مبارك ظلمنا
◄ سر الخلاف بين السيد ونعيمة حول تسمية حسنى.. ووصايا الأب: «اوعى من السياسة»
◄ حسين سالم ولد معه فى نفس العام وظل معه فى الطيران وأثناء السلطة وأيضاً فى المحاكمة "
◄ ولد مبارك فى نفس العام الذى أسس فيه حسن البنا جماعة الإخوان مع 6 آخرين فى الإسماعيلية
◄ اتفق بعض أهل قريته على أنه لم يكن يهتم بكفر المصيلحة مثلما كان الرئيس أنور السادات يفعل مع قريته ميت أبو الكوم "
«الإنسان له قدر واحد» الكلمة للروائى ماريو بوزو، فى روايته العراب «الأب الروحى»، ورغم أنها قيلت للتعبير عن مصائر البشر فى عالم المافيا، فإنها تنطبق على عالم السياسة بدرجة ما، حيث تبدو مصائر الناس فى عالم السياسة مرهونة بالمصادفات والمفارقات، ولم يكن حسنى مبارك بعيدا عن هذه المصادفات والمفارقات، وربما حتى وهو لم يعرف اسم الروائى وقصته، فقد كان يفكر فى ترتيبات الأقدار لحياته، فى اليوم التالى لخروجه من السلطة، وربما فكر فى إمكانية أن يغير من هذه الاختيارات، وقد ظل نصف حياته الأول يبتعد عن عالم السياسة ويتحاشاها، ويبدو أنه بعد أن وجد الوقت والمساحة، فكر فيما لو كان فى إمكانه أن يختار لحياته مسارا آخر.
حسنى مبارك بعد 11 فبراير 2011، غير قبله، ومنذ هذه اللحظة وطوال تنقلاته بين مستشفيات وسجون وقاعات محاكمة، من المؤكد أنه استعاد مرات شريط حياته الممتد، كان فى أكثر من نصفها يظن أنه المتحكم فى القرارات، بينما هو اليوم ينتظر تصريفات القدر، ويجلس بينما القرار فى حياته ومستقبله فى أيدى آخرين. ووجدت الأحلام والكوابيس طريقها إليه، بعد سنوات لم تطارده. يستعيد وجوها وأسماء.
السلطة وحدها تصنع الهيبة.. ومبارك الجالس وحيدا يرى نفسه وقد أدى ما عليه من واجبات، ويبدى قدرا من الدهشة وهو يرى المظاهرات فى الشوارع تطالب برأسه، وهو لم يفعل غير ما كان عليه أن يفعل، أدى واجبه، ولم ير نفسه أبدا هذا الديكتاتور الذى يسمع ويقرأ عنه ويراه. وهؤلاء الذين فى الشوارع لا يعرفون خطورة أن تكون صاحب القرار الأول، والكل ينتظر إشارة أو حتى غمزة عين. وحتى فى أكثر اللحظات صعوبة وسط المظاهرات والغضب، لم يطلب منه أحد ممن حوله أن يترك الحكم، بل إنه أجرى عشرات الاتصالات بصحفيين ومسؤولين سابقين وحاليين يسألهم عن رؤيتهم، لكن أيا منهم لم يشر عليه بأن يرحل، وقال ذلك ضمن حواراته التى كان يعيدها أمام أبنائه وزوجته «ماحدش قال لى انتحى.. كلهم قالوا غير حكومة نظيف».
فقط أشاروا عليه أن يغير الحكومة، وألقوا بالمسؤولية على الحزب الوطنى وأحمد عز، وأكثر من مرة ردد أمام مرافقيه سواء زوجته أو أبناءه «هما عاوزين إيه؟ مش سبت الحكم خلاص.. سبت لهم الجمل بما حمل...» لكنه كان يواجه الكثير من التفاصيل عن حياته ونشأته، ويستعيد الكثير من التفاصيل التى تعود به إلى طفولته، ويرى نفسه قطع رحلة طويلة، وبعيدة، كان خلالها حريصا على أن يبقى قادرا على السير للأمام، من دون أن ينظر خلفه، لكنه اليوم ينظر خلفه ويستعيد حياته.
وجد حسنى مبارك نفسه وحيدا خارج السلطة يستعيد حياته ويفكر فيما كان يمكنه أن يفعله ولم يفعله، ربما شعر بندم ما على أنه تسرع فى ترك الحكم، وبالطبع فقد تأمل نظرات ابنه جمال التى تحمل معنى الأسف، وتساءل: هل كان يمكنه إيقاف كل هذا.. ولعل جمال يكتشف حجم ال«البلوة» التى كان يسعى إليها.
مبارك يتساءل عما إذا كان يمكنه أن يتخذ من القرارات مما يمنع عنه هذا المصير الذى يبدو غامضا، ويرى نفسه لأكثر من 80 عاما، قد قضى منها 60 عاما فى مواقع ومناصب مهمة، هى نفسها عمر كامل لبشر، منها 36 عاما فى عالم السياسة، التى كان يتحاشاها فى النصف الأول من حياته، لكنها سعت إليه، وفرضت نفسها عليه. فيما بدا مفارقة من مفارقات كثيرة حكمت حياته وحياة أسرته، أهم هذه المفارقات أنه بقدر ما استفاد من البعد عن السياسة وعالمها بقدر ما كانت السياسة لها تأثيرها المباشر على مسيرته، بل ومسيرة أسرته، أطاحت السلطة بكثيرين من حوله، بينما منحته مواقع ومناصب رفعته إلى الرئاسة أهم وأخطر المناصب.
لم ينتبه مبارك إلى أن نقطة الانقلاب بدأت قبل سنوات من يناير2011، وتراجع عن فتح باب التجديد فى النظام، وتصور أنه يمكنه معاكسة قواعد الطبيعة، وتصور أو صور له من حوله أنه يمكن أن ينقل السلطة لابنه، بشكل آمن، وتجلت نقطة الانقلاب منذ عام 2008 عندما بدا نظام مبارك يكرر ما سبق له أن فعله، الأزمات تتكرر كما هى وردود الأفعال هى نفسها.
وما جرى من 25 يناير حتى 11 فبراير 2011، كان السقوط المتسارع، بعد سنوات من الانحناء.. بدأت فكرة هذا الكتاب عام 2006 بعد سقوط كل الرهانات على تغير نظام الحكم، وبدت إشارات عديدة لتوريث الحكم من حسنى مبارك إلى جمال، وهى إشارات كانت ظاهرة، مهما حاول كثيرون نفيها بعد تنحى مبارك، وكانت معها إشارات الانهيار للنظام السياسى والاجتماعى.
مبارك بدا أكبر من عمره بسنوات، ولم يلتفت إلى أن كل هؤلاء المواطنين الذين خرجوا ضده فى الشوارع، يرونه ديكتاتورا ومتسلطا عجز عن إيقاف التدهور، ولم يهتم بقراءة ما يكتب، واعتاد أن يعطى ظهره للمعارضة، ويتعالى عليها، ويراها مجرد كلام، بل إنه سخر من هؤلاء المعارضين الذين هددوا بتشكيل برلمان موازٍ وقال أمام الجميع: «خليهم يتسلوا».. مبارك الذى يبدو غاضبا من أن يعامله الشعب بهذا العنف، اعتاد أن يرى هؤلاء المعارضين مجرد أصوات، وهؤلاء المتظاهرين، مضحكوكا عليهم، بينما تسلوا هم بالغضب، وخرج هو ليستعيد ذكرياته التى لم يجد الوقت لتذكرها طوال 40 عاما.
أولى نتائج السياسة على حياة حسنى مبارك كانت لثورة 1919، وحصول والده السيد مبارك على وظيفة تخرجه من مصير أن يبقى فلاحا أجيرا، لكنه حصل على وظيفة بوساطة من عبدالعزيز باشا فهمى، ابن قريته كفر المصيلحة، وأحد زعماء ثورة 1919 مع سعد زغلول. كما أن معاهدة 1936 التى أبرمها الوفد مع الإنجليز، كانت أحد العوامل التى سمحت لمبارك بالانضمام للجيش ودخول الكلية الحربية ثم كلية الطيران، مثل كثيرين من أبناء الطبقة الوسطى الصغيرة، وبوساطة من عبدالعزيز باشا فهمى نفسه، الذى رحل عام 1951 بعد عامين فقط من دخول حسنى مبارك للكلية الحربية.
وحتى تعليم حسنى مبارك فقد كان فى مدرسة المساعى الحميدة الثانوية بشبين الكوم، قامت بفضل جمعية خيرية بنفس الاسم أنشأها كبار الملاك فى المنوفية، وكلها تبدو مصادفات ومفارقات حددت مستقبل حسنى السيد مبارك.. وكان تقدم أسرته اجتماعيا فى جزء منها من مكاسب ثورة 1919، ونشاط الوفد الحزب الأكثر شعبية.. كل هذا لم يدفع حسنى مبارك للاقتراب من السياسة، بل إنه عُرف تلميذا مجتهدا يذاكر فى الحقول أو فى المسجد، ويمارس الرياضة، ومثل كثير من التلاميذ المجتهدين كان يبدو منطويا وله اهتماماته بعيدا عن زملائه.
أى من أفراد الأسرة تذكره مبارك فى لحظات الحلم والكابوس؟.. مبارك اختلف عن الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات بعزوفه التام عن الحديث عن حياته الشخصية قبل توليه الحكم أو الإشارة لعائلته وجذوره.. عبد الناصر كان فخورا بأسرته البسيطة ووالده البوسطجى وارتباطه بأمه وصدمته فى وفاتها.. وتحدث عن عائلته وكفاحه قبل الثورة، وأنور السادات كان دائم الحديث عن قريته ميت أبو الكوم وارتباطه بها حتى سنوات عمره الأخيرة، وإن كان أخذ عليه أنه كان يعدل فى حكاياته وتاريخ أسرته، فى أوقات وكتب مختلفة، بشكل جعل هناك أكثر من تاريخ للأسرة.
أما حسنى مبارك فلم يعرف عنه تطرقه لشؤونه العائلية والأسرية، وهناك نقاط مجهولة عن تاريخ أسرته الحقيقى رغم أنه بقى فى السلطة 36 عاما منها 30 عاما فى منصب الرئيس، وأغلب الأخبار عن أسرته ونشأته تأتى إما من مصادر خارجية أجنبية، أو من حكايات متواترة مشكوك فى صحة بعضها.
مبارك نجح فى إبعاد أسرته وتاريخه الشخصى والعائلى بعيدا عن الإعلام، ومثلما كان فى حكمه فقد ظل تاريخه بعد رحيله عن الحكم محاطا بالكثير من الغموض، وحتى هؤلاء الذين عملوا معه واقتربوا من نظامه، عندما تحدثوا لم يضيفوا الكثير مما كان معلنا وقت وجوده فى السلطة، وحتى المصادر الأجنبية والمصرية، لم تقدم الكثير فيما يخص حياة مبارك الشخصية، وتركزت أغلبها حول دوره السياسى وفترات دراسته العسكرية فى الداخل والخارج، وحتى بعد رحيله عن السلطة، لم تضف محاولات البحث كثيرا إلى ما هو متوفر، لكن الثابت أن حسنى مبارك لم يحاول تغيير سيرته أو يخترع سيرة لعائلته ولم يثبت أنه منحاز لأهله أو أقاربه خلال السنوات الأولى من حكمه، وهو ما فسره البعض بأنه نوع من الجحود، والتعالى بينما اعتبره أنصاره ومؤيدوه نوعا من التعفف، ورفض التدخل أو التوسط لأقاربه، وقالوا، إن إخوته عاشوا وبعضهم رحل فى حياته من دون أى ضجة.
بعض القصص تروى أنه لم يكن يحب ذكر سيرة والده لأنه كان موظفا صغيرا فى محكمة، أو والدته، لكن أيا من هذه القصص لم يقدم برهانا على أن مبارك كان يحتقر أهله، وهى قصص وحكايات تدخل ضمن محاولات سحب أى ميزة عن الديكتاتور السابق، بينما يمكن النظر له مثل كثيرين من الطبقة الوسطى التى تجد طريقها للصعود الاجتماعى، ضمن دولة مركزية كل سلطاتها بالعاصمة، غالبا كما ينشغلون فى مهامهم ومناصبهم، وينفصلون مع الوقت عن متابعة قراهم أو مدنهم وأهلهم.. مبارك لم يكن من النوع المتعدد الصداقات، ربما لأنه دخل عالم السلطة مبكرا، فى عقده الرابع، ولهذا لم يظهر له أصدقاء طفولة يتحدثون عنه، ربما لأنه خرج من السلطة إلى السجون والمحاكمات، فى زحام فترة مليئة بالأحداث.
واتفق بعض أهل قريته أنه لم يكن يهتم بكفر المصيلحة مثلما كان الرئيس أنور السادات يفعل مع قريته ميت أبو الكوم، حيث حرص السادات على إعادة بناء منازلها الريفية وتوصيل السخانات الشمسية إلى الكثير منها، وكان حريصا على زيارتها وعقد مؤتمرات صحفية فيها، كما أنه كان مولعا بالحديث عما أسماه «أخلاق القرية المصرية»، التى كانت تعنى لديه قيم الاحترام من الصغير للكبير، وترجم هذا فى وضع نفسه كبيرا للعائلة المصرية وهو وضع يستحق الاحترام.
مبارك لم يكن له تاريخ أسرى معروف، فهو لم ينتم لأسرة عريقة، وإن كانت أسرته لم تكن مجهولة تماما.. ومن المصادر التى تعرضت لجزء من حياة مبارك كتاب عن دار «تشسى هاوس» عن «كبار زعماء العالم» عام 2008، بالإضافة إلى حكايات وقصص، منقولة عن أهالى قريته كفر المصيلحة، كان الصحفيون يلحون للحصول عليها من أهالى القرية، وهى حكايات متضاربة، بعضها يصور مبارك على أنه الابن الجاحد، والبعض الآخر يراه حاكما له أخطاء أو ميزات. وأغلبها تردد فى أوقات مرتبكة كانت المشاعر فيها مختلة تجاه مبارك وأسرته، نأخذ منها ما هو مؤكد أو ما يتماشى مع المنطق.
ولد محمد حسنى مبارك فى 4 مايو 1928 فى قرية كفر المصيلحة بمحافظة المنوفية بوسط الدلتا وهى نفس المحافظة التى كان ينتمى إليها الرئيس أنور السادات، وهى من أكثر المحافظات شهرة فى عدد المسؤولين والوزراء والرؤساء، كما أن «المنايفة» كانوا محل تساؤل دائم، بالرغم من أن السبب غالبا كان لأن المنوفية محافظة زراعية ظلت حتى إنشاء مدينة السادات تفتقد إلى المجال الصناعى وبالتالى فهى طاردة لأصحاب الطموحات فضلا عن قربها من القاهرة ولا تبعد أكثر من 50 كيلومترا عن العاصمة.
ومن المفارقات أن السنة التى ولد فيها حسنى ولد فيها آخرون تقاطعت وتماست حياتهم مع مبارك، منهم، أريل شارون رئيس الوزراء الإسرائيليى وصاحب مجازر صابرا وشاتيلا واجتياح بيروت فى عام 1982، والذى مات العام الماضى، كما ولد فى نفس العام ارنستو تشى جيفارا الثائر الأرجنتينى أو شريك فيدل كاسترو فى ثورة كوبا، والذى تم القبض عليه وإعدامه فى 7 أكتوبر 1967 فى بوليفيا، ليصبح أيقونة الثورة وللمفارقة أن صور جيفارا كانت ترفع فى ثورة يناير ضد حسنى مبارك. وفى نفس العام ولد حسين سالم زميل حسنى مبارك فى الطيران وأيضا شريكه فى العمل والصفقات والمحاكمات أمام القضاء، أيضا ولد المفتى وشيخ الأزهر السابق الدكتور محمد سيد طنطاوى.
وفى مارس 1928 تأسست جماعة الإخوان المسلمين على يد الشيخ حسن البنا، مع ستة آخرين فى الإسماعيلية، وفى نفس العام ولد محمد مهدى عاكف المرشد السابع للجماعة والمسجون فى سجن طره. ومن المصادفات أيضا التى سوف ترتبط بحياة حسنى مبارك أنه فى عام 1928 تم افتتاح سجن طره فى منطقة طره جنوب غرب حلوان، أحد أشهر السجون الجنائية والسياسية فى تاريخ مصر، ويقع جزء كبير من السجن على النيل ويضم مجمع سجون طره كلاً من سجن المزرعة، وليمان طره، وسجن استقبال طره، ومحكوم طره، وسجن طره شديد الحراسة «المعروف باسم سجن العقرب».
وتم إنشاء سجن طره ومزرعته ومستشفاه عندما كان مصطفى النحاس باشا وزيراً للداخلية، بهدف تخفيف الزحام عن سجن أبى زعبل، وشهد سجن طره تنوعا فى المساجين من أعضاء تنظيم الجهاد قتلة السادات إلى الإخوان وعنابر المتهمين بالرشوة والجنايات الكبرى، وأيضا ضم رجال مبارك وأبناءه علاء وجمال، ومبارك نفسه فى المستشفى وسجن فيه كبار قيادات عهده من صفوت الشريف إلى فتحى سرور وحتى أحمد عز وقائمة طويلة، وحل فيه خصومه وأغلب من اتهموا بالفساد فى عصره، وقيادات جماعة الإخوان سواء فى عهده، أو بعد أن تمت الإطاحة بهم بعد 30 يونيو.
وربما كانت هذه المفارقات جزءا من تصاريف التاريخ، الذى يبدو صامتا، لكنه يسجل كل شىء، وتتقاطع مصائر الناس وتتفرق طرقهم، لتعود وتتلاقى فى سياقات ممتدة من الأقدار، وها هو محمد حسنى مبارك، متنقلا بين أسرّة المستشفيات وقاعات المحاكم، يسترجع بنفسه هذه التواريخ، ربما غير مدرك لكونها تشكل مصائره ومصائر غيره فى السلطة والحكم، وخارجها أيضا.
ففى مستشفى سجن طره، استقر حسنى مبارك شهورا، بعد أن سعت جماعة الإخوان، ورئيسها محمد مرسى، لنقله إلى السجن، ربما متصورين أنها دامت لهم، ربما أرادوا أن يذيقوه بعض مما عرفوه ورأوه فى عهد رئاسته، غير متوقعين أنهم يمكن أن يعودوا إلى السجن بتصاريف الأقدار ومفارقات السياسة، التى تبدو أحيانا قدرية وأحيانا أخرى تبدو كأنها طرق قسرية تدفع الناس للسير فيها عنوة، خاصة هؤلاء الذين اختاروا السياسة والسلطة، أو من اختارتهم السياسة وجذبتهم السلطة، ومن هؤلاء بالطبع محمد حسنى مبارك. الذى كان يتحاشى السياسة سنوات من عمره، لكنها اختارته.
لا توجد الكثير من المعلومات عن جذور أسرة مبارك، لكن مما هو متواتر عن الأسرة فإن عائلة مبارك نزحت من إحدى قرى محافظة البحيرة، وهناك محاولات صغيرة لتوثيق تاريخ العائلة، منها كتيب صغير أصدره بعض أعضاء العائلة فى التسعينيات تصدرته صورة حسنى مبارك رئيسا، ورد فيه أن عائلة مبارك ترجع أصولها إلى قرية زاوية البحر التابعة لمركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة، حيث ضريح جدهم «سيدى مبارك» وأنه من أولياء الله، وذوى الكرامات. وفى أوائل القرن التاسع عشر انتقل الجزء الأكبر من العائلة إلى قرية المصيلحة، وعاش فيها لنحو قرن قبل أن تحدث خصومة مع عائلة أخرى، وقع فيها قتلى، وجرحى، وخلقت خصومة ثأر دفعت كبار رجال العائلة لمغادرة القرية، إلى الجهة الأخرى من النيل، واستقروا فى قرية تابعة لشبين الكوم، أطلقوا عليها بعد ذلك اسم «كفر المصيلحة»..
ولد السيد مبارك نهاية القرن التاسع عشر حوالى 1900، وتلقى تعليمه فى الكتاب بالقرية، ولم ينتظم فى تعليمه بمسجد السيد البدوى بطنطا التى تبعد حوالى عشرين كيلومترا عن القرية، وعمل فى الزراعة فترة بأملاك صغيرة، وعندما بلغ العشرين من عمره حصل على وظيفة حاجب فى محكمة طنطا، بوساطة من عبدالعزيز باشا فهمى، السياسى والمحامى الشهير وأحد زعماء ثورة 1919 مع سعد زغلول، وتحسنت الظروف المادية للسيد مبارك مما مكنه بعد سنوات من الزواج بإحدى قريباته، نعيمة أحمد إبراهيم التى كانت أحد أبناء عمومته ومن نفس عائلة مبارك. وأنجب ابنه محمد حسنى ثم تلته ابنته سامية، ثم أحمد سامى، وفوزى، وعصام الدين». الأم نعيمة قريبة للأب من عائلة مبارك، وكان السيد هو الذى اختار اسم محمد للابن الأول، بينما اختارت الأم حسنى نسبة لجد مشترك، فاختاروا له اسما مزدوجا هو محمد حسنى، وهو أمر تكرر فى الطفل التالى الذى اختاروا له اسم أحمد سامى.
أسرة محمد حسنى مبارك، كانت مثل آلاف الأسر فى دلتا مصر، تتفاوت أحوال أعضائها اقتصاديا واجتماعيا، ولم يكن حسنى مبارك نفسه مهتما بذكر عائلته، أو تاريخها، على عكس ما كان متاحا عن أسر الرئيسين السابقين جمال عبدالناصر أو أنور السادات.
نشأ محمد حسنى فى قرية كفر المصيلحة، الأب يعمل حاجبا فى محكمة طنطا قبل أن ينتقل إلى محكمة شبين الكوم بعد إنشائها، ويأخذ أسرته للإقامة فى مدينة قويسنا على بعد كيلومترات من عمله. كان الوالد السيد مبارك محافظا وصارما فى تربية أولاده، خاصة الابن الأكبر محمد حسنى الذى نادرا ما كان يذكر والده، وكان يصفه بأنه كان شديدا وأنه كان يحرص على متابعته فى الدراسة ويصر على أن يكون متفوقا، هو وإخوته باعتبار أنه لم يكن من ذوى الأملاك أو الأراضى، ووالدته نعيمة كانت فلاحة بسيطة لا تقرأ ولا تكتب مثل غالبية نساء هذا الزمن، لكنها كانت تشجع أولادها على التعليم، وكانت سيدة مدبرة، قضت عمرها فى خدمة أولادها، وكانت تحلم بأن يتعلموا ويصعدوا إلى مناصب عليا.
كل الروايات من زملائه فى المدرسة أو أقرانه فى القرية تؤكد أنه كان تلميذا هادئا فى الفصل، جادا فى دراسته، متفوقا فى اللغة العربية والتاريخ، يحب الرياضة البدنية ويمارس الجرى والهوكى وتنس الطاولة والاسكواش وذو لياقة بدنية وحيوية ونشاط. ولم يذكر له أنه شارك فى أى أنشطة سياسية أو اجتماعية فى المدرسة، لكنه لم يفوّت فرصة للانخراط فى الأنشطة الرياضية بكل أنواعها، وبالرغم من أنه عاصر فترة من أكثر فترات الغليان السياسى، وكان الطلاب يشاركون فى الإضرابات والمظاهرات بدفع من حزب الوفد أو الحركات السياسية التى شهدتها مصر فى الثلاثينيات والأربعينيات فإن حسنى بتأثير من والده وصرامته، عرف عنه أنه كان ينصح زملاءه بالبعد عن السياسة أو المشاركة فى الإضرابات، لأن والده شدد عليه: اوعى المظاهرات.. اوعى السياسة.
كانت عائلة مبارك مستورة نسبيا وليست فقيرة جدا، ومثل هذه العائلات كانت تحرص على تعليم أبنائها حتى يخرجوا من مصير آباءهم، كانت المدارس الحكومية والأهلية منتشرة بعد ثورة 1919 مع تصاعد الحركة الوطنية ومنها مدارس تتبع جمعيات خيرية ومنها مدرسة المساعى المشكورة بشبين الكوم التى تلقى فيها مبارك تعليمه الثانوى.
قبلها كانت قرية كفر المصيلحة من القرى المحظوظة، لأنها عرفت التعليم مبكرا، وقيل إنها حملت أطلق عليها «كفر باريس» لأنها قضت على الأمية قبل عقود وامتلأت مدارسها بالتلاميذ.. وتقع قرية كفر المصيلحة على بحر شبين، ويحوطها نهر النيل بفرعيه، حصل محمد حسنى السيد مبارك على الشهادتين الابتدائية والإعدادية، قبل أن يتوجه لمدرسة المساعى المشكورة الثانوية بشبين الكوم وكان يمشى 8 كيلو مترات من مكان إقامة الأسرة إلى المدرسة.
وبالرغم من أن حسنى مبارك تحاشى العمل فى السياسة وابتعد عنه فقد خدمته السياسة مباشرة، وأيضا خدمه بعده عنها كثيرا فى مسيرته المهنية أو حتى السياسية والمناصب التى تقلدها طوال حياته، فهل كانت لنشأته والمفارقات التى عاشها فى حياته تأثيرات على مستقبله، وإلى أى مدى كان القدر يخبئ لحسنى مبارك الكثير من الفرص والمفارقات.
◄ مبارك الفرعون الأخير .. الحلقة الأولى:كيف تصرف مبارك فى اليوم التالى للتنحى؟..طلب الاتصال بالنائب والمشير.. وانقبض من مشهد الأفراح فى الشوارع.. وتذكر شاوشيسكو وصدام وقال بلدنا مش كده
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثانية:قال لأوباما: أنت لا تعرف وبعدها سأل نفسه:من يكون هذا الشعب ولماذا ثار ضدى؟..عندما سقط الإخوان اعتبره تحقيقا للنبوءة..وأصيب بأزمة بعد تأكده أنه متهم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.