لو تخطينا يوم 14 نوفمبر وبلغنا نهائيات مونديال 2010 نكون بصدد تسجيل اسم حسن شحاتة فى سجلات الخالدين فى تاريخ الكرة المصرية كعلامة مسجلة للنجاح ورمز لمعنى حقيقى للأسطورة، لأنه سوف ينفرد بامتيازات التفرد عن الآخرين، ويضع حدوداً فاصلة بينه وبين كل الذين نافسوه لاعتلاء عرش الإنجازات منذ أن لعبت مصر كرة القدم. ليس هذا التقرير قصيدة شعر فى مدرب مصرى لم تخل مسيرته من مطبات الانتقاد والانكسار وأحيانا عنف الهجوم الشخصى والمهنى.. وليس مجاملة ولا تمسحاً بالناجحين، وإنما هو استعراض لحالة نجاح غير مسبوقة ربما لا تخلو من بعض الشوائب، لأن البشر فى نهاية الأمر لا يمكن أن يرتقوا إلى مرتبة الملائكة. حسن شحاتة المدير الفنى للمنتخب الوطنى من مواليد كفر الدوار بمحافظة البحيرة.. خرج إلى الحياة فى 19 يونيو 1947 فى أسرة بسيطة الحالة.. وطبعاً لم يكن هو ولا من استقبلوا ميلاده يتوقعون أن فى انتظاره ميلادا جديدا فوق منصات التتويج.. وأن ابن كفر الدوار سيكون ابن مصر كلها وموحد المشاعر بين جماهيرها التى تعودت وتربت على عشق الانتماءات الخاصة، فإذا بها تستمد من إنجازاته طابعاً جديداً فى الانتماء العام وتقبل فكرة أن منتخب مصر لمصر، وأنه فعلاً فوق الجميع حتى لو تأسست الكرة المصرية مع ميلادها على فكرة القسمة فى المشاعر بين الأهلى والزمالك. ربما أكون مصيباً لو قلت إن حسن شحاتة فقرة معبرة جداً فى كتاب وصف مصر.. فقد تجمعت لديه تلقائية البساطة التى استمدها من بيئة ميلاده، وقوة الشخصية التى شرب من كأسها وهو يشق طريقه من البداية إلى النهاية فى ملاعب عرفت وقتها طعم الأجيال الذهبية من النجوم، وملامح شخصية فى تكوينه الجسمانى، وملامح وجه تعطيك انطباعاً بأنه الصورة الحقيقية لابن البلد المولود حتماً فى مصر وليس فى دولة أخرى.. وهو يملك «الكاريزما» التى تمنحك انطباعاً بأنه لابد أن يكون بطلاً فى الملعب أو السينما أو فى كتب نجيب محفوظ عن فتوات زمان، الذين جعلوا للفتونة آداباً وتقاليد وأخلاقا. واكتملت صورة حسن شحاتة لتؤهله للحصول على لقب «المعلم» عندما دعم شخصيته بالتدين الذى ذهب بالبعض إلى اتهامه باللجوء لأولياء الله الصالحين ومشايخ الحجاب والتعويذة.. ولأنه «معلم» فعلاً لم ينزعج من هذه الاتهامات، وكان يبتسم كلما وردت على لسان أو بأقلام من رفضوا نجاحه، ويقول ببساطة: «من تعلم من جامعة الحياة ولم يجرب يوماً جامعة علمية الحمد لله أن مكاسبى وانتصاراتى تأتى من عند الله، ولو ظلت تأتينى هكذا فسوف أكون سعيداً وأدعو أن يديمها علىّ نعمة». كل التفاصيل الخاصة بسيرته الذاتية معروفة للجميع.. لكن لم يكن معروفاً لماذا هو «معلم» ولماذا هو متفوق بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف.. ولماذا كان يبكى عندما يخسر الزمالك، ولماذا هو الوحيد من اللاعبين الذى بكى عندما خسر المنتخب أمام تونس بأربعة أهداف فى تصفيات كأس العالم.. لماذا كان حساساً ويحمل شعوراً مرهفاً تجاه كرة القدم.. ولماذا ظل عزيز النفس فى علاقاته مع أجيال متعاقبة بارزة جداً فى حقل كرة القدم.. لماذا كانت حياته كلاعب ومدرب مثل الدراما لكنها دراما من نوع خاص لا يشترط فيها الصراع بين الخير والشر.. لماذا ظهر لنا كرجل يطارده النجاح ويصل إليه ويتمسك به حتى رغم أنفه وأنف كل الظروف.. لماذا ينهض بسرعة كلما سقط على الأرض.. لماذا يتمتع بهذه الإرادة والثقة حتى فى أحلك الأوقات لدرجة أنه امتلك جرأة الحديث عن التأهل لنهائيات كأس العالم فى وقت كان أبعد عنه بآلاف الأميال. حسن شحاتة لا يجاوب عن هذه الأسئلة فى ورق أو على شاشات التليفزيون.. ويفضل أن يجيب عنها فى الملعب.. وعندما بحثوا له عن أى نواقص قالوا إنه زملكاوى، فإذا بهم يرونه مغرماً بعماد متعب وعصام الحضرى ووائل جمعة ومحمد أبوتريكة ولا يتحرج فى أن يقول إنه لا مانع أن يحب المدرب بعض اللاعبين أكثر من اللازم.. واضطر المتربصون به فى النهاية أن ينسبوا وجوده ونجاحه إلى كبار فى الدول «يسندونه» ويفرضونه على الكرة المصرية.. ولم يكن ذلك اتهاماً منطقياً لأن الكبار لا يلبسون الشورت والفانلة وينزلون الملعب ولا يعرفون من كرة القدم أكثر من كونها شكلاً من أشكال السياسة.. وأسئلة كثيرة عن حجم الموهبة التدريبية التى من الممكن أن تؤهله إلى قيادة المنتخب الأول.. وهم فى حقيقة الأمر لم يبحثوا جيداً فى تاريخه التدريبى الذى كان عجيباً ويدعو للدهشة مثلما قلنا من قبل إن النجاح يطارده أينما كان.. درب فريق المنيا وصعد به إلى الأضواء عام 1996.. وفى العام التالى صعد بنادى الشرقية ثم أنجز ذلك أيضاً مع السويس. كان لابد أن يلفت انتباه من يفهمون فى كرة القدم.. فكانت خطوة توليه تدريب منتخب الشباب.. ومعهم أحرز بطولة كأس الأمم الأفريقية للشباب التى استضافتها بوركينا فاسو وشارك بهم فى كأس العالم للشباب بالإمارات وخرج من دور الثمانية أمام الأرجنتين.. ليحصل بعد ذلك على فاصل ويعود للأندية وتحديداً مع المقاولون ليحقق إنجازات سبقت الإشارة إليها، إلى أن قفز إلى المنتخب الأول وتربع على عرش إنجازاته. هذه قصة حياة رجل مع النجاح لا يريد البعض قراءتها.. لماذا؟.. لا أعرف.